محمد فهد الحارثي لـ«الشرق الأوسط»: القطاع عربياً مطالب بمواكبة المتغيرات الرقمية السريعة

جانب من المشاركين في المؤتمر (الشرق الأوسط)
جانب من المشاركين في المؤتمر (الشرق الأوسط)

بحث عشرات من خبراء الإعلام والاتصال والتكنولوجيات الحديثة الدوليين خلال «المؤتمر السنوي الثالث للإعلاميين العرب» الذي نظمه اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس، انعكاسات انتشار توظيف «الذكاء الاصطناعي» على قطاع الإعلام العربي ووسائل الإعلام، وأيضاً على الاقتصاد الدولي سلباً وإيجاباً.

رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية والرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي، محمد فهد الحارثي، كشف في حوار مع «الشرق الأوسط» خفايا تزايد اهتمام مسؤولي الإعلام والاتصال، عربياً ودولياً، بتأثيرات «الذكاء الاصطناعي» على المحتوى الإعلامي وعلى الخطاب الموجّه من قبل وسائل الاتصال الحديثة إلى مليارات البشر.

وفيما يلي نص الحوار:

* ما هي، في رأيكم، الرسالة التي يوجّهها اتحاد إذاعات الدول العربية من خلال تنظيم مؤتمر إعلامي تكنولوجي ضخم لبحث ملف «الذكاء الاصطناعي» وانعكاساته على الإعلام وعلى الجمهور وعلى المجتمعات؟

– اهتمام اتحاد إذاعات الدول العربية بهذه الظاهرة فرضته التطورات الإعلامية والتكنولوجية والاتصالية العالمية. فقد أضحى «الذكاء الاصطناعي» قضية الساعة الآن، وكلنا ندرك أنه حقيقة واقعة وأن تأثيره لم يعد مجرد فرضية أو تنظير. الذكاء الاصطناعي لن يغيّر فقط قطاع الإعلام، بل سيغير أيضاً قطاعات كثيرة في المنطقة العربية وفي العالم أجمع. لدينا اليوم تقرير صادر عن البنك الدولي يتوقع احتمال اختفاء 40 بالمائة من الوظائف على مستوى العالم بسبب الذكاء الاصطناعي. كذلك ثمة تقارير تقدّر أن نحو 300 مليون وظيفة سيختفي قريباً بسبب تطبيقات «الذكاء الاصطناعي» في قطاعات عديدة، منها الإعلام والاتصالات والتكنولوجيات والخدمات.

 

محمد فهد الحارثي (الشرق الأوسط)

 

الإعلام أكبر المتضرّرين

* وماذا عن انعكاسات الذكاء الاصطناعي على قطاع الإعلام والاتصال بالذات؟

– قطاع الإعلام والاتصال هو الأكثر تأثراً بالمتغيرات التكنولوجية السريعة، وخاصةً بـ«الذكاء الاصطناعي»؛ لأنه يعتمد أكثر من غيره على التداخل الكامل بين صناعة المحتوى والتكنولوجيات الحديثة والترويج للمنتوج الإعلامي ضمن آليات وأساليب جديدة كثيرة ومعقدة. نحن في عصر أصبحت فيه كثرة من وسائل الإعلام «تتنازل» لآليات الذكاء الاصطناعي، ومهمة صناعة الأخبار والمحتوى بنسبة الثلث… بما في ذلك تعويض المرسل والمنتج التقليديين. لقد لاحظنا هذا خلال جولاتنا في العالم، بما في ذلك لوكالة الأنباء الدولية الشهيرة «أسوشييتد برس» (أ.ب)، التي تنتج نحو ثُلث موادها الإعلامية والاتصالية عبر «برمجيّات رقمية متطوّرة» لا يتدخل فيها الصحافي والبشر عموماً… ولا سيما بالنسبة لبعض القصص الإعلامية التقليدية مثل نتائج المباريات الرياضية. هذا التطوّر يطرح، بلا شك، تحديات كثيرة على المسؤولين عن ملفات الإعلام والتواصل والتأثير في الرأي العام عبر الوسائل التكنولوجية الرقمية الحديثة جداً، بما في ذلك تحدّي «الأخبار الكاذبة» أو المفبركة؛ ولذا فتحنا في اتحاد إذاعات الدول العربية ملفّات مهمة تتعلق بسوء استخدام «الذكاء الاصطناعي» مثل «انتهاك الخصوصيات والمعطيات الشخصية» ونشر «الأخبار الكاذبة»، وسرقة الأخبار وبثها من دون احترام حقوق الملكية الفكرية وحقوق البث… وعلى سبيل المثال رفعت إدارة مؤسسة «نيويورك تايمز» الشهيرة أخيراً قضايا أمام المحاكم ضد مؤسسات تستخدم منتوجها الإعلامي ومحتوياتها من دون ذكر المصدر أو احترام حقوق الملكية الفكرية.

