
في دراسة له بعنوان عامودا بين الحاضر والماضي يقول الباحث السرياني جوزيف انطي حول مدينة عامودا ( هذه الناحية يعتبر من اكبر النواحي في سورية ( غربي كردستان) يتميزاهلها عن غيرهم بالكرم والاخلاق الفاضلة واغلب سكانها يعملون في الزراعة مثل القمح الشعير العدس والقطن وبالامس القريب ذهب اهل عامودا في زيارة الى كنيسة السريان الكاثوليك واحتفل اهلها من المسيحيين والمسلمين واقاموا الصلاة فيها وقرعوا الاجراس وكان فرحة تعبر عن وحدة وطنية قلة مثيلها .
نادي الشباب الكردي
تاسس هذا النادي على يد الشاعر الكردي جكرخوين في عام 1938 م اي بعد طوش عامودا بعدة اشهر حيث كان الطوش في بداية شهر اب عام1937 م وموقع النادي هو ( قيصرية جاسم وضحية حاليا ) وكان السيد محمد علي شويش رئيسا اداريا للنادي وكان من بين شروط الانتسابي هو ان يتعلم اللغة الكردية وقد وصل عدد الاعضاء للنادي الى 300 عضو ومن بين الاعضاء الدائمين للنادي كان كل من عزيز ملا عبدي تيلو صالح حسو مجيد كولك علي سعدو وسيداي تيريز وديبو ابراهيم (سينو) واوسكي حرسان .وكان من بين الاعضاء الغير دائمين في النادي : صالح وتي مجيد كون رش رفاعي شيخموس حمي طاهرو صديق اوسي احمد جميل ابراهيم صالح عيسى صبري خلو سيتي فرج كورو جاسم وضحية صالح بكي رفاعي رعاة مصطفى غزلاني محمد سعيد شويخ واسماعيل وضحية . كان اعضاء النادي يلبسون شورط قميص قبعة وجوارب طويلة وكان لون لباسهم موحدا بالون الخاكي وكان سيد محمد علي شويش مسؤول النادي جادا في عمله على صعيد التعليم اعضاء النادي حيث يقال عنه : انه كان يضرب الكشافين ضربا مبرحا ثم يداريهم بنكتة او مزحة كي يمسح عنهم ضربهم . نشيد النادي : ياعلم بثلاثة الوان زاهية دون اسم رمز النضال والكفاح . اي شباب الكردي سلمو عليه لافرق بين مسلم ومسيحي دمهم واحد وكرديتهم واحدة . الجامع والكنيسة بيت الله. الاتراك قتلونا ورمونا في الانهار ( ترجمة عبداللطيف الحسيني في كتابه نحت مدينة عامودا ) يقول الشاعر الكبير جكرخوين في سيرة حياته ( في سنة 1938 افتتحنا نادي الشباب الكردي فقد وجدت بعض الشباب عامودا الواعيين والطموحين الذين يتمنون بقائي بينهم كي احدثهم عن اراي وطموحاتي . لذلك رايت ان اكون كما يرومون نتجمع معا من اجل ان نخطوا خطوة متقدمة لشعبنا الكردي, وكان جكرخوين يسكن في قرية جي له كي
عامودا مدينة المعرفة والثقافة:
كانت عامودا تابعة – شانها في ذلك شان المنطقة كلها – للحكم العثماني الذي يبدو انه لم يكن يتدخل في تفصيلات حياة الناس ولم يكن يلزمهم بالتحدث بالتركية وهذا جلي من خلو عامودا خلال المرحلة العثمانية الطويلة من اي قوة للشرطة او العسكر الامر الذي فتح المجال امام الاغا ليكون هو المسوؤل التنقيذي الاول .
