في تشرين الثاني (نوفمبر) تدخل الولايات المتحدة عام الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة. أرقام الرئيس الأميركيّ جو بايدن سيّئة ولا يريد أن يزيدها سوءاً عبر دخول حربٍ شرق أوسطيّة جديدة. تدرك إيران مخاوف بايدن، لذلك تتمتّع بهامش واسع للمناورة طالما أنّ الإدارة الأميركيّة ستبذل قصارى جهدها لتفادي التصعيد. أليس معنى ذلك أنّ إيران تملك اليد العليا في مواجهة بايدن وإدارته؟ ليس بهذه السرعة.
الأفضل
كيفما تمّ درس الاحتمالات، يظلّ جو بايدن أفضل رئيس يمكن أن تأمل إيران وجوده في البيت الأبيض، بالتحديد عند مقارنته بخصومه. من البديهيّ أنّ عودة ترامب إلى واشنطن سنة 2025 ستحمل خبراً سيّئاً للإيرانيّين. ستعني هذه العودة بشكل شبه تلقائيّ إلغاء التي حقّقتها إيران خلال حكم الديموقراطيّين في واشنطن. منذ 2021، أدّى غضّ الطرف الأميركيّ عن تنفيذ العقوبات على الصادرات النفطيّة الإيرانيّة إلى ملء خزائن طهران. بعد عام فقط على استلامه منصبه، إيران من العملات الصعبة أكثر من سبعة أضعاف.
وفي آخر حلقة من سلسلة التنازلات التي قدّمتها الإدارة إلى طهران طوال أكثر من ثلاثة أعوام، تمكّن الإيرانيّون في أيلول (سبتمبر) من انتزاع لتبادل خمسة سجناء في إيران والولايات المتحدة مع حصولهم على مبلغ 6 مليارات دولار. ردّ ترامب على هذا الخبر قائلاً إنّ إدارته لم تدفع أيّ فلس مقابل تبادل مساجين. صحيحٌ أنّ الإدارة الديموقراطيّة أعربت عن استعدادها للتفكير بإعداد تجميد هذا المبلغ بعد عمليّة “طوفان الأقصى”، لكن لا قرار نهائيّاً بهذا الشأن.
وثمّة مساوئ إضافيّة
بالنظر إلى طباعه، لا يستبعد أن يكون هناك “ثأر” شخصيّ لترامب في 2025. إذا عاد إلى البيت الأبيض فقد يكون راغباً بالانتقام السياسيّ من إيران لأنّ الأخيرة تغلّبت عليه من خلال رهانها الناجح على انتظار خسارته الانتخابات كي لا توقّع على اتّفاق نوويّ جديد معه. إذاً، لن يكون من المفاجئ تعرّض إيران لـ”حملة ضغط أقصى” بنسخة مطوّرة. حتى مع افتراض وصول مرشّح جمهوريّ آخر إلى البيت الأبيض، وإذا كان للأرقام الحاليّة أن تشير إلى احتمال صغير لحاكم فلوريدا أو للسفيرة السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي، فإنّ الوضع لن يكون أفضل بالنسبة إلى الإيرانيّين. لكلا المرشّحين مواقف متشدّدة تجاه إيران. وبعكس ترامب المهتمّ بالتوصّل إلى اتّفاق يحمل بصمته مع إيران، بشرط أن يكون أكثر تقييداً للبرنامج النوويّ من اتّفاق أوباما، يحتمل أن يتخلّى رئيسٌ جمهوريّ آخر عن فكرة إضفاء الشرعيّة على أيّ برنامج نوويّ لإيران مهما كانت صلابة قيوده.
