تقدّم حزب البديل اليميني المتطرف.
تشير التوقعات السياسية والاقتصادية للعام 2024 في ألمانيا إلى أنّ الدولة ستواجه أوضاعاً قاتمة، بفعل تداخل الأزمات التي تعاني منها الحكومة الفيدرالية، وفي مقدمتها الحرب الأوكرانية والموازنة العامة واللجوء وحماية المناخ والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن تقدّم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف في استطلاعات الرأي ومدى انعكاساته على الواقع السياسي في البلاد. فما رأي الخبراء بتداعيات ذلك على ألمانيا؟
تعطيل مشاريع الحكومة
اعتبر الباحث السياسي هاينريش أوبررويتر في حديث مع صحيفة “بيلد” أخيراً، أنّ ألمانيا مهدّدة بزلزال سياسي، والأسوأ لا يزال ينتظر ائتلاف إشارات المرور الحاكم، وأنّ الانتخابات البرلمانية والمحلية في ثلاث ولايات شرقية، والتي يتقدّم فيها اليمين المتطرّف بشكل ملحوظ، ستؤدي أيضاً إلى زعزعة استقرار الولايات الأخرى. وهذا يعني أنّ حكومات الأقلية ستعيش ظروف تسامح صعبة وستعاني من نقاط ضعف كبيرة في عملية صنع القرار، ويمكن أن تكرّس قواعد حكومات بالأغلبية العادية، طالما هناك إجماع على عدم التعاون مع حزب البديل اليميني الشعبوي.
عدا ذلك، لفت أوبررويتر، إلى أنّ تحقيق “البديل” لأغلبية الأصوات الانتخابية في الولايات الشرقية ستكون له تأثيرات عملية في قرارات مجالس الولايات (البوندسرات)، وهذا ما سيهدّد بتعطيل مشاريع الحكومة الفيدرالية، إذ أنّ المطلوب أن تنال القرارات أصوات أكثرية اعضاء المجلس لكي تصبح نافذة.
وأفادت “إينسا” لاستطلاعات الرأي اخيراً، أنّ “البديل” يحظى بنسبة 22% من أصوات الناخبين على مستوى البلاد، ويتقدّم في شرق ألمانيا بنسبة 30% في الانتخابات المقرّرة في ثلاث ولايات هناك في عام 2024، وهي سكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ. مع العلم، أنّ هناك حالاً من الترقّب بخصوص قرار مكتب حماية الدستور حول فرض رقابة على البديل.
أما الخبير في الشؤون السياسية الأوروبية، فيرنرباتزلت، فرأى أنّ استمرار الاتجاهات الحالية لاستطلاعات الرأي، تشير إلى أنّ البديل سيصبح ثاني أقوى حزب بعد الإتحاد المسيحي، مع التراجع الدراماتيكي لأحزاب الائتلاف الحاكم المؤلف من “الاشتراكي والخضر والديموقراطي الحر”، وهذا الأمر له عامل مؤثر على الخريطة الحزبية لتوزع ثقل الأحزاب التقليدية.
وخلص باتزلت أنّه سيكون هناك تذبذب وتراجع بالقدرة على الحكم، مع زيادة التوترات وعدم الرضا، بفعل تزايد التنافسية على المستوى الاقتصادي لصاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا. فيما اعتبر أوبررويتر، أنّ برلين أضحت عملاقاً لا يحظى بشعبية وأقدامه من فخار على المستوى الأوروبي”.
من جهة ثانية، هناك خشية من أن يتسبّب انفصال السياسية اليسارية سارة فاغنكنشت عن حزبها “اليسار”، ببعض من الفوضى والتوجّهات لدى بعض الناخبين في العام 2024، مع نيتها تشكيل حزب جديد ومجموعة من نواب اليسار الذين التحقوا بها للعمل بالطروحات نفسها والتوجّهات المستقبلية، وعزمهم خوض الانتخابات الأوروبية والبرلمانية وعلى مستوى الولايات في شرق ألمانيا. وهنا، أعرب أوبررويتر عن اعتقاده بأنّ فاغنكنشت قد تستقطب بتوجّهاتها الجديدة أعداداً كبيرة من ناخبي “البديل” فقط. وفي المقابل، لا يتوقع باتزلت نجاحاً كبيراً لتحالف فاغنكنشت التي تجمع بمواقفها بين اليمين واليسار.
في خضم ذلك، اعتبر خبراء أنّ قضية الهجرة ستشغل الحكومة مع ما تعانيه الولايات، إن كان في مجال الدعم المالي أو النقص في مراكز الإيواء، مع كثافة وصول اللاجئين إلى المانيا، رغم الاتفاقات على خوض الإصلاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي. وقد بينت الإحصاءات أنّه بحلول نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، تمّ تقديم 326 ألف طلب لجوء في البلاد، وبزيادة قدرها 52% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
أما اقتصادياً، فإنّ الشركات تشعر بالقلق بشأن قدرتها التنافسية، وهناك خشية من ارتفاع اسعار الطاقة والزيادات في الإسعار، مع ترجيح خبراء اقتصاديين بأن يكون اقتصاد برلين أسوأ من الدول الصناعية الأخرى. ويفيد الخبراء، أنّ النقص في العمالة الماهرة، إضافة الى التقاعد المتوقع للعديد من الموظفين ونقص رأس المال، وتقلّص الإبتكارات، تشكّل خطراً كبيراً على الاقتصاد الألماني. ليبقى السؤال ما إذا كانت ستكون هناك أموال كافية في المستقبل، سواءً تعلّق الأمر بالدفاع أو الإنفاق الاجتماعي أو حماية البيئة والمناخ، مع استمرار المناقشات بخصوص إصلاح نظام كبح الديون.
وهنا يسترعي الانتباه، الوعود التي أطلقتها ألمانيا بتوسيع الدعم والمساعدات لأوكرانيا للدفاع عن نفسها ضدّ روسيا، مع احتمال تخفيض الولايات المتحدة لمساعداتها، باعتبارها المورد الأكبر للأسلحة إلى كييف، في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ناهيك بأنّ الدعم من قِبل الاتحاد الأوروبي معرّض أيضاً لخطر التضاؤل. وكل ذلك، يجري على وقع الهمس عمّا اذا كان قد حان الوقت لكي تقدّم أوكرانيا بعض التنازلات لروسيا لإنهاء الحرب.
وإضافة إلى كل هذه التداعيات، تبرز التحضيرات للانتخابات الأوروبية المقرّرة في حزيران (يونيو) 2024، مع إمكان ظهور حزب جديد بقيادة فاغنكنشت أوروبياً، إلى توجّه الاتحاد المسيحي لاعتماد مرشح لمنصب مستشار مع تصدّره الاستطلاعات على مساحة البلاد، فضلاً عن الهمّ الأكبر والمخاطر التي تقلق الساسة الألمان من احتمال عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وما سيشكّله من عقبات أمام استمرار العلاقة مع الشركاء في حلف الاطلسي، والضغط الذي قد يمارسه على الحكومات في أوروبا بخصوص تمويل حلف ناتو بأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما باعتماده توجّهات يحابي فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويُحرج فيها الأوروبيين.