تعلو في الغرب، فضلًا عن جزء كبير من الرأي العام، أصواتٌ أكاديميّة وثقافيّة معاكسة لمواقف الحكومات المخزية، مندّدة بأفعال الإبادة المتتالية ضدّ الشعب الفلسطينيّ، وبخاصّة تلك الواقعة حتى الساعة في غزة المذبوحة والتي لا يمكن أن يوصِّفَ أيُّ كلام مأساة شهدائها وجرحاها، والمرحّلين إلى عراء منطقة رفح، جوعى بردانين معذّبين، مفترشين الرمل، غارقين في سيول الأمطار!
من تلك الأصوات الغربيّة، الإنسانيّة والمتعاطفة، صوت الأكاديميّة الألمانية هِلغى باومغَرْتِن، أستاذة العلوم السياسية في جامعتي غوتنغن وبرلين الحرة، والمحاضِرة لأكثر من ربع قرن في جامعة بير زيت في فلسطين، بعد فترة أمضتها أستاذة زائرة في الجامعة الأميركية في بيروت. ما يعني أنّها على تماس مباشر بالقضية الفلسطينية والصراع المرير الذي يخوضه الشعب الفلسطينيّ ضدّ الاحتلال الصهيونيّ لاسترداد أرضه وحرّيته وكرامته. وللدكتورة باومغَرْتِن العديد من المؤلّفات عن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة وسياساتها، إضافةً إلى الهجرة العمالية في الشرق الأوسط، ومن مؤلفاتها المترجمة إلى العربية: “من التحرير إلى الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية 1948 – 1988″ (2006) و”جمهورية ألمانيا الاتحادية والفلسطينيون والشرق الأوسط” (2009). وهي تتابع من مكان إقامتها في القدس ما يجري على الساحة الفلسطينية من منظار محلي ودوليّ.
حديثًا، صدر في منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب جديد للدكتورة باومغَرتِنْ تحت عنوان “لا سلام لفلسطين – الحرب الطويلة ضدّ غزة”، في ترجمة أنيقة للدكتور محمد أبو زيد (من مدينة طولكرم) الذي درس الطب في جامعة برلين الحرة، فضلًا عن نيله دبلومًا عاليًا في اللغة الألمانية لاهتمامه بالأدب الألماني وتاريخ ألمانيا. وقد عمل طبيبًا في مراكز إسعاف في الضفة الغربية ودرّس الألمانية في معهد غوته برام الله حيث يقيم. ومن أبرز ترجماته أجزاء موسوعة غوستاف دالمان الضخمة التي صدرت حديثًا أيضًا لدى المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة.
بصريح العبارة، وبشجاعة القول والموقف، لا تتوانى الكاتبة عن توجيه الاتهامات إلى بلدها، ألمانيا، الذي تقف حكومته على نحوٍ بشع ومخزٍ إلى جانب الكيان الصهيونيّ، بل يذهب أبعد إلى محاربة الفنانين الفلسطينيين (أمثال محمد الحواجري) وإلغاء معارضهم وأنشطتهم ومنع رفع العلم الفلسطيني في التظاهرات، فتصف ذلك بـ”الغطرسة الألمانية العصيّة على الاحتمال”. تقول باومغرتن في مقدمتها لهذه الطبعة العربية من كتابها الذي سبق أن أصدرته بالألمانية تحت عنوان “Kein Frieden Fur Palastina”: “كألمانية، أقف مذهولة أمام هذا الهجوم المتكرّر والمخجل لكلّ ألمانيّ ذي ضمير على الفلسطينيين الذين يقبعون منذ عام 1967 تحت الاحتلال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، في خرق واضح للقانون الدوليّ، وقد سُلبوا حريتهم، وأقامت إسرائيل نظامًا استعماريًّا استيطانيًّا في كامل المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وعلى الفلسطينيين، بحسب جميع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية المعترف بها، العيش في ظلّ تمييز عنصريّ، وهذا ما لا تدركه (الطلائع) السياسية والفكرية الألمانية. وليس هذا فقط: فالأبارتهايد والاستعمار الاستيطانيّ يفضّل المرء في ألمانيا عدم الحديث عنهما، إذ قد يفقد عمله، أو قد لا يحصل حتى على وظيفة. لكن في الأساس يتمّ إخراسه بشكل مبرمج”، لافتةً إلى أنّ ثمة مجموعات قليلة وبضعة أفراد في ألمانيا يقاومون ذلك بالتصميم على التضامن مع الناس في فلسطين، ولا استعداد لديهم للتنازل، من “باكس كريستي” (Pax Christi) إلى “بيپ” (Bip) و”الصوت اليهودي من أجل السلام”، و”أطفال اللاجئين في لبنان”، فضلًا عن مجموعات التضامن الألمانية – الفلسطينية، والأكثر أهمية مجموعات الشبّان الفلسطينيين المولودين في ألمانيا مثل “فلسطين بتحكي”. الدافع إلى وضع هذا الكتاب تصفه المؤلّفة بأنّه “وليد التأثّر بالمقاومة الفلسطينية ضد عنف الاحتلال والتطهير العرقيّ في القدس الشرقية، وردّة فعل على حرب إسرائيل ضدّ البشر في قطاع غزة”، وبأنّه كذلك “محاولة لعرض وتحليل هذا الصراع المركزيّ في شأن القدس وفلسطين، وبالذات بالنسبة إلى المسلمين أيضًا، وذلك من وجهة نظر الضحية”.
