نبيل عمار حذر من “ضوء أخضر” لاسرائيل في غزة… وقال ان بلاده لن تكون “شرطي اوروبا” في افريقيا
لندن- لا يتردد وزير الخارجية والهجرة التونسي، نبيل عمار، في تقديم رؤية بلاده عن الأوضاع الداخلية والعلاقات الخارجية، خصوصا الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. يعرضها بجرأة ووضوح، في مقابلة شاملة مع “المجلة” بمقر السفارة التونسية في لندن.
بالنسبة إلى الوزير عمار، موقف تونس من “قضية فلسطين واضح، فهي قضية مبدئية، وهي قضية شعب” ، ذلك “أننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ولا علاقة لنا بذلك، نحن نتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه”.
وفي ما يتعلق بالإسلام السياسي، صرّح “هم من لديهم مشكلة مع تونس”. ويتابع :”حكموا البلاد منذ 2011 مع أحزاب أخرى وفقدوا كل مصداقية بسبب ارتباطاتهم بالخارج. الفشل كان على جميع الأصعدة…تونس بلد عاش تجربة تبيّن فشلها، وعلينا استخلاص العبر من ذلك. المواطن التونسي يحب الحياة، وتونس مهد لتلاقي الثقافات والحضارات، وإذا أردت تغيير النمط المجتمعي باستخدام العنف، وفي الوقت ذاته نتائجك السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت كارثية، فماذا تتوقع؟ التونسيون صرحوا بأنه لا حاجة لنا بهم”.
لكن في الوقت نفسه، تقوم تونس بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة لحل المشاكل التي تعاني منها البلاد، موضحا: “نحن فعلا نقوم يوميا بإصلاحات في تونس، من دون الإفصاح عن تفاصيلها علنا. وكان لدينا اجتماعات بخصوص قانون المالية. وعلى مستوى كل الوزارات، تُبذل جهود كبيرة لإصلاح ما تم تدميره بعد 2011 في تونس”.
وعن علاقة بلاده مع الأوروبيين، يقول إن أطرافا أوروبية تمارس “ضغوطات عبر الإعلام وبالتصريحات عن انهيار الاقتصاد التونسي… وهو ما يعد من قبيل التحضير للضغط على تونس حتى تقبل بأن تكون “شرطي أوروبا”، وتُوطن المهاجرين غير الشرعيين”. وقال: “الخطوط الحمراء هي استقرار البلاد والدفاع عن القدرة الشرائية للفئات الهشة”.
ودافع الوزير عمار عن عودة العلاقات مع دمشق، قائلا: “نحن مع عودة سوريا. من يحكم سوريا أو من يمثلها موضوع سوري لا نتدخل فيه، نحن نتعامل مع الحكومات، ومع النظام السوري الذي نعتبر أنه يمثل السوريين، وهذا هو موقف تونس”.
كما دافع عن تحسن العلاقات مع روسيا في جميع المجالات، قائلا إنه لم يبحث خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو التعاون العسكري. كما أشار إلى تنافس دولي على ثروات أفريقيا.
وهنا نص الحوار الذي جرى في مكتب السفير التونسي في لندن يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول:
* كيف كان اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة؟
– أخذت الكلمة مباشرة بعد رئيس الاجتماع، وزير خارجية المغرب، وأمين عام الجامعة العربية، ووزير خارجية فلسطين، ووزير خارجية سوريا. ولم تكن هنالك فرصة لتقديم المداخلات، وتم الاتفاق على أن لا يكون هناك إعلان، وهو ما تم إعلامنا به عند بداية الاجتماع. وبعد تقديم مشروع البيان، أخذت الكلمة بعد وزير خارجية سوريا (فيصل المقداد)، مؤكدا أنه لا يرتقي إلى اللحظة التاريخية التي نمر بها، فنحن في وضع تاريخي جديد وخطير. عبّرت عن هذا التحفظ، لكن دون الدعوة إلى إيقاف عملية التصويت. ثم أعربت بلدان أخرى عن تحفظها، وقامت بذلك كتابيا بعد نهاية الاجتماع. ومن جانبنا، قدمنا تحفظا قويا جاء على لسان السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي كلفني بإجراء تحفظ على كل ما ورد في البيان. ونص التحفظ التونسي موجود ومرفق بالبيان.