 

عواطف الدالي، المديرة العامة لمؤسسة التلفزة التونسية (الشرق الأوسط)

 

التجارب الفاشلة والناجحة

* لكن الدراسات تؤكد وجود تجارب ناجحة لحسن توظيف الذكاء الاصطناعي في قطاعات الإعلام والاتصال المختلفة… وطبعاً هناك أخرى وظّفته سلباً…

– نعم. هذا صحيح. لدينا تجارب ناجحة أيضاً، و«الذكاء الاصطناعي» ككل «ليس لعنة»، بل يمكن أن يكون أيضاً نعمة للإعلاميين والطلبة والباحثين والجمهور. بيد أن توخي دقة المعلومات يستوجب في حالات كثيرة تمحيصاً وتدخلاً بشرياً جدّيين من قبل الإعلاميين والخبراء والباحثين من أجل التثبّت من صحة الخبر والمعلومة، وأيضاً إجراء عمليات الاستقصاء والتقاطع بين الأخبار والمصادر المتناقضة وتنسيبها. عملية مراجعة المحتوى لا يمكن أن تؤديها الآلة؛ لأن مرجعها قد يكون «البرمجيات الرقمية» التي سبق تخزينها… أو مصادر إعلامية قليلة تحتاج موثوقيتها إلى تدخّل بشري من إعلاميين مهنيين للتثبت والتأكد والتحريات من عدة مصادر. في الوقت نفسه، هناك مَن يعد أن تسارع استخدام الذكاء الاصطناعي تطوّر مخيف؛ ولذا عقدت السلطات المتخصصة في الولايات المتحدة اجتماعات مع جميع المتدخلين بهدف «عقلنة» الاستفادة من آليات «الذكاء الاصطناعي» وفق التوجّهات التي تتماشى وثوابت البلاد ومصالحها الوطنية العليا. وفي نهاية المطاف، نحن مستخدمو الذكاء الاصطناعي ووسائل الإعلام والخدمات التكنولوجية ووسائل الاتصال الحديثة جداً… وبالتالي علينا أن نُحسن توظيف التقدم التكنولوجي لضمان تقديمه «قيمةً مضافةً»، ولا يشكّل تهديداً للمكاسب وللثوابت والقيم ولمصالح الشعوب والدول.

 

مذيعة طورتها تقميات “الذكاء الاصطناعي” (الشرق الأوسط)

 

الإعلام و«لوبيات» المال والسلاح

* خلال العقود الأخيرة، وفي عصر الهيمنة الرقمية وتداخل بعض مؤسسات صنع المحتوى الإعلامي الأميركي والأوروبي مع شركات صنع الأسلحة و«لوبيات» المال العالمي… ثمة من يحذّر من تراجع نسب الموضوعية والحياد وفرص التثبت من دقة الأخبار، وبالتالي يعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد يزيد الأوضاع سوءاً… هل توافقون على هذا؟

– التنبه لهذه الإشكالية مهم جداً؛ لأن «الهيمنة الرقمية» عالمياً من قبل بعض الدول و«اللوبيات» أصبحت واقعاً. وبالفعل، تشغلنا كثيراً الهيمنة الرقمية العالمية، ولقد أعددنا حولها دراسات معمقة في اتحاد إذاعات الدول العربية بتكليف من مجلس وزراء الإعلام العرب. وشملت الدراسة إشكاليّات تتّصل بخصوصيات الإعلام الرقمي في الدول العربية، كما شملت ملف الإعلانات والتمويلات للإعلام الرقمي العربي والعالمي بموارد عربية… في حين منتوجها يروّج عالمياً في دول ومناطق لا تساهم في تكاليف الإنتاج الإعلامي العربي الرقمي الدولي.

 

رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية والرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي يتخوّف من اختفاء 40% من الوظائف الإعلامية عالمياً

 

 

* وهل قدمتم توصيات عملية لتجاوز الإشكاليات من خلال الاستفادة من التجارب المقارنة عالمياً؟

– فعلاً، لدينا اهتمام بالتجارب الجديدة وردود الفعل الناجعة التي قد نستفيد منها عالمياً. الاتحاد الأوروبي، مثلاً، فرض ضريبة نسبتها 15 بالمائة على الشركات الرقمية العالمية العملاقة، وقطعت «مجموعة الدول العشرين» التي هي الأغنى في العالم خطوات لفرض ضرائب على هذه الشركات العملاقة الدولية المتهمة بـ«الهيمنة». وفي المقابل، لا بد لمؤسسات الإعلام والاتصال في العالم العربي من أن يكون لها صوت واحد كي تنجح الدول العربية – على سبيل المثال – في فرض ضرائب على الشركات العالمية التي تستفيد من تمويلات السوق المحلية العربية. أعتقد أنه لم يعد مقبولاً اليوم بالنسبة لشركة أميركية عملاقة أن تستفيد من السوق المحلية في أي دولة عربية، وأن تنقل ثرواتها من دون أن تدفع ضرائب تعود بالنفع على السوق الوطنية. لقد قدّمنا مشروعاً وأحلناه إلى مجلس وزراء الإعلام العرب… ونحن راهناً ننتظر تفعيله ومتابعته لتوفير موارد إضافية للإعلام الرقمي في الدول العربية… مع حماية وسائل الإعلام المحلية من الهيمنة الرقمية للشركات العملاقة الدولية. وهنا، أود أن أسجّل أن التحوّل الرقمي في دول الخليج والمملكة العربية السعودية متقدم جداً… لدينا في المملكة العربية السعودية، مثلاً، الحكومة الإلكترونية الرقمية، ويهمنا توظيف هذا التقدّم عربياً، إيجاباً في أقرب وقت ممكن.