أحدث القصف الأميركي الذي استهدف ثلاثة مواقع نوويّة إيرانية صدمة كبرى هزّت أركان الجمهورية الإسلامية، ووضع النظام أمام لحظة مصيرية قد تحدّد مصيره لسنوات مقبلة. فمع انهيار أو إضعاف الأعمدة الثلاثة التي قام عليها النظام، البرنامج النوويّ، الصواريخ البالستية، والوكلاء الإقليميّين، يواجه النظام أزمة وجود غير مسبوقة. وبينما ينجلي غبار القاذفات الشبحيّة، يفرض السؤال الأهمّ نفسه: هل يتمكّن النظام من الصمود، أم ساعة التحوّل قد دقّت؟
تعرّض المشروع النووي الإيراني، الذي كان لفترة طويلة ركيزة أساسية للطموحات الاستراتيجيّة للنظام، لضربة مدمّرة. فجر 22 حزيران 2025، استهدفت قاذفات شبحيّة أميركية من طراز B-2، مسلّحة بقنابل خارقة للتحصينات تزن 30,000 رطل، ثلاثة مواقع نووية حيويّة، مدمّرةً سنوات من التقدّم. لقد حطّمت هذه الضربات، التي وُصفت بأنّها هجوم شامل، البنية التحتية النووية الإيرانية، فأوقفت طموحات إيران إلى امتلاك أسلحة نوويّة.
قبل الضربات، كان النظام يستخدم برنامجه النووي أداةَ تفاوض في المحادثات الدولية ورمزاً للفخر الوطني. على الرغم من إعلان المرشد الأعلى أنّ الأسلحة النووية محرّمة دينياً، اعتبر مسؤولو الاستخبارات الأميركية أنّ التقدّم النووي الإيراني لا يتماشى مع برنامج مدنيّ بحت. لم يؤخّر تدمير هذه المنشآت الطموحات النووية الإيرانية لسنوات فحسب، بل أضعف أيضاً قدرة النظام على إظهار القوّة من خلال التهديد النووي.
تعرّض المشروع النووي الإيراني، الذي كان لفترة طويلة ركيزة أساسية للطموحات الاستراتيجيّة للنظام، لضربة مدمّرة
أداة غير موثوقة
تعرّض العمود الثاني للنظام، برنامج الصواريخ البالستية، لضربة قويّة أيضاً. ساهمت العمليّات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، إلى جانب الضربات الأميركية، في استهداف منشآت إنتاج الصواريخ وسلاسل التوريد الرئيسية. وخسر الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن البرنامج، قادة بارزين، فأُعيقت قدراته التشغيلية بشكل كبير.
كانت الصواريخ البالستية الإيرانية أداة حيويّة للردع وتعزيز النفوذ الإقليمي، فتمكّن النظام من تهديد الخصوم ودعم شبكة وكلائه. لكن مع تدمير قدرات الإنتاج وتفكيك الدفاعات الجوّية الاستراتيجيّة، أصبحت قدرة إيران على استخدام الصواريخ لإظهار القوّة محدودة جدّاً. يواجه النظام الآن حقيقة قاسية: ترسانته الصاروخية، التي كانت يوماً مصدر قوّة، لم تعد أداة موثوقة.
تفكّك شبكة الوكلاء
العمود الثالث، شبكة الوكلاء الإقليميين الإيرانيين، يعاني من الفوضى، بدءاً بـ”الحزب” في لبنان إلى الحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق وسوريا. اعتمدت إيران منذ فترة طويلة على هذه الجماعات لتوسيع نفوذها وشنّ حروب غير متكافئة. لكنّ التطوّرات الأخيرة أضعفت هذه الشبكة بشكل كبير. أدّت الغارات الجوّية الإسرائيلية والعمليّات التي قادتها الولايات المتّحدة إلى تعطيل خطوط الإمداد والقضاء على قادة رئيسيين للوكلاء، بينما أدّت الصراعات الداخلية في لبنان وغزّة وسوريا إلى تآكل نفوذ إيران الإقليمي.
أصبح الوكلاء، الذين كانوا مصدر قوّة في السابق، عبئاً على النظام. مع تعرّض دفاعات إيران للخطر فيما اقتصادها يعاني من العقوبات والخسائر العسكرية، لم يعُد النظام قادراً على دعم هذه الجماعات ماليّاً أو عسكريّاً. حتّى حلفاء طهران التقليديّون، مثل روسيا والصين، أظهروا تردّداً في تقديم دعم قويّ في مواجهة التصعيد العسكري الأميركي.