* كما قلت إن هذه لحظة تاريخية 7 أكتوبر/تشرين الأول، بعد 50 سنة من 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، قد تكون منعطفا تاريخيا، وكان يفترض أن تكون هناك وحدة موقف عربي في تلك اللحظة، ولكن ما حدث أنها كانت لحظة انقسام عربي، أليس كذلك؟
– لا نود أن نغذي فكرة الانقسام. وسياسة تونس دائما قائمة على تقريب وجهات النظر، وهي حريصة على أن تكون بناءة في مواقفها وفي علاقاتها مع كل البلدان العربية الشقيقة. نحن نحترم كل البلدان ومواقفها ولكن لدينا موقفنا الذي ندعو إلى أن يتم احترامه. وموقف تونس إزاء القضية الفلسطينية معلوم لدى الجميع ولم يتغير، ومنصوص عليه في الدستور. القضية الفلسطينية قضية حق شعب، ونحن مقتنعون بأنه لا يمكن طمس حقوق الشعوب إلى الأبد. وهو أمر غير معقول وغير مقبول، لا سياسيا ولا إنسانيا ولا بأي مقياس من المقاييس.
* كيف تنظر إلى 7 أكتوبر، هذا الحدث أو هذا الهجوم الذي قامت به “حماس”، وإلى أي حد سيترك أثرا على مستقبل القضية الفلسطينية؟ كيف تنظر إلى ذلك التاريخ؟
– نحن في تونس ندافع عن حق الشعب الفلسطيني ولا نود أن ندخل في أي انقسام، ومتمسكون بهذه الرؤية وهذا الموقف. ولكن في ظل ما نشهده من تطورات مؤخرا، يبدو أن هناك ضوءا أخضر للمحتل لكي يقوم بعمليات ويقتل مَن يستطيع قتلهم.
* إلى ماذا سيؤدي ذلك في المعايير الجيوسياسية؟
– يجب أن يدرك أي إنسان عاقل أن الحل الجذري هو إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وانتهاء الاحتلال وكل تبعاته. وإذا لم يتم ذلك، فكل المؤشرات تنذر بأن تتطور الأمور في المستقبل إلى الأسوأ.
* هل تعتقد أن الذي حصل يساهم في مساعدة الشعب الفلسطيني بالحصول على حقوقه أم العكس؟
– أعتقد جازما أن الشعب الفلسطيني سينال حقوقه، وعلى الفاعلين أن يفهموا أنه حان الوقت لتغيير تفكيرهم. والحل يجب أن يكون سياسيا وبإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه. وفي محادثاتي الأخيرة مع المسؤولين البريطانيين ، كنت واضحا جدا، حيث أكدت أن ما حصل هو دليل على فشل كل ما قام به الفاعلون فيما يخص قضية الشعب الفلسطيني. ويجب أن يغيروا طريقة تفكيرهم وسياستهم. أبلغت ذلك لوزير الخارجية جيمس كليفرلي، واللورد طارق أحمد وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
* هل كان هناك طلب بريطاني من تونس بأن تكون أقرب إلى الموقف الغربي؟
– لم يُطلب مني ذلك إطلاقا، فهم على دراية بموقف تونس وبمضمون تصريحاتنا. وقد أبدوا موقفهم ورؤيتهم، ونحن من جهتنا أبدينا موقفنا ورؤيتنا. وبالعودة إلى تاريخ الإنسانية، فمن المؤكد أن مثل هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى الفشل.