للتذكير، يتّهم بعض خصوم أوباما إدارته أمام أن تصبح إيران دولة نوويّة بمجرّد أن سمحت لها بالتمتّع ببنية تحتيّة نوويّة، مهما كانت السقوف الأساسيّة الموضوعة على نسب تخصيب اليورانيوم. إنّ فوز أيّ جمهوريّ بالبيت الأبيض يعني عودة إيران إلى نقطة الصفر في صراعها مع الولايات المتّحدة. بهذا المعنى، تصبح نقطة ضعف بايدن الانتخابيّة قوّة ردع لإيران.
لكن هل يدرك قوّة ورقته؟
استهدف وكلاء إيران في الأسبوع الماضي قواعد عسكريّة أميركيّة في المنطقة، كما حصل مع قاعدتي “حرير” و”عين الأسد” في العراق والتنف في سوريا، إلى جانب استهداف حقل غاز كونكو في دير الزور حيث تنتشر أيضاً قوّات أميركيّة. ووقع استهداف جديد لقاعدة أميركيّة يوم أمس الاثنين. يفترض بهذه الهجمات أن توجّه رسائل قوّة وتصميم من جانب إيران. كيفيّة تعاطي الإدارة الأميركيّة معها مؤشّر إلى حسابات بايدن.
سيكون السكوت سيكون علامة ضعف. والردّ على أماكن انطلاق الهجمات سيظهر أنّ أميركا لا تخشى توسيع مظلّتها الرادعة. لكنّ الردّ ، أي بحجم يفوق بكثير حجم الهجوم الأساسيّ للميليشيات المدعومة من إيران، سيظهر أنّ أميركا مستعدّة للتصعيد الشامل وإن لم تكن ساعية إليه. تؤكّد رسالة كهذه أيضاً أنّ حاملتي الطائرات “جيرالد فورد” و”دوايت أيزنهاور” والأصول الأخرى المتوجّهة إلى المنطقة ليست مجرّد خطوات رمزيّة من جانب الأميركيّين.
“حماس” ضحيّة الحسابات الإيرانيّة؟
ستفضّل إيران فوز بايدن بولاية ثانية لأنّه بعد فترة من انتهاء الحرب في غزّة سيحرص مجدّداً على إعادة إحياء الاتّفاق النوويّ. في نهاية ولايته الثانية، ستكون معظم بنوده قد انتهت ومعها عزلة إيران الدوليّة. حينها، حتى مع وصول رئيس جمهوريّ في 2029 إلى البيت الأبيض، سيكون الأوان قد فات على الأرجح لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وسيكون القسم الأكبر من العالم الغربيّ قد قرّر المضيّ قدماً ووضْعَ البرنامج النوويّ الإيرانيّ خلفه. من المعقول افتراض أنّ هذه الحسابات أهمّ للإيرانيّين من حسابات الربح والخسارة في غزّة. ستعوّض إيران خسارتها لـ”حماس” (على افتراض أنّها تحقّقت) عبر فكّ عزلتها وجذب الاستثمارات الدوليّة إليها.
في جميع الأحوال، سيفضّل بايدن تفادي الغرق في حرب إقليميّة شاملة لأسباب عدّة، من بينها الحسابات الانتخابيّة. تدرك إيران هذه الحسابات، لكنّ الرهان عليها لا يضمن أيّ مكاسب. جرّ أميركا إلى نزاع في الشرق الأوسط سيّئ بالنسبة إلى المصالح الإيرانيّة، أكان على مستوى خسائرها العسكريّة في المدى القريب، أو على مستوى تفريطها المحتمل بأفضل فرصة متاحة يمكن أن تحظى بها في البيت الأبيض.
بطبيعة الحال، لا تستطيع إيران أن تتحكّم بجميع مفاتيح الرأي العام الأميركيّ كالوضع الاقتصاديّ والتضخّم والحدود مع المكسيك وغيرها. لكن على الأقلّ، في ما يتعلّق بخفض احتمالات دخول أميركا حرباً إقليميّة، بإمكان إيران أن تقوم بالكثير. ما إذا كانت طهران مقتنعة بهذه الحسابات مسألة أخرى.