يدير شوؤن البلدة اذا صح التعبير يتابع تحركات الجيران ينظم عمليات الدفاع عنها لصد هجمات البدو العرب الاتية من الصحراء الذي كانو يطمعون في خيرات سكان المستقرين في الميدانين الزراعي والحيواني ومع ترسيم الحدود بين تركية وفرنسا والتي سميت بمعاهدة ( انقرة) في عام 1921م كانت عامودا البلدة الكردية الوحيدة التي ظلت في جانب السوري ( روج افا ) في حين ان البلدات والمدن الكردية الاخرى ( مثل جزيرة بوطان –نصيبين – سري كانيه – روها وكلس ) اصبحت في جانب التركي ( شمالي كردستان) الامر الذي ادى بسلطة الانتداب الفرنسي الى البحث عن مراكز جديدة تعوض عن تلك التي باتت في عهدة تركية ومن هنا ظهرت عين ديوار ومن ثم ديريك والقامشلي ودرباسية وسري كانيه الى جانب كوباني وعفرين وغيرها من البلدات الكردية في المناطق الحدودية المحاذية لتركيا ( شمال كردستان ) , كانت عامودا في ذلك الحين مستقرة يشرف عليها اغا الى جانب امام المسجد الذي كان يمثل السلطة القضائية وقد ازدادت حجما نتيجة نزوح سكان المنطقة المحيطة بها بفعل ظروف الحرب وتداعياتها مثل نزوح المسيحين من ارمن وسريان هربا من مذابح الدولة العثمانية اثناء حرب العالمية الاولى وبعدها وما اضفى خصوصية استثنائية على عامودا مقارنة بغيرها هو ان الاغا كان عليه ان يوائم بين مصلحة العشيرة ومتطلبات بوادر تكون المجتمع المديني اذا ان عامودا في ذلك الحين كانت قد فارقت اطار القرية لكنها لم تكن قد تحولت الى مدينة بعد وفي نطاق جهود الموائمة تلك كان على الاغا ان يمنح ابناء العشيرة والبلدة المزيد من الحريات خاصة في ميدان حيازة الارض والمراعي لم يتدخل في تفصيلات حياتهم اليومية ولم يمارس الظلم والتعسف معهم بل كان حريصا على اشراك الحكماء في المشاورات والقرارت واحترام ارائهم وكل ذلك ادى الى بروزمايمكن تسميته بالاعتزاز العامودي, وفي هذه المناخاة كان من الطبيعي ان يعبر الناس عن ارائهم بحرية وصدق فتكون لديهم مايمكن اعتباره صيغة من صيغ الذكاء الفطري التي تجسد غالبا في الطرائف والاسلوب الساخر المعبر في الحديث الذي يتميز بها اهالي عامودا .
الى جانب ماتقدم لابد لاي السعي الجاد يبغي فهم الخلفية الكامنة وراء الظاهرة العامودية ان ياخذ بعين الاعتبار الدور الهام الذي ادته ( الحجرة ) في عامودا والمقصود بهذه الاخيرة نلك الغرفة التي كانت قد خصصت لتعليم الطلبة علوم الفقه والشريعة الى جانب علوم النحو والصرف والبلاغة والمنطق والفلك وغيرها من التي كانت على الطالب وكان يسمى فقيه ان يدرسها ليحصل في نهاية المطاف على الايجازة في العلوم الفقهية واللغوية ويصبح ملا ( لقب علمي لاوراثي ) في مقدوره ان يحكم بين الناس ويوجههم في شوؤن دينهم ودنياهم . ونظام الحجرة هذا كان معروفا في كل ارجاء كردستان خلال المرحلة العثمانية وذلك في ظل غياب الجامعات من جهة ووجود حاجة ماسة الى العلم ونزوع كبير نحوهم من جهة ثانية ويبدو ان كل حجرة من الحجرات المعنية كانت مشهورة بجانب من جوانب المعرفة التي لابد ان يحصلها الطالب في طريقه نحو نيل الاجازة , كما ان تواصل بين الحجرات كان قائما وكان الاخبار تنتقل من