الصين وروسيا ليستا بعيدتين عن الحرب الدائرة في الشرق الأوسط. ومنذ اليوم الأول للنزاع بين “حماس” وإسرائيل، دأبت وزارة الخارجية الصينية على إصدار دعوات لوقف النار. وكذلك فعلت روسيا من خلال تقديمها مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة.
وفي لقاء القمّة الـ 42 بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أوائل الأسبوع على هامش مؤتمر مبادرة “الحزام والطريق”، ناقش الزعيمان كيفية الدفع نحو عالم قائم على “الإنصاف والعدل”.
وتمتلك روسيا والصين من المصالح في الشرق الأوسط ما يستحق الدفاع عنه والانخراط في جهود دبلوماسية من أجل خفض التصعيد وعدم تحوّل ما يجري في غزة إلى نزاع إقليمي يُلهب دول المنطقة برمّتها، على ما حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ومثلما تملك الولايات المتحدة كماً هائلاً من المصالح في الشرق الأوسط، كذلك تملك روسيا والصين. والتنافس بين الجانبين قائم على قدم وساق في المنطقة على غرار ما هو قائم في أي منطقة أخرى في العالم، من أوروبا إلى المحيطين الهادئ والهندي إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وعندما هرعت الولايات المتحدة إلى نجدة إسرائيل بحاملات الطائرات ونشر المقاتلات وإقامة جسر جوي لدعمها بالذخائر والسلاح، كانت تضع في اعتباراتها عدم الإخلال بالتوازنات القائمة في المنطقة، وعدم إتاحة المجال أمام إيران التي تدعم “حماس” و”حزب الله”، كي ترسّخ نفوذها أكثر في المنطقة.
في المقابل، روسيا والصين أقامتا في السنوات الأخيرة علاقات استراتيجية مع إيران. وبكين توفّر مليارات الدولارات عبر استيرادها النفط الإيراني والروسي بأسعار تفضيلية، خصوصاً في ظل البطء الذي يعاني منه اقتصادها. وروسيا تستورد المسيّرات الإيرانية لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، كما بلغ البلدان شأناً كبيراً في التعاون الاقتصادي، لاسيما وأنّهما يخضعان لعقوبات غربية ساحقة.
هذا التشابك الناشئ بين مصالح الصين وروسيا وإيران، تتخذه الدول الثلاث رافعةً لدعم سياسات تقول بالدفاع عن الجنوب العالمي، والدفع نحو إقامة عالم متعدّد الأقطاب لا تكون للولايات المتحدة والغرب عموماً الكلمة الفصل فيه، على غرار ما هو جارٍ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
هكذا أضحت حرب غزة في قلب التوازنات الدولية التي اهتزت أيضاً عندما هاجمت روسيا أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022. وسارعت أميركا وأوروبا إلى الوقوف بجانب كييف وتقديمهما إليها كل أنواع الأسلحة التي تمكّنها من الصمود في وجه الهجوم الروسي الذي لو حقّق أهدافه، لشكّل الخطوة الأولى نحو نظام عالمي جديد.
وما يدور في الشرق الأوسط الآن، تضعه الولايات المتحدة في خانة الدفاع عن إسرائيل وعن التوازن الدولي القائم، ولا تريد إفساح المجال أمام روسيا أو الصين لقلب الأوضاع وتحقيق المزيد من المكاسب لهما في الشرق الأوسط.
ولذلك، نزلت واشنطن بثقلها العسكري وبدأت ترسل تحذيرات لإيران من مغبة توسيع النزاع عبر تسخين الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وفي إشارة لا تخطئها العين إلى اعتزام الولايات المتحدة عدم ترك اسرائيل وحدها، كانت زيارة الرئيس جو بايدن لتل أبيب في ذروة الحرب.
وامتداد الحرب إلى لبنان وسوريا من شأنه خلط الأوراق والتهديد بخروج الأمور عن السيطرة، في حين أنّ الصين وروسيا جاهزتان لملء أي فراغ أميركي.
إنّ الشرق الأوسط ربما يعيش أصعب لحظات منذ عام 1967، والصياغة الجديدة للمنطقة يتوقف الكثير منها على ما ستنتهي إليه حرب غزة أو الحرب الإقليمية التي تلوح في الأفق. وكما لا يسع أن تقف أميركا متفرجة وتدخّلت بقوة للحفاظ على مصالحها، تسعى الصين وروسيا حتى الآن بالطرق الدبلوماسية إلى الدفاع عن مصالحهما أيضاً.