من إحدى الجلسات.

في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2010 انعقدت قمة عربية استثنائية في سرت الليبية وكانت الثانية في ذلك العام، خصصت لحسم قضايا أثيرت في القمة الأولى (أواخر آذار/ مارس). في حينه، كان البندان الأكثر إثارة للجدل يتعلّقان بالإصلاحات المطلوبة للجامعة العربية في إطار “تطوير منظومة العمل العربي المشترك”، ومشروع للأمين العام للجامعة آنذاك عمرو موسى حمل عنوان “أسس سياسة الجوار العربي”.
وفي تلك القمة ( عقدت على مسافة شهرين تقريباً من انتفاضات الربيع العربي) أطلق وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل مصطلحه الشهير “الخواء الاستراتيجي” العربي، في توصيف للوضع العربي العام. وبعد ذلك بـ13 سنة، استعاد وزير الخارجية المغربي السابق محمد بن عيسى ذلك المصطلح ليطلق يومين من النقاشات حول “العرب اليوم وأعباء الفراغ الاستراتيجي”، في محاولة لتشخيص الواقع واستشراف المستقبل في ظل خريطة سياسية عالمية متغيرة.
واختار بن عيسى هذا العنوان لندوة سياسية رئيسية  في الموسم الـ44 لمهرجان أصيلة، انطلاقاً من تبدل الموازين الجيوسياسية  وقواعد النظام الدولي، ودعا في مداخلته الافتتاحية إلى مراعاة هذه المستجدات في أي تفكير معمق وجاد.
وجاءت أحداث غزة لترخي بثقلها أيضاً على نقاشات كشفت إحباطا لا بل يأساً من انهيار الدولة الوطنية في عدد من البلدان العربية  والحروب الأهلية والانقسامات العربية المزمنة والاداء العربي في الملفات الكبرى.
وزراء سابقون وباحثون وكتاب وأكاديميون انكبوا على تفنيد الديناميات العربية المتعثرة وتوصيف التحديات والأزمات وعوامل التراجع في العالم العربي، إضافة إلى إشكاليات التأقلم.
كان واضحاً الاجماع على وجود عطب استراتيجي في المنظومة العربية، وعلى أن المؤسسات ليست بحجم التحولات، وتفتقر الى أي فعالية.
الوزير المغربي المنتدب السابق لدى وزير الخارجية  عبد الكريم بن عتيق استعرض بالأرقام الواقع العربي الأليم.
فالمنطقة التي تتمتع برأسمال بشري قوامه 430 مليون نسمة لا  تتعدى صادراتها، بما فيها البترول، 200 مليار دولار، مقابل 45 مليار دولار لصادرات اليابان، ووارداتها من الحبوب ب20 مليار دولار وعدد الأميين فيها 70 مليون نسمة.
وتفاوتت النقمة على النظام الاقليمي العربي بين متحدث وآخر.
وذهب وزير الخارجية الليبي الأسبق عبدالرحمن شلقم إلى القول: “أنا كليبي، أقول إن مالطا أقرب إلي” من العالم العربي، ليشير إلى أن لا تقارب بين العرب، والدول العربية لا تثق ببعضها لا بل تتآمر على بعضها.
بدوره، رأى محمد أوجار، وزير العدل المغربي الأسبق أن “لا نظام عربياً إقليمياً»، كما أنه لا يؤمن به. وتساءل: “كيف أقبل على نفسي أن أقر بوجود هذا النظام وجاري المباشر الذي هو الجزائر، يعبئ كل طاقته لتدمير بلادي؟”.
وقسم أحمد المسلماني، الكاتب الصحافي والمستشار السابق للرئيس المصري السابق عدلي منصور، العالم العربي إلى “6 + 6 + 10”: 6 دول فاشلة؛ منها اليمن ولبنان وسوريا والصومال وليبيا، و6 دول لديها استقرار وازدهار تشمل دول الخليج، و10 دول أخرى تمثل الطبقة الوسطى العربية، التي ليست في وضع الازدهار الخليجي، ولا في وضع الدول الفاشلة.
لم يكن لدى المنتدين أية أوهام في شأن خلل بنيوي في الهيئات العربية المشتركة، وكان لجامعة الدول العربية نصيبها الاكبر من الانتقادات. ومع ذلك، انقسم المتحدثون في شأن في شأن “خريطة الطريق” الضرورية لسد ذلك الفراغ الاستراتيجي.
رئيسة “مركز أبوظبي للسياسات” ابتسام الكتبي لفتت إلى متطلبات عدة لاستعادة الفاعلية، دون إغفال العوامل الخارجية وتدخلات القوى الإقليمية والدولية، معتبرة أن آفاق الإصلاح تبدأ بترسيخ الاستقرار الأمني وتحقيق الاستقرار والتنمية، “وهي أمور تحتاج إلى مبادرات ومشروع عربي شامل تفتقر إليه المنطقة حالياً”.
بن عتيق دعا إلى الانتقال من جامعة الدول العربية إلى اتحاد عربي، يتكون من مجلس أعلى للملوك والرؤساء والزعماء يجتمع دوريا ويحدث قطيعة مع القمم العربية التي تحولت منصة لتأجيج الصراعات، وبرلمان عربي ينتخب اعضاؤه بالاقتراع المباشر، وبنك عربي حقيقي للاستثمار، فضلاً عن التفكير في عقيدة دفاعية مشتركة.
أما عند شلقم فيكمن الحل في “الدولة الوطنية القوية وحسن الجوار”، وقال: “انس الوحدة”.
وفي كلمة وزعت على الحاضرين، أبرز وزير العدل الليبي عبداللطيف وهبي الحاجة أكثر من أي وقت إلى ميثاق عربي للأمن الاستراتيجي يؤكد على حسن الجوار مع احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية واستثمار التاريخ المشترك لجبر كسور السياسة وانكساراتها.
وكما في تشخيص أحوال العالم العربي، انقسم المنتدون على إشكاليات تأقلم العرب مع التحولات الدولية.
أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة نيفين مسعد التي أقرت بفراغ استراتيجي عربي استغلته  قوى إقليمية للتمدد في بلدان مثل ليبيا وسوريا ولبنان، لفتت إلى مبادرات عربية جريئة لعل آخرها الغاء قمة كانت مقررة بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس والملك عبدالله الثاني بن الحسين مع الرئيس الأميركي جو بايدن، فضلاً عن مواقف بعض الدول العربية من حرب أوكرانيا .
وأبرز وزير الخارجية الليبي الأسبق محمد الهادي الديري التقدم الاقتصادي الذي تشهده دول عربية، وتحديداً الخليجية، واعتبر أن هذا التحول الاقتصادي يجب أن ينعكس على الساحة السياسية.
أما الكاتب خيرالله خيرالله فتحدث عن نظام إقليمي جديد تتمتع فيه ايران باليد العليا، بما في ذلك  قرار السلم والحرب في الشرق الأوسط.