ساهمت العمليّات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، إلى جانب الضربات الأميركية، في استهداف منشآت إنتاج الصواريخ وسلاسل التوريد الرئيسية
المرشد الأعلى مختبئ
في قلب النظام الديني الإيراني يقف المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كانت سلطته كـ”مرشد روحيّ” قوّة موحِّدة للنظام. لكنّ التقارير تشير إلى أنّ خامنئي اختفى عن الأنظار بعد الضربات الأميركية، وهو ما أثار تكهّنات حول صحّته واستقرار قيادته. خلق غيابه عن المشهد العامّ فراغاً في السلطة، مع تنافس فصائل داخل الحرس الثوري والمؤسّسة الدينية على النفوذ.
على مدى عقود، حافظ المرشد الأعلى على السيطرة من خلال مزيج من الشرعية الدينية والقبضة الحديدية والمناورات الاستراتيجية. لكن مع انهيار أعمدة النظام وتزايد السخط الشعبي، أصبحت قدرته على الحفاظ على تماسك النظام موضع شكّ. قد تكتسب الاحتجاجات، التي اندلعت بشكل دوريّ في إيران في السنوات الأخيرة، زخماً إذا فشل النظام في إظهار القوّة في أعقاب هذه الانتكاسات.
يواجه النظام الإيراني الآن مفترق طرق حاسماً. يرى خبراء الأمن القومي أنّ الخيار الوحيد القابل للتطبيق هو قبول الانتقال إلى هيكل جديد. قد يتّخذ هذا الانتقال شكلين: انتفاضةً شعبيّةً مدفوعةً بسكّان غاضبين من المشقّة الاقتصادية والقمع السياسي، أو اتّفاقاً تفاوضيّاً مع شخصيّات سابقة من داخل النظام لإدارة انتقال متحكَّم فيه.
مع ذلك، تشير مرونة النظام التاريخية إلى أنّه لن ينهار بسهولة. على الرغم من عقود من العقوبات والعزلة والتحدّيات الداخلية، نجت الجمهورية الإسلامية من خلال مزيج من القمع والدعاية والتحالفات الاستراتيجيّة. لكنّ حجم الأزمة الحالية، الإذلال العسكري والانهيار الاقتصادي وتفكّك هيكل السلطة، قد يكون أكبر من قدرة النظام على التحمّل.
بالنسبة لإيران، الطريق إلى الأمام غامض، لكنّ شيئاً واحداً واضح: قد تكون حقبة الجمهورية الإسلامية كقوّة إقليمية تقترب من نهايتها
يبدو المجتمع الدولي، وخاصّة الولايات المتّحدة، مصمّماً على إجبار إيران على التخلّي تماماً عن طموحاتها النووية والصاروخية ووكلائها. وأكّدت الإدارة الأميركية ضرورة القضاء التامّ على البرنامج النووي الإيراني، مشيرة إلى نهج متشدّد يترك مساحة ضئيلة للتفاوض. إذا فشلت الدبلوماسية، فإنّ العمل العسكري الإضافي يظلّ احتمالاً وارداً كما أعلن الرئيس ترامب بعد تنفيذ العمليّات العسكرية.
الاقتراب من النّهاية
بالنسبة للشعب الإيراني، يقدّم ضعف قبضة النظام فرصة وخطراً في آن واحد. لقد أدّت عقود من الحكم الحديدي إلى إحباط واسع النطاق، خاصّة بين الشباب الذين يشكّلون جزءاً كبيراً من السكّان. قد يمهّد انهيار النظام الطريق لمجتمع أكثر ديمقراطيّةً وانفتاحاً، لكنّه ينطوي أيضاً على مخاطر إغراق البلاد في فوضى، حين تتنافس الفصائل المختلفة والقوى الخارجية على النفوذ.
إقرأ أيضاً: إيران بين خيارات الميدان والدّبلوماسيّة
سيعتمد مستقبل النظام الإيراني على قدرته على التكيّف مع هذا الواقع الجديد. مع اختفاء مرشده الروحي، وتدمير برنامجه النووي، وتقلّص قدراته الصاروخية، وتدهور وكلائه، أصبحت الجمهورية الإسلامية أضعف من أيّ وقت مضى. ومن غير المعروف هل بإمكانها تجاوز هذه الأزمة أم تجرفها تيّارات التاريخ؟
لقد تغيّر التاريخ، كما أعلن خبراء الأمن بعد الضربات الأميركية. بالنسبة لإيران، الطريق إلى الأمام غامض، لكنّ شيئاً واحداً واضح: قد تكون حقبة الجمهورية الإسلامية كقوّة إقليمية تقترب من نهايتها.
لمتابع