حرص ممثلو الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) عشية اجتماع أستانا الأخير، وبعده على التشديد على أهميته وإعطاءه تقييمات إيجابية بموازاة التشديد على أهمية الحفاظ على صيغة أستانا كساحة لقاء مباشر، وإن عبر وسطاء، بين الفرقاء.

وسبق الاجتماع اتصالات مكثفة لتأمين حضور كافة الفرقاء فضلًا عن الأطراف التي حضرت بصفة مراقبين كالعراق والأردن ولبنان.

وقبل الاجتماع برزت معطيات جديدة تمثلت بالدرجة الأولى في الحرب على غزة وتداعياتها التي طالت بشكل أساسي البحر الأحمر ومضيق باب المندب وصولًا إلى جنوب لبنان والعراق، وسط هواجس من توسع رقعة النزاع، والتي تعتبر سوريا طرفًا فيه بشكل أو بآخر.

علاوة على ذلك، شهدت الفترة بين الاجتماعين الـ20 والأخير، تصعيدًا تركيا في مناطق شمالي سوريا، وتلويحاً من جانب أنقرة بشن عملية عسكرية هناك.

“نقاط تقاطع”

وقبل أيام، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، إنّ موسكو ستعقد القمة المقبلة للتسوية السورية بصيغة “أستانا” بين روسيا وإيران وتركيا، على أراضيها.

وأضاف لافرنتييف: “روسيا ستكون الدولة المضيفة للقمة المقبلة، لذا ينبغي تخصيص الوقت لعقدها”.

وأضاف في مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية: “قرار عقد قمة جديدة تم اتخاذه في عام 2022. وكانت هناك شروط مسبقة معينة لعقد مثل هذا الاجتماع في نهاية عام 2023، لكن الوضع في قطاع غزة أربك كل شيء، وظهرت قضايا أخرى تتطلب تدخلاً سريعاً على أعلى مستوى”.

وكان نائب وزير الخارجية التركي، أحمد يلدز، الذي يرأس الوفد التركي في محادثات أستانا بالعاصمة الكازاخستانية، قد قال إنّ جميع الأطراف متفقة على عقد القمة بصيغة أستانا هذه السنة على مستوى القادة.

ويشدد الخبير في الشؤون الاستراتيجية في روسيا، رولاند بيجاموف، في حديث مع نورث برس، على ضرورة الإبقاء على صيغة أستانا نظرًا لوجود نقاط تقاطع تحظى بتوافق بين المشاركين.

ومن بين تلك النقاط، بحسب الخبير، “وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب وإدانة العقوبات أحادية الجانب ضد سوريا والقلق تجاه الأوضاع الإنسانية هناك وكذلك الموقف الموحد لدى الأطراف الضامنة تجاه السلوك الإسرائيلي في سوريا”.

لكن “بيجاموف”، يرى بأن الجانب الأساسي في مقاربة الأزمة السورية و”خارطة طريق” حلها، تكمن في تموضع الأطراف الداخلية والتناقضات التي تحكم العلاقة فيما بينها، وعلى هذا الأساس يشير إلى أنه لا مخرج من الأزمة السورية دون حلول شاملة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع.

شروط نضوج التسوية

ويوضح أنه من جهة، لا يمكن تخيل عودة الأوضاع في سوريا إلى ما قبل العام 2011، بدون إصلاحات جامعة وتحظى بموافقة وقبول واسع النطاق، وفي ذات الوقت، لا ينبغي الاعتقاد بأن تغير النظام هو شرط للحل. لكن، بحسب وجهة نظره، لم يحن الوقت بعد للحلول الشاملة.

من جانبه، يميل الخبير في الشؤون الدولية، في روسيا، أيليا غراشينكوف، إلى أنه “من غير الممكن، الحديث بعد عن تحقيق اختراق على خط تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، ولكن في المقابل، جرى تفاهم روسي – إيراني – تركي على منع التصعيد في إدلب، والمعالجة المشتركة لأية انتهاكات لوقف إطلاق النار”.

واستبعدت وزارة الخارجية التركية عقد اجتماع ضمن “الصيغة الرباعية”، التي تضم روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، بشأن التطبيع بين أنقرة ودمشق.

ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن مصدر في الخارجية التركية قوله إنه “لم يتم التخطيط لعقد اجتماع رفيع المستوى للصيغة الرباعية حول التطبيع بين أنقرة ودمشق”، مضيفاً أنه “لم يتقرر بعد عقد مثل هذا الاجتماع في الوقت الحالي”.

ويضيف الخبير الروسي، “يحتاج تقييم نتائج الجول الأخيرة إلى فترة من الوقت، يتم من خلالها رصد سلوك الأطراف حيال التفاهمات المعلنة وغير المعلنة”.

ومن بينها “مراقبة وضمان تراجع تركيا عن التلويح بعملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق الشمال السوري”.

وحسب رأيه، فإن “أي عملية محتملة في الشمال قد تعيد خلط الأوضاع وتفقد تركيا دورها كطرف ضامن، علاوة على أن ذلك قد يشجع أطرافاً أخرى موجودة خارج المسار السياسي على الاستفادة من عملية الفلتان، وتذهب إلى خيارات تزيد الأوضاع تعقيدًا”.

ولكنه يجد في قرار عقد الاجتماع المقبل في روسيا، “مؤشرًا إيجابيًا”، قد يتيح لموسكو فرصة التواصل بشكل أكبر مع كافة أطياف المشهد السوري، علاوة على اللاعبين الإقليميين والدوليين الأساسيين في هذا الملف.

ويرى أن ذلك “يمكن أن ينجم عنه إحراز تقدم، لا سيما أن الحروب والنزاعات في المنطقة وغيرها، كشفت أن الكل خاسر في الرهان على منطق الإلغاء والخيار العسكري للحل”.

وشدد البيان الختامي لمباحثات “أستانا 21” على ضرورة العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم بإشراف الأمم المتحدة، وأهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب شمالي البلاد.

وجاء في البيان الختامي: “بحثنا بالتفصيل خفض التصعيد في إدلب وضرورة الحفاظ على الهدوء”، على أن تعقد الجولة المقبلة من المباحثات في النصف الثاني من العام الحالي، وفق البيان.