* لكن مسؤولين بريطانيين زاروا اسرائيل، وبريطانيا أرسلت قطعا عسكرية، وهناك دعم استخباراتي وعسكري. وفيما يخص بريطانيا تحديدا، هناك تبنٍ كامل للرواية الإسرائيلية وتعاون عسكري بريطاني مع الهجوم على غزة. هل كان ذلك جزءا من النقاش مع المسؤولين البريطانيين؟
– لم يطلب المسؤولون البريطانيون منا شيئا. وقد حاولوا أن يمرروا مواقفهم، ونحن من جهتنا أكدنا على الموقف التونسي. وذكّرنا أن التاريخ أثبت أنه لا يمكن طمس حقوق الشعوب. وأبلغناهم بضرورة أن يغيروا مواقفهم بما يتماشى مع قيمهم، لأن التمادي في هذه السياسة سيفقدهم مصداقيتهم ويجعل منهم أقلية في العالم. كما أن القوة ليست حلا، لأنه في آخر المطاف عندما تفرض ذلك بقوة السلاح تفقد المصداقية، والثابت أن الشعوب لا يمكن هزيمتها بالسلاح مهما كان نوعه.
* الحكومة التونسية معروف موقفها من الإسلام السياسي…
– هذا ليس موقف الحكومة التونسية فقط، بل موقف الشعب التونسي. الشعب التونسي ليس دوغمائيا بل برغماتي ويحب الحياة. حكموا البلاد منذ 2011 مع أحزاب أخرى وفقدوا كل مصداقية بسبب ارتباطاتهم بالخارج. الفشل كان على جميع الأصعدة، فشل سياسي واقتصادي ومالي، وجعلوا تونس في وضع صعب جدا، ولفظهم التونسيون.
* معروف أن إحدى الجهات الإسلامية في تونس، وهي حزب النهضة، على “علاقة ممتازة” أو “تحالف” مع حماس. كيف تستطيع تونس أن توازن بين القضية الفلسطينية وموقفها الرافض للإسلام السياسي الممثل في حزب النهضة؟
– نحن لا نربط بين المسألتين؛ قضية فلسطين قضية مبدئية، وهي قضية شعب. لا نتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ولا علاقة لنا بذلك، نحن نتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه.
* هل هناك تواصل جدي على المستوى الدبلوماسي بين أصحاب الشأن بالتوازي مع العملية العسكرية الحاصلة وما يمكن أن يحدث، كأن تكون هناك صفقة، بحيث يكون جزء منها مسارا سياسيا لتحريك العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هل هذا مطروح على طاولة النقاش؟
– من المؤكد أنه يوجد تشاور بين بعض الدول، لكن موقف تونس معلوم لدى الجميع. وقد يلجأون إلى دول أخرى لمحاولة استعادة قنوات الاتصال. هي أفكار لم تتبلور بعد. نحن في تونس مع كل ما يفيد القضية الفلسطينية.
قضية فلسطين قضية مبدئية، وهي قضية شعب. لا نتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، ولا علاقة لنا بذلك، نحن نتحدث عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه.
