اشاعت الأنباء السلبية حول مفاوضات الهدنة التي خرجت من القاهرة يوم أمس أجواء من التشاؤم الشديد على مستوى القوى المعنية بحرب غزة، لكنها عززت المخاوف الكبيرة في لبنان من حدوث تطورات خطيرة اذا ما تأكد ان المفاوضات انهارت حقا، دون ان يتمكن الوسطاء المصري، القطري، والأميركي من انقاذها قبل حلول شهر رمضان المبارك الذي يحل مبدئيا يوم الاثنين المقبل.
قبل ذلك كانت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين للبنان (الثالثة منذ عملية “طوفان الأقصى) مناسبة لينفخ – كما يقال – السخن والبارد في آن معا. هذا مع انه اتى الى لبنان حاملاً مقترحات أميركية قسمها الى شقين، الأول المتعلق بما هو مطلوب من “حزب الله”، والثاني المتعلق بما يمكن ان يقدم للبنان (وربما ل “حزب الله” من تحت الطاولة)، كل ذلك لقاء تبريد جبهة لبنان مع إسرائيل، وتجنب الانجرار الى حرب واسعة يقدر أنها اذا اشتعلت ستأتي مباشرة في أعقاب إتمام الهدنة في غزة. هذا اذا تمت! الصراع الدائر اليوم يقوم بين “حزب الله” ومن خلفه ايران المصممين على ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، وإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة المصرتين على فك الارتباط بين الجبهتين مهما كلف الامر. ولذلك حