انتهت الانتخابات العامّة في جزيرة تايوان من دون مفاجآت إذا ما تمّت مقارنة النتائج بالاستطلاعات الأخيرة. فاز مرشّح “الحزب الديموقراطيّ التقدّميّ” لاي تشينغ-تي (64) بالرئاسة حاصداً أكثر من 40 في المئة من أصوات الناخبين. بالتالي، تمكّن الحزب الحاكم من الاحتفاظ بالرئاسة لثلاث دورات متتالية وهو رقم قياسيّ بالنسبة إلى تاريخ الانتخابات في الجزيرة.

حلّ في المركز الثاني مرشّح حزب الـ”كومينتانغ” هو يو-إيه (66) حاصداً نحو 33.5 في المئة من الأصوات. وحلّ في المركز الثالث مرشّح “حزب الشعب التايوانيّ” كو ون-جي (64) مع 26.4 في المئة من الأصوات. يؤيّد هذان الحزبان خفض التوتّرات مع الصين التي سبق أن وصفت المرشّح الفائز بأنّه “خطر جسيم” على الاستقرار. وفي الكلمة التي تلت إعلان فوزه بالانتخابات، تعهّد لاي بمواجهة “ترهيب” الصين.

بهذا المعنى، لم تأتِ نتائج الانتخابات الصينيّة بما اشتهته بكين، وربّما عملت عليه من خلال محاولة التأثير على الانتخابات بحسب  مراقبين  تحدّث لاي في السابق عن أنّه سيعمل بشكل “براغماتيّ على استقلال تياوان” قبل أن يخفّض لهجته لاحقاً. ويحيط لاي نفسه  في قضيّة “استقلال” الجزيرة.

عقبات أمام لاي

بالرغم من أنّ فوز لاي لا يمثّل بحدّ نفسه نبأ سارّاً بالنسبة إلى الصين، يبقى أنّه قد لا يمثّل مشكلة كبيرة أيضاً. من الواضح أنّ الرئيس حصد أقلّ من نصف الأصوات التايوانيّة في الانتخابات. ولو أنّ المفاوضات نجحت في تشرين الثاني (نوفمبر) بين الحزبين الخاسرين لترشيح شخصيّة موحّدة، لكان لاي على الأرجح في عداد الخاسرين.

كذلك، خسر الحزب الحاكم الانتخابات التشريعيّة. يضمّ البرلمان التايوانيّ 113 مقعداً وبالتالي تسعى الأحزاب لحصد ما لا يقلّ عن 57 مقعداً. حصل الحزب الحاكم على 51 مقعداً بتراجع 10 مقاعد عن الانتخابات الأخيرة، وقد حلّ في المركز الثاني خلف “كومينتانغ” الذي حصل على 52 مقعداً بزيادة مقدارها 14 مقعداً عن انتخابات 2020. وحصل “حزب الشعب التايوانيّ” على 8 مقاعد بعدما حصل على ثلاثة فقط قبل أربعة أعوام. سيقيّد توزيع المقاعد النيابيّة بهذا الشكل حكم لاي في السنوات الأربع المقبلة.

وبإمكان “حزب الشعب التايوانيّ” إبداء تصلّب تشريعيّ لانتزاع تنازلات من الطرفين طالما أنّ نوّابه قادرون على حسم التصويت باتّجاه أو بآخر داخل البرلمان. وفي آخر مرّة فاز “الحزب الديموقراطيّ التقدّميّ” بالرئاسة من دون السلطة التشريعيّة (2004-2008)، اصطدم مراراً بـ”كيومينتانغ” حول مشتريات الأسلحة والموازنة الدفاعيّة. وهذه “نقطة مضيئة واحدة” لبكين من انتخابات السبت بحسب شبكة “بلومبرغ“. لكنّ الأنباء الأفضل بالنسبة إلى الصين قد تأتي في مرحلة ما من المستقبل.