* بالنسبة للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، كانت هناك إشكالية حول موضوع المهاجرين وحول المساعدة الأوروبية التي قدمت إلى الموازنة وكان هناك اعتراض. هل لكم أن تشرحوا لنا هذه المسألة؟
– بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هم منقسمون والمشكلة من جهتهم، وليست من جهتنا. نحن وقّعنا مذكرة التفاهم يوم 16 يوليو/تموز في قرطاج بناء على إلحاح الجانب الأوروبي، ممثلا في رئيسة المفوضية الأوروبية فاندرلاين، والوزير الأول الهولندي روت، وميلوني. وأبلغناهم أن عليهم تغيير طريقة تفكيرهم لإرساء شراكة استراتيجية بين الطرفين في إطار الاحترام المتبادل، ولم يكن الحديث مقتصرا على مسألة الهجرة، فلا يجب أن يحاول الاتحاد الأوروبي الحصول على ما يريده من الشريك دون الأخذ بعين الاعتبار مصالحه وأولوياته. ينبغي أن نقيم علاقات شراكة دون استغلال أو تدخل في الشؤون الداخلية. وقد أعرب الجانب الأوروبي عن تفهمه وموافقته على ذلك. كما أعرب الأوروبيون عن استعدادهم لتغيير طريقة تفكيرهم حتى فيما يتعلق بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولكن لم يحصل ذلك في الواقع، فبعض البلدان ربما تكون منقسمة فيما بينها وربما أثرت عليها أفكار الإداريين لديها، فلم تغير طريقة تفكيرها واستمرت في نظرتها الضيقة. أبلغناهم بضرورة العدول عن هذه الطريقة في التفكير، وبأننا لا نريد المساعدات، كما لا نقبل مغالطة الرأي العام بخصوص مبلغ 60 مليون دولار، التي كان من المفروض الحصول عليه سابقا إثر جائحة “كوفيد-19”. وأكدنا في السياق نفسه أن تونس لم تتسبب في جائحة “كوفيد–19” أو الحرب الأوكرانية التي يعانون بسببها أو الوضع في ليبيا أو التغيّر المناخي. هم لا يعترفون بأية مسؤولية، وفي ظل أوضاعنا الصعبة يطلبون منا المستحيل.
* ماذا يطلبون؟
– يطلبون منا غلق باب الهجرة غير الشرعية، رغم أننا نقوم من جانبنا بما لا يقومون به.
نحن كأي بلد يحترم نفسه نحرص على حماية حدودنا، فرغم محدودية الإمكانيات، يقوم الجيش يوميا بإنقاذ مهاجرين غير شرعيين.
* لذلك أنتم ذكرتم أن هناك تخوفا من مشروع لتوطين المهاجرين في تونس.
– أكيد، هذا ما يتمنونه وهم يسعون إلى دفع تونس في هذا الاتجاه ويمارسون ضغوطات عبر الإعلام وبالتصريحات عن انهيار الاقتصاد التونسي، مثل تلك التي أدلى بها السيد (جوزيف) بوريل. وهو ما يعد من قبيل التحضير للضغط على تونس حتى تقبل بأن تكون “شرطي” أوروبا وتُوطن المهاجرين غير الشرعيين. هذا مرفوض تماما. ونحن كأي بلد يحترم نفسه نحرص على حماية حدودنا، فرغم محدودية الإمكانيات، يقوم الجيش يوميا بإنقاذ مهاجرين غير شرعيين. وقد طلبنا من الأوروبيين تغيير طريقة تفكيرهم، فالاتفاق الذي وقعناه في قرطاج يوم 16 يوليو/تموز تضمن عدة جوانب.
* الأوروبيون يقولون إنكم غير ملتزمين بمذكرة التفاهم…
– بعد توقيع مذكرة التفاهم، بعض الدول ربما لم تكن راضية عما ورد في بعض البنود، هي لديها مشاكل داخلية. بعض الدول الأوروبية غير موافقة على مذكرة التفاهم وقلنا لهم هذا شأنكم، اتفقوا فيما بينكم، فنحن لم نحِد عن مذكرة التفاهم الموقعة في قرطاج ولم نحِد عن الشراكة الاستراتيجية.
* هل ستبقى تونس رافضة لمبلغ الـ60 مليون؟
– تونس رافضة، وهم الآن يحاولون الاتصال لتسوية الأمور. نحن لم نُخلّ بالتزاماتنا أبدا.
من أولى المهام التي كلفني بها السيد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، التسريع بإعادة العلاقات مع سوريا، وقد عُيّن سفير سوري في تونس ولديّ أفضل العلاقات مع الوزير السوري.
* ننتقل إلى الموضوع السوري…
– تونس من الدول الأساسية التي كانت تدعم عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. هذا يندرج في إطار عودة تونس إلى مبادئها، ونحن نحترم الشعب السوري الذي تربطنا به وببلده علاقات تاريخية قوية. وما حصل يبقى وصمة. ومن أولى المهام التي كلفني بها السيد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، التسريع بإعادة العلاقات مع سوريا، وقد عُيّن سفير سوري في تونس ولديّ أفضل العلاقات مع الوزير السوري.