منطقة الى اخرى بفعل تنقل الطلاب بين مختلف الحجرات وكل ذلك ادى الى قيام توع من التواصل بن المناطق الكردستانية المختلفة وهذا فحواه ان الحجرة ادت باستمرار د\ورا تنويريا وتثقيفيا في مجال نشر الوعي القومي والسياسي والثقافي العام , الما بالنسبة الى حجرة عامودا موضوع البحث هنا فقد تاسست في عام 1920 من قبل ملا عبيدالله جانكير قاسم الذي كان يلقب بسيدا او سيداي مزن ( الاستاذ الكبير او صاحب الفضيلة ) الذي كان قد نزح بفعل حرب العالمية الاولى الى قرية داري حيث كان يدرس في حجرتها ومن ثم اقترح عليه لفيف من سكان عامودا وفي مقدمتهم المرحوم حاج يوسف كرو.الانتقال الى عاموداباعتبارها اكبر واكثر حاجة فوافق على الفكرة شرط اففتاح حجرة لتدريس الطلبة وذلك انسجاما مع توجهه الدائم الذي كان يكرره على مسامع زائره قائلا: ان كل فقيه ( اي طالب الحجرة ) يساوي اكثرمن صوفي ( مريد تابع لاحد الشيوخ) وافق اهالي عامودا على الموضوع وتكفلوا مسالة تامين مستلزمات الطلبة من ماوى وماكل وملبس , ومع مرور الوقت اصبحت حجرة عامودا قبلة الطلبة من مختلف انحاء كردستان درس فيها العديد من الذين اصبحوا فيما بعد رواد الفكر القومي الكردي كما برز الكثير من طلبتها في ميادين الفقه والشعر والادب ومن بين ابرز طلابها نذكر على سبيل مثال : ملا ابراهيم صوفي عبو – ملا عبداللطيف ابراهيم ( سيدا) – ملا شيخموس هساري ( جكرخوين ) ملا عبدالحليم ملا اسماعيل – ملا علي توبز – ملا شيخموس قرقاتي – ملا سري وغيرهم .
كانت الحجرة نقطة تحول كبرى في حياة مدينة عامودا ولا غرابة في ذلك فقد كانت بمثابة كلية جامعية تخرج الطلبة وتحافظ على اواصر التواصل مع الخريجين ومع رواد الفكر القومي في ذلك الحين خاصة اعضاء جمعية خويبون وباتت عامودا مع الوقت قبلة القوميين والمثقفين الكرد واستمرت الحجرة تلك نشاطها حتى بعد وفاة ملا عبيد الله عام 1929م اذ تسلم مهام مسوؤلية التدريس فيها بعد وفاته شقيقه ملا فتح الله ثم ملا عبداللطيف ابراهيم وتوقفت عن العمل في اواخر ستينيات قرن الماضي ونتيجة لمكانة عامودا الخاصة في ذلك الحين قررت جمعية خويبون افتتاح نادي شباب الكرد في عامودا عام 1932م اي بعد الطوش بادارة المرحوم محمد علي شويش وقد اخذ هذا النادي على عاتقه مهمة تعليم الطلاب اللغة الكردية ولاول مرة شاهد الناس في شوارع عامودا طلبة مدارس بزيهم الموحد هؤلاء الذي كان ياخذون درس على المقاعد ويكتبون على اللوح الاسود وكل هذه الامور كان من الامور الجديدة على عاموداوغيرها من المدن الكردية في كانتون الجزيرة .
وقد رسخت هذه التوجهات والاجواء قناعة لدى اهالي عامودا بان طريق الخلاص بالنسبة لهم يتمثل في العلم والمعرفة بعد ان لمسو النتائج والشعور بالفارق الكبير بين الجهل والمتعلم , لذلك كان العامودي يفكر دائما في تعليم الاولاد قبل اي شيء اخر يبخل على نفسه يقلل من اللقمة ولكنه يحرص على تعليم ابنه او ابنته وكل ذلك اعطى نتائجه المرجوة على الرغم من المصائب والسياسات العنصرية التميزية التي اعتمدتها الحكومات السورية المتعاقبة ( الوطنية ) ازاء الكرد .
…من صفحة ابناء عامودا في المهجر