والكتاب ذو طابع تاريخيّ يعرض لمراحل الصراع منذ تاريخ نشوئه الفعليّ عام 1948 وصولًا إلى المرحلة الراهنة والمستجدّ في مسألة الإبادة في غزة، من وجهة نظر أستاذة علوم سياسية تستعيد الوقائع كي تُخضعها للتحليل وللإضاءة القانونية والإنسانية. تقسّم دراستها إلى خمسة فصول: استعراض تاريخيّ (1948 – 1967)، الاحتلال الإسرائيليّ بين حرب حزيران ̸ يونيو والانتفاضة الأولى (1967 – 1987)، الانتفاضة الأولى وأوسلو (1987 – 2004)، الانتخابات (2004 – 2006)، حرب إسرائيل الطويلة على غزة (2006 – 2021)، فضلًا عن التمهيد والخاتمة والتحديث للطبعة العربية التي تغطّي إبادة غزة التي لم تنقضِ فصولًا بعد!
في الفصل الأول، وبعد تعريف (لعلّه انتقائيّ) بعدد من الرموز الفلسطينية في النضال المسلح أو في الثقافة وهم جورج حبش وصلاح خلف (أبو إياد) وغسان كنفاني وإبراهيم أبو لغد وإبراهيم اللدعة (الأخيران طبيبان مثل جورج حبش الطبيب والمناضل معًا) تنقلنا الكاتبة إلى العنوان الفرعي حول “فهم النكبة وتأويلها” بدءًا بالرواية الإسرائيلية التي سادت حتى نهاية ثمانينيّات القرن الماضي عن “إرادة الفلسطينيين بشنّ حرب إبادة نظامية ضدّ إسرائيل وإلقاء جميع اليهود في البحر وتدمير دولتهم”، إلى رواية غسان كنفاني التي تعتبرها الكاتبة “أفضل وأدقّ مَنْ عبّر عن الفهم الفلسطيني المباشر لما حصل عام 1948″، فضلًا عن قسطنطين زريق الذي ترى أنّه قدّم في كتابه “معنى النكبة” أهمّ معالجة سياسية معاصرة للنكبة في فلسطين، مرورًا بـ”المؤرخين الجدد” أمثال بني موريس وكتابه المميّز (بحسب وصف الكاتبة) “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” (1987) وإيلان پاپيه وسيمحا فلابان وآڨي شلايم وآخرين قاموا بتوثيق النكبة بالتفصيل وتحليلها. أمّا “إسرائيل الاستعمارية” فتستند الكاتبة في توصيفها إلى كتابات فايز الصايغ (إسرائيل دولة مستوطنين استعمارية) ومكسيم رودنسون بكتابه المؤثّر في أوساط اليسار الأوروبي “إسرائيل واقع استعماريّ؟”. وفي مسألة التطهير العرقي لا مرجع أفضل من إيلان پاپيه وكتابه المتميّز (أيضًا بوصف الكاتبة) “التطهير العرقي في فلسطين”، والذي مُنع قبل فترة قريبة إصدار نسخته الجديدة في فرنسا! وفي ما يخصّ الفصل العنصري، وهو عنوان فرعي أيضًا، تبدي باومغَرْتن بشأنه استغرابًا إذ لم ينل توصيف إسرائيل بدولة فصل عنصري قبولًا دوليًا إلّا بعد نشر “هيومن رايتس ووتش” و”بتسليم” تقريريهما، في حين أُغفلت دراسة مستفيضة وعميقة تقدمت بها جنوب أفريقيا عام 2009 (هذا البلد عريق في دفاعه عن القضية الفلسطينية وليس وليد الأمس امام محكمة العدل الدولية).