* كل ذلك انطلق، بعد بعض الدول العربية مثل الإمارات وتونس وغيرهما، يوم 7 مايو/أيار 2023 عندما اتخذ قرار في الجامعة العربية بإعادة سوريا، بدور قيادي سعودي، بموجب خريطة طريق أعدّت في مؤتمر عمان. هناك مجموعة طلبات للدول العربية من دمشق. بعض الدول العربية تقول إن دمشق لم تفِ بالتزاماتها في خريطة الطريق تلك. ما موقف تونس؟
– نحن لا نتدخل لتعميق أية أزمة بين الإخوة العرب. تونس تتخذ مواقف تُقرّب وجهات النظر. وجهة نظر تونس واضحة بخصوص سوريا. كما أننا لا نتدخل في طلبات الدول الأخرى ومواقفها.
* هل أنت راضٍ عن مستوى التقارب العربي مع دمشق؟
– كل ما نقوم به هو تقوية العلاقات مع دمشق لتعود إلى مكانها العادي في الجامعة العربية ونؤيد ذلك. وفي ما يخص العلاقات الثنائية، نحن منفتحون على التعاون مع الإخوة في سوريا في مختلف المجالات.
* هناك مطالب عربية من دمشق تخص أمورا ثنائية مثل الكبتاغون، وموضوع اللاجئين والنازحين، وهناك مطالب بإعادة تموضع سياسي له علاقة بإيران، ما موقفكم من هذه الأمور بشكل عام؟
– كما سبق أن أكدت ذلك، نحن لا نتدخل ولا نتبنى مواقف قد تعمّق أية أزمة بين الدول، نحن مع عودة سوريا. من يحكم سوريا أو من يمثلها هو موضوع سوري لا نتدخل فيه، نحن نتعامل مع الحكومات، ومع النظام السوري الذي نعتبر أنه يمثل السوريين، وهذا هو موقف تونس.
نريد الشراكة قبل أي شيء، مع السعودية ومع الدول الشقيقة الأخرى، والاستثمار والتجارة والتواصل بين نساء الأعمال ورجال الأعمال لخلق الثروة، فهذا ممكن وموجود، فتونس بلد استثمار بامتياز رغم تعمد بعض النافذين في الغرب تشويه صورة بلدنا.
* كيف تصف العلاقة السعودية– التونسية والدعم السعودي لتونس؟
– كان لدي لقاء مع زميلي الأمير فيصل بن فرحان، جرى في جو إيجابي جدا، ولطالما كانت لدينا علاقات ممتازة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، وستظل كذلك بإذن الله ونحن نعمل على ذلك.
* ما القروض والهبات التي قدمتها السعودية إلى تونس، وقد كان هناك انطباع بأنه ستجرى بعض الإصلاحات؟
– هناك قرض بقيمة 400 مليون دولار، وهناك هبة بقيمة 100 مليون دولار، ونحن فعلا نقوم بإصلاحات يوميا في تونس، من دون الإفصاح عن تفاصيلها علنا. وكانت لدينا اجتماعات بخصوص قانون المالية. وعلى مستوى كل الوزارات، تُبذل جهود كبيرة لإصلاح ما تم تدميره بعد 2011 في تونس.
نريد الشراكة قبل أي شيء، مع السعودية ومع الدول الشقيقة الأخرى، والاستثمار والتجارة والتواصل بين نساء الأعمال ورجال الأعمال لخلق الثروة، فهذا ممكن وموجود، فتونس بلد استثمار بامتياز رغم تعمد بعض النافذين في الغرب تشويه صورة بلدنا. ورغم كل ذلك، تبقى قدرات تونس في جذب الاستثمارات قائمة ونتوقع أن تتحسن بعد الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة حاليا والتي ستتواصل خلال الفترة المقبلة. لسنا بلدا يعيش على الإعانات، وهذه مسألة يجب أن تكون واضحة.
بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فإنه لم يتم قطع قنوات الاتصال، نحن ليس لدينا مشكلة في التواصل مع مسؤولي هذه المؤسسة وأبلغناهم بضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وهي استقرار البلد والدفاع عن الفئات الهشة.
* تونس توافق على القيام ببعض الإصلاحات البنيوية الجوهرية التي لها علاقة بالاقتصاد، وفي الوقت نفسه كان هناك رفض لمطالب صندوق النقد الدولي و”خطاب النوايا”.
– بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فإنه لم يتم قطع قنوات الاتصال، نحن ليس لدينا مشكلة في التواصل مع مسؤولي هذه المؤسسة وأبلغناهم بضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وهي استقرار البلد والدفاع عن الفئات الهشة. لا يمكننا العبث باستقرار تونس ولا نضعه في الميزان. نحن مدركون لضرورة إجراء إصلاحات للاقتصاد التونسي من دون أن يطلب صندوق النقد الدولي أو غيره ذلك، وهذا جارٍ الآن. وتبقى القيادة التونسية والشعب التونسي الأقدر على تحديد ما يمكن إنجازه وما لا يمكن تنفيذه في الوقت الحاضر، أكثر من أية جهة أخرى، بحيث يكون تحديد الرزنامة بيد القيادة التونسية.
* هل بالإمكان إعادة ذكر الخطوط الحمراء بالنسبة إلى تونس؟
– الخطوط الحمراء هي استقرار البلاد والدفاع عن القدرة الشرائية للفئات الهشة.
* هل يعني هذا أن تونس لن توافق على التوقيع على “خطاب النوايا” كما طلب صندوق النقد الدولي؟
– لقد أكدنا على ضرورة أن تكون الإصلاحات تونسية وأن تندرج ضمن ما نراه ضروريا، وليس وفق إملاءات من شأنها أن تؤثر سلبا على تونس. فنحن ضد ذلك، وسبق أن تراجعت الحكومة التونسية بخصوص الزيادة في أسعار الخبز أيام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، بعد سقوط قتلى. السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد يرفض تكرار ذلك.
* لديك علاقة طيبة مع روسيا وزرت موسكو…
– قضيت في روسيا خمس سنوات في فترة طفولتي. وهي بلد كبير ومهم ومعروف بتاريخه وثقافته وأدبه. وربما ساهمت معرفتي باللغة الروسية في توطيد العلاقة مع لافروف. وقد بادر وزير الخارجية الروسي بتهنئتي عند تكليفي بمهام وزير الشؤون الخارجية من قبل السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد.
روسيا شريك مهم. وحتى خلال الحرب الباردة، كانت لدينا علاقات طيبة مع الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى علاقاتنا الجيدة مع الغرب.
* عملت في لندن ولديك علاقات في روسيا. زرت موسكو وكان هناك طلب، ما هو؟
– أود أن أؤكد أن تونس حرة في علاقاتها، وروسيا شريك مهم. وحتى خلال الحرب الباردة، كانت لدينا علاقات طيبة مع الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى علاقاتنا الجيدة مع الغرب. لدينا علاقات ممتازة مع روسيا، يجب تطويرها وهناك طلبات مثل إمكانية الحصول على كميات من الحبوب لأن الحرب الحالية أثرت علينا سلبا. وتم التداول بشأن هذا الموضوع مع الجانب الروسي. كما أن الجانبين منفتحان على التعاون في مختلف المجالات ومن ضمنها التزود بالحبوب والسياحة والتجارة والتعليم العالي.
* هناك تنافس أميركي- روسي- صيني على أفريقيا بما في ذلك جزء من شمال أفريقيا، ومعروف أن روسيا عززت علاقاتها العسكرية مع الجزائر. هل هناك اتجاه لتعزيز العلاقة العسكرية مع تونس.
– من المهم التأكيد على أنه لم يتم التطرق إلى التعاون العسكري خلال لقائي مع لافروف.