ماذا تعني أرقام كو تحديداً؟

حقّق كو، مرشّح “حزب الشعب التايوانيّ”، نتيجة جيّدة بالقياس مع استطلاعات كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي والتي أظهرت أنّ أرقامه دون عتبة العشرين في المئة. وهذا يعني أنّ الحزب حقّق نحو 7 في المئة من التقدّم مع العلم أنّه حزب جديد نسبيّاً تأسّس سنة 2019. أهمّيّة “حزب الشعب التايوانيّ”، أقلّه من وجهة نظر الصين، أنّه مناهض لـ”المؤسّسة” والحزبين التقليديّين. أن يكون ربع الشعب التايوانيّ مشكّكاً بنظام الحكم في العاصمة ليس دلالة سيّئة بالنسبة إلى بكين. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ كو تمكّن من جذب نسبة كبيرة من الأصوات الشابّة. طوال الاستطلاعات السابقة، حقّق كو تقدما  على منافسَيه بين من هم دون الأربعين من العمر. يعود ذلك على الأغلب إلى ارتفاع الاسعار  شراء المنازل بالنسبة إلى هذه الفئة العمريّة علاوة على مشاكل اقتصاديّة أخرى. من هذا المنطلق، قد يكون مستقبل تايوان أقلّ تركيزاً على الخلافات في العلاقات مع الصين وأكثر تطلّعاً صوب الداخل.

(كو وين-جي، أب)

ربّما لا يكون كو شعبويّاً بالمعنى التقليديّ للكلمة. الأستاذة المساعدة لمادّة العلوم السياسيّة في جامعة تايوان الوطنيّة  تقول إنّ “حزب الشعب التايوانيّ” وكو مناهضان للمؤسّسة، إنّما من دون أن يكونا شعبويّين غاضبين. لكنّتقلبات كو في السياستين الداخليّة والخارجيّة واقتراحاته بأنّه الوحيد القادر على إنهاء “الخلافات الأيديولوجيّة بشأن التوحيد والاستقلال” تظهر نزعة شعبويّة واضحة. فاقتراح أنّ شخصاً ما قادر على حلّ خلاف تاريخيّ بهذا التجذّر والتشابك الدوليّ هو أحد مظاهر الشعبويّة التي تميل إلى ادّعاءات نجاح شبه سحريّة. وعادة ما يكون الشعبويّون أقلّ قدرة على إيجاد شركاء وصياغة علاقات عمل مستقرّة معهم. بالفعل، يعتقد البعض  أنّ كو (طبيب سابق) يتحمّل مسؤوليّة فشل محاولة التوافق مع الـ”كومينتانغ”. بشكل من الأشكال، لن يكون مفاجئاً لو لاحظ المراقبون أنّ بروز حزب ثالث في تايوان لن يسهّل كثيراً مهمّة حكم لاي في تايبيه.

قراءة محتملة لبكين

يلمّح ردّ الصين الرسميّ الأوّليّ على نجاح لاي إلى أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة ليست سلبيّة تماماً بالنسبة إليها. قال مكتب شؤون تايوان في بكين إنّ النتائج تبيّن كيف أنّ الحزب التقدّميّ الديموقراطيّ “لا يمثّل التيّار السائد في الرأي العامّ على الجزيرة”. وأضاف أنّ هذه الانتخابات “لا تستطيع وقف الاتّجاه العام بأنّ الوطن الأمّ سيعاد في نهاية المطاف، وبشكل حتميّ، توحيده”. ولم يذكر البيان لاي بالاسم. في هذا السياق، وصفت صحيفة “الصينية ” البيان الصينيّ بـ”المنضبط”. قبل ذلك، وجّهت الصين رسالة إلى التايوانيّين مفادها أنّ الانتخابات اً بين “السلام والحرب، الازدهار والانحسار”. مع ذلك، هي رفضت قيام اليابان بتهنئة لاي بفوزه الرئاسيّ، واصفة التهنئة بأنّها “تدخّل خطير في شؤون الصين الداخليّة”.

بالتأكيد، أمِلت الصين نتيجة أفضل. لكنّ ما تحقّق قد لا يرقى إلى انتكاسة بالنسبة إليها. يشير الكاتب ميكال فيلا  إلى أنّ الصراع الداخليّ الذي بيّنته الانتخابات قد يدعو بكين إلى الاعتقاد بأنّ الجزيرة ستبدي مقاومة أقلّ في حال قرّرت الصين إعادة توحيدها بالقوّة، وبالتالي، لن تفعل هذه الانتخابات الكثير لثني الرئيس الصينيّ شي جينبينغ عن هكذا قرار.

وعلى الأرجح، قد لا تدفعه أيضاً إلى تسريعه. في نهاية المطاف، يمثّل التحرّك الصينيّ تجاه الجزيرة جزءاً من حسابات متعدّدة الأبعاد، والانتخابات هي أحد تلك الأبعاد؛ وقد لا تكون أهمّها حتى.