للدكتورة باومغَرْتِن العديد من المؤلّفات عن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بعد النكبة وسياساتها |
تعيدنا الكاتبة في الفصل الثاني إلى حرب حزيران̸ يونيو عام 67 والاحتلال الإسرائيلي لمزيد من الأراضي العربية وتهجير فلسطينيين بالقوة نحو العريش في مصر (ما أشبه اليوم بالأمس) وخوض التنظيمات الفلسطينية المقاومة في الخارج، خاصة من الأردن. هنا تفرد الكاتبة حيّزًا لمعركة الكرامة في غور الأردن عام 68 والتي تحوّلت إلى اختراق سياسي لحركة فتح واحتفى بها العالم العربي كنصر باهر، وانطلقت مذّاك تسميتا “المقاومة الفلسطينية” و”الثورة”. وبين عامي 68 و71 طُرح حلّ “دولة فلسطين الديمقراطية”، على أن تجمع المسلمين والمسيحيين واليهود، وحدّدت الثورة الفلسطينية رسميًّا إقامة فلسطين علمانية ديمقراطية هدفًا نهائيًا لكفاحها التحرّري… والباقي نعرفه، بل نشهده اليوم بأمّ العين مزيدًا من الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية وتهويد القدس، وصولًا إلى الإبادة الرهيبة الجارية في غزة. فلا دولة واحدة ديمقراطية للجميع، ولا دولتان، ولا شيء من ذلك كلّه… بل مزيد من تهويد الأراضي وتوسيع رقعة الاستيطان والقتل والقمع والتهجير! وتمرّ الكاتبة على أيلول الأسود في الأردن وقضايا الأرض والماء والاستغلال الاقتصادي، إلى عناوين أخرى فرعية تمهيدًا للانتفاضة الأولى عام 1987 وهي مع اتفاقية أوسلو عام 1993 عنوان الفصل التالي.
الفصل الثالث يروي مسارًا تفاوضيًا مديدًا تتخلّله محطات مفصلية بعضها مأساويّ كالمجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي حيث قَتَلَ تسعة وعشرين فلسطينيًا يؤدون الصلاة وجرح مئة وخمسة وعشرين آخرين. ومن ثمّ ردود حماس على هذه المجزرة بسلسلة عمليات استشهادية في مدن إسرائيلية، وتستعيد في هذا الشأن قول الشيخ أحمد ياسين من داخل المعتقل الإسرائيلي: “نحن نرفض العنف ضد المدنيين، لكن أنتم أو الجيش الإسرائيلي لا تتركون لنا بديلًا. حين تتوقف إسرائيل عن قتل مدنيين فلسطينيين، سوف نتوقف نحن أيضًا عن قتل مدنيين إسرائيليين داخل إسرائيل”. ولا تفوت الكاتبة ملاحظة توسيع المستوطنات في سنوات أوسلو، الاتفاق الذي آل إلى فشله ونهايته، نتيجة أسباب تعدّدها بالتفصيل، قبل استعادة وقائع دخول شارون الاستفزازي إلى المسجد الأقصى واندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي التحقت بها حماس بعد بضعة أشهر ودخلت الأرض المحتلة في دوامة عنف ومجازر ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضدّ المدنيين، بلوغًا إلى تصفية القيادات الفلسطينية الكبرى وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين… ليبقى السؤال مفتوحًا، بحسب الكاتبة، على كيفية التغلب على الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني ونظام التطهير العرقي والفصل العنصري.
تخصص باومغَرْتِنْ الفصل الرابع ما قبل الأخير لمسألة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، داخل المناطق الفلسطينية، والصراع المحتدم بين فتح وحماس وتأرجح العلاقة بين توافق وصدام، والمحاولات المستمرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية… أي في اختصار الأزمة المستمرة حتى اليوم داخل البيت الفلسطيني والتي ترويها الكاتبة بتفاصيلها الدقيقة قبل أن تخلص إلى أن الأزمة بين الحركتين “هي في النهاية أزمة مشروعية” علمًا أن ما يجمع بينهما أنّ “الناس في الضفة الغربية وفي غزة يعيشون في ظلّ احتلال قمعيّ يزدري البشر، وفي ظل استعمار استيطاني وسياسة تطهير عرقي تطبّق باستمرار”.