* واضح أن هناك تنافسا أميركيا- روسيا- صينيا على أفريقيا، وأنتم زرتم أخيرا جنوب أفريقيا التي استضافت قمة الـ”بريكس”، كيف ترى هذا التنافس وما أسبابه وإلى أين سيصل؟
– أنا مقتنع بأن العالم الآن في منعطف، ومرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بالنسبة إليّ انتهت. الآن نعيش مخاضا ومرحلة جديدة، علينا أن لا نتوجس منها وأن نستعد لها، فالنظام العالمي المالي والاقتصادي لما بعد الحرب العالمية الثانية انتهى. يجب أن لا نتأسف على الماضي. والمعطى الإيجابي هو أن تونس لديها رصيد سياسي كبير مع البلدان الأفريقية، فقد كنا مساهمين في دعم حركات التحرر في قارتنا الأفريقية ضد الاستعمار.
* ما سبب التنافس على أفريقيا؟
– السبب اقتصادي ومالي بالنسبة للفاعلين الكبار. تونس تسعى إلى حماية مصالحها وأن لا تنخرط في حلف ضد آخر. وحتى عندما توجهت إلى سان بطرسبورغ في روسيا مع الأفارقة، ذكّرت بأن اجتماعنا ليس موجها ضد من ليس في القاعة. تونس تعمل مع الغرب وروسيا ومع الصين ولدينا علاقات طيبة مع الهند ومع كل الدول الأفريقية وهذه ميزة تونس. وأكدت للبريطانيين خلال زيارتي الحالية أن عليهم الإنصات إلى تونس لأن لها رسائل كانت دائما قوية عبر التاريخ. نحن لم نعادِ أحدا ولم نشن حربا على أحد ولم نستولِ على أحد، ودوما حينما نتدخل يكون ذلك للصلح وللبناء وليس للهدم. وحين نتوجه إلى البلدان الأفريقية فهذا توجه طبيعي، فنحن بلد أفريقي بامتياز.
* لدينا في أفريقيا “أفريكوم”، و”فاغنر”، وقاعدة صينية في جيبوتي… أين تقع تونس بين هؤلاء؟
– تونس لا تنخرط في حلف مع أحد ضد آخر. نحن نراقب وموقفنا دوما في إطار بناء السلم. وبناء السلم لا يأتي بالاصطفاف مع حلف ضد آخر.
موقف تونس واضح، ما زال لدينا علاقات طيبة مع أوكرانيا، وليس هناك مشاكل بيننا، ولم نتدخل في الحرب بين أوكرانيا وروسيا أو مع جانب ضد آخر.
* ما موقف تونس من حرب روسيا وأوكرانيا؟
– موقف تونس واضح، ما زال لدينا علاقات طيبة مع أوكرانيا، وليس هناك مشاكل بيننا، ولم نتدخل في الحرب بين أوكرانيا وروسيا أو مع جانب ضد آخر. تصويتنا على مستوى الأمم المتحدة كان واضحا، إذ كان ضد التدخل والهجوم العسكري، ونحن مع فضّ المشاكل بالطرق السلمية، وهذا لا يمنع أن لدينا علاقات طيبة مع كل من روسيا وأوكرانيا. كنا نتعامل مع أوكرانيا من خلال استقبال السياح وإرسال طلبة إلى جامعاتها. ونتمنى أن تنتهي الحرب اليوم قبل الغد.
* هناك لدى تونس مشكلة مع الإسلام السياسي…
– هم من لديهم مشكلة مع تونس. تونس بلد عاش تجربة تبيّن فشلها، وعلينا استخلاص العبر من ذلك. المواطن التونسي يحب الحياة، وتونس هي مهد لتلاقى الثقافات والحضارات، إذ تعاقبت على بلادنا حضارات عديدة مختلفة. وإذا أردت تغيير النمط المجتمعي باستخدام العنف، وفي الوقت ذاته نتائجك السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت كارثية، ماذا تتوقع؟ التونسيون صرحوا بأنه لا حاجة لنا بهم.