صدر حديثًا عن دار رياض الريس للكتب والنشر كتاب لافت عنوانه “منارة وذكرى: أنطوان زحلان” (279 صفحة). وأنطوان زحلان المولود في حيفا في سنة 1928 والذي رحل عن هذه الدنيا في سنة 2020 يُعدُّ أحد أبرز المشتغلين العرب بالعلوم والتقنيات، وهو من قلة فلسطينية قليلة درست العلوم البحتة بعد النكبة في سنة 1948، خلافًا لمعظم أبناء الجيل الفلسطيني الجديد الذين درسوا علومًا تتيح لهم العمل في دول الخليج العربي كالاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال، أو الهندسة والطب. وزحلان هو المساهم الأبرز، إلى جانب وليد الخالدي وبرهان الدجاني، في تأسيس “الجمعية العلمية الملكية” في الأردن التي كانت غايتها سد الفجوة المعرفية بين العرب وإسرائيل، والتي كُشفتْ أبعادها غداة هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967.
الكتاب قسمان: قسم بالعربية وقسم بالإنكليزية، وهو مزود بنحو 65 صورة تختصر حياة أنطوان زحلان الحافلة بالعلم والمعرفة والعطاء. وقد أعدّ الكتاب للنشر كل من محمد مكداشي وجين سعيد المقدسي وحسن الشريف الذين عرفوا أنطوان زحلان من قرب، ورافقوه في أشواط من حياته، وعرفوا قدره والتزامه الوطني والمعرفي. وساهم في كتابة فصول الكتاب كل من: صقر أبو فخر ومنير بشور ومعين حمزة وموزة الربان وعدنان سمارة وحسن الشريف وأسعد عبد الرحمن وفائز ناظم القدسي ومحمد مراياتي ومحمد مكداشي. واحتوى الكتاب حوارًا مطولًا أجرته معه جين سعيد مقدسي عن طفولته في حيفا وعن عائلته ونزوحها إلى لبنان في عام النكبة، وتدرجه في الدراسة والمواقع العلمية. أما القسم الإنكليزي فساهم فيه كل من جين سعيد المقدسي وعلي العسام وسامي البنا وخليل بيطار وعمر البزري وريما بردقش وجورج قرم وعبد القادر جفلات وعابدين جبارة وعفيف كنفاني وعاطف قبرصي وفؤاد مراد وحنا ناصر ويوسف سلام وعدنان شهاب الدين وتهاني سنديان وثريا التركي وليلى أمل زحلان لحبابي.
المعروف أن أنطوان زحلان كان قد نظم أول مؤتمر للعقول العربية المهاجرة في مصيف بلودان في سورية في سنة 1970، ثم أسس بنك الأدمغة العربية في المهجر وأتبعه إداريًا بجامعة الدول العربية. لكن تحولات الواقع العربي جعلت الأدمغة العربية تهاجر زرافات ووحدانًا إلى دول الغرب خلافًا لكل ما عمل له أنطوان زحلان بعدما صارت الحياة الكريمة عزيزة في معظم ديارنا التي ابتُليت بالتسلط وفقدان الحرية والحروب الأهلية. وهذا الكتاب محاولة للإضاءة على الجهد الكبير الذي بذله زحلان لمقاومة الانحدار الذي وصلنا إليه اليوم، ولعل في ذلك عبرة مرّة.
