هزت عدة انفجارات مؤخراً مدينة كرمان جنوب وسط إيران بالقرب من المقبرة التي دُفن فيها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وكان من المتوقع في البداية أن تكون أجهزة المخابرات الإسرائيلية هي التي نفذت الهجوم، لكن تنظيم الدولة الإسلامية تبنى المسؤولية عنه لاحقاً. ويأتي هذا الهجوم وسط تصاعد التوترات في المنطقة بعد مقتل نائب زعيم حركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران في غارة إسرائيلية بطائرة مسيرة على ما يبدو في لبنان. في الوقت الحالي، يتخذ الصراع بين إسرائيل وغزة شكل مواجهة إقليمية، حيث يتورط وكلاء إيرانيون مهمون آخرون مثل حزب الله وأنصار الله (الحوثيين) بعمق في هذا الصراع. ويرى العديد من المحللين في المنطقة أن استراتيجية إشراك إسرائيل على جبهات متعددة وتوسيع الصراع أصبحت ممكنة بالفعل بسبب جهود فيلق القدس الإيراني وخاصة قائده القتيل قاسم سليماني. وبصفته قائداً لذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، فيلق القدس، كان سليماني لأكثر من عقدين من الزمن مهندساً للسياسة الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة، وكان مسؤولاً عن المهام السرية لفيلق القدس وتوفير التوجيه والتمويل والأسلحة والاستخبارات والدعم اللوجستي للحكومات المتحالفة والجماعات المسلحة بما في ذلك حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وأنصار الله والميليشيات الشيعية العراقية. وقُتل سليماني في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في كانون الثاني/يناير 2020 أثناء خروجه من مطار بغداد الدولي. لكن لا يزال وجوده محسوساً من خلال أنشطة القوات العميلة التي أنشأها وقدم الدعم لها.
لنلقي نظرة على هذه القوة الإيرانية سيئة السمعة التي تثور في جميع أنحاء الشرق الأوسط. تأسس فيلق القدس أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) للقيام بعمليات سرية داخل العراق. كونها تحت قيادة سليماني، تطورت قوة فيلق القدس لتصبح وحدة عسكرية نخبوية للحرب السرية والحملات الاستكشافية والقوة الدافعة وراء النفوذ الجيوسياسي الإيراني الممتد من العراق عبر شمال بلاد الشام. واعتباراً من الآن، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من تأسيسها، يعتبر فيلق القدس إحدى أقوى الأجهزة الأمنية في الشرق الأوسط، وهو أحد الفروع الخمسة للحرس الثوري. وأفضل وصف لفيلق القدس هو أنه منظمة هجينة تقوم بتنفيذ مهمة وكالة استخبارات وقوة خاصة. ويعتبر فيلق القدس ذراع العمل الخارجي الأساسي لنظام الملالي الإيراني لتنفيذ سياسته المتمثلة في دعم المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم.
لا يعمل فيلق القدس على حماية المصالح الإيرانية أو حماية بلادهم فحسب، بل إن دافعه الأساسي هو دفع أجندة النظام الإيراني في المنطقة. وهي تبحث دائماً عن فرصة يمكنها من خلالها زعزعة استقرار دولة هشة لجعلها تابعاً لإيران كما فعلت في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وهذه القوة هي رأس الحربة السري لمساعي إيران للهيمنة في الشرق الأوسط. وقامت بتدريب وتجهيز الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لعقود من الزمن، وهي مسؤولة عن بعض من أبشع الأعمال الإرهابية في العالم.
وبصرف النظر عن إنشاء وكلائها، يركز فيلق القدس أيضاً على تنشيط الشبكات الإرهابية وتدريب العملاء على أعمال التخريب وتوفير الدعم العسكري والمالي لمنظمات المعارضة الإسلامية في البلدان الأخرى والقيام بعمليات ضد المعارضة الإيرانية في المنفى. وينخرط عملاء فيلق القدس أيضاً في جمع المعلومات الاستخبارية وتمويل الجماعات الإرهابية وعملياتها على الأراضي الأجنبية واختراق الأحزاب السياسية الأجنبية والمجموعات الاجتماعية والمنظمات الدينية. ويشارك عملاؤها أيضاً في مراقبة المسؤولين الحكوميين الأجانب والمسؤولين الدينيين والمتحدثين لاكتشاف المتعاطفين الذين يمكن استخدامهم إما بشكل مباشر أو كعملاء سريين.
أثناء التعامل مع الدول السنية المنافسة لها في المنطقة، يستخدم فيلق القدس دون أي تردد الأعمال الإرهابية إما مباشرة من خلال عملائه أو من خلال وكلائه مثل تفجير أبراج الخبر عام 1996 في المملكة العربية السعودية. ويشبه فيلق القدس جهاز استخبارات مارق لبلد لا يثق حتى بقيادته السياسية. ولها مكاتب في العديد من السفارات الإيرانية حول العالم، والتي تعمل كأقسام مغلقة. يقدم الفيلق مثالاً كلاسيكياً للإرهاب الذي ترعاه الدولة.
ويشكل فيلق القدس عقبة أمام عملية صنع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وقد صنفتها وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2007 كداعم مادي للإرهاب، لكن هذا ليس كافياً، ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك. وينبغي تصنيف فيلق القدس ومنظمته الأم، الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة. ويجب أيضاً أن تكون الجهود الرامية إلى مواجهة البنية التحتية الداعمة لشبكات الوكلاء التابعة للفيلق أولوية على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع شركائها الاستراتيجيين الإقليميين الذين لديهم مصلحة مشتركة في مواجهة طموحات إيران التهديدية، وضع استراتيجية فعالة لاحتواء هذه الوكالة الإيرانية. ويجب أن تكون هناك جهود مشتركة وشاملة لإجبار فيلق القدس على التخلي عن دوره التدميري في المنطقة.