إلى الفصل الأخير والأهمّ حول الحرب الإسرائيلية الطويلة ضدّ غزة، موضوع الساعة، وهذه الحرب هي في الواقع سلسلة حروب متتالية تضعها باومغَرْتِن بين تاريخي 2006 و2021 (كان هذا في النسخة الألمانية التي صدرت قبل النسخة العربية الصادرة حديثًا والمزيدة والمحدّثة من قبل المؤلفة على ضوء الحرب الإبادية الراهنة) وهذا الفصل من الكتاب هو الأوسع في نحو سبعين صفحة، نظرًا إلى قسوة وشدّة ما تعرّضت له غزة على مرّ السنين من حصار وتضييق ومجازر ضدّ المدنيين في شكل خاص، ومن اغتيالات لقادة المقاومة من حماس وسواها، ومن تدمير متتالٍ بلغ ذروته المفجعة في الإبادة الحاصلة اليوم. تقول الكاتبة في مستهلّ هذا الفصل: “خلال فترة زمنية مدتها 15 عامًا، اعتدت إسرائيل أربع مرات على قطاع غزة. وكلّ حرب منها كانت قوة دمارها أكثر هولًا، وتأثيرها في سكان غزة أكثر كارثية من سابقتها (…) ترى إسرائيل، على ما يبدو، أنّه يحق لها شنّ حرب في أيّ وقت وكما يحلو لها (…)”. وتتوقف عند “مترو حماس”، اي شبكة الأنفاق التي تحتمي فيها حماس منذ سنين وتزعم إسرائيل أنها دمرتها في عدوانها على غزة عام 2021. وتستعيد الكاتبة وقائع الأعوام 2008 و2012 و2014 و2012، وصولًا إلى المستجدّ المضاف عام 2023 وحتى الساعة الراهنة، لافتة إلى أمر فائق الأهمية ما فتئ مطروحًا ويتعلّق بغياب استراتجية إسرائيلية واضحة لغزة، فالاحتلال يعتمد بحسب رئيس الاستخبارات الأسبق يهوشفاط هركابي “تكتكة الاستراتيجيا” (tacticalization of strategy) وقوامها الهجمات العسكرية والضربات المدمرة ضد القطاع، وذلك يُكسب الاحتلال معارك لكنه يخسّره الحرب. وهنا تسارع الكاتبة إلى القول بأن “ليس هناك سوى حلّ سياسيّ لعلاقات إسرائيل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. إذ أظهرت سلسلة هجمات الجيش الإسرائيلي ذات الطابع الوحشيّ المدمّر، والمزدرية للبشر، على قطاع غزة، أنّ هذا الصراع لا يمكن حسمه عسكريًا. وبناء عليه، هناك حل بسيط حتميّ، ألا وهو إنهاء الاحتلال. بالنسبة إلى غزة، يعني ذلك، في خطوة أولى، رفع الحصار كليًا، وحرية الحركة للجميع، وإنهاء القيود المفروضة على صيد الأسماك، أي تفكيك دعائم الاحتلال لغزة”. وتورد الكاتبة تفاصيل دقيقة موثقة حول صعوبة العيش في قطاع غزة وعنف الحصار المضروب عليه من الاحتلال الإسرائيلي “فاستيراد المواد الغذائية والأدوية والبنزين والنفط وقطع الغيار اللازمة لبنية تحتية حيوية كالماء ومياه الصرف الصحي والأسمدة الزراعية وسلع الاستهلاك اليومي، بدءًا من الهواتف المحمولة مرورًا بالورق والصمغ والأحذية وحتى فناجين الشاي، كل ذلك لا يُسمح به إلّا في حدود دنيا، أو يمنع ببساطة. ووضع الجيش الإسرائيلي بين عامي 2007 و2010 قيودًا مشدّدة على استيراد المواد الغذائية بالأخص. بذلك تكون إسرائيل قد خرقت القانون الدولي الإنساني المعمول به، كما شكل الحصار كارثة اجتماعية – اقتصادية وإنسانية، وذلك كلّه تحت ذريعة محاربة حماس! وثمة الكثير من التفاصيل والمحطات المستعادة التي تثبت أنّ المدنيين، وبخاصة الأطفال، هم دومًا ضحايا الوحشية الإسرائيلية، لا حماس ومقاتليها. وثمة وقائع مثيرة حول تقرير القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون الذي كلّفته الأمم المتحدة عام 2009 بوضع تقرير عن أوضاع غزة، وإذ أنهى تقريره وقدّمه، عاد فتراجع عنه بعد سنتين بسبب ضغط وتهديد مارسهما نتنياهو ضده وضدّ عائلته! تفصيل مثير للاهتمام تكشفه باومغَرتن في كتابها الذي يستعيد الحروب على غزة بتسمياتها المختلفة (“عمود السحاب”، “عملية الجرف الصامد”، إلخ).
ربما لم تأتِ هلغى باومْغرَتِن بوقائع جديدة غير معروفة، لكنّ كتابها الموثَّق هذا يكتسب أهمية من أمرين، أنّه يعيد أوّلًا وصل ما انقطع من التاريخ وربطه باللحظة الراهنة التي انطلقت شرارتها الأولى في السابع من تشرين الأول ̸ أكتوبر الفائت، مرجعةً الحدث الكبير إلى أسبابه الجوهرية (بوصفه نتيجةً لا سببًا)، وأنّه مكتوب ثانيًا من وجهة نظر غربيّة غير استشراقيّة، بل معايِنة ومختبرة عن قرب أدقّ تفاصيل الصراع الممتدّ منذ عقود والذي يغذّيه غرب مستعمر تقف ألمانيا، موطن الكاتبة، في مقدّمة صفوفه تأييدًا وتشجيعًا لدولة الاحتلال !
٭ناقد وأستاذ جامعي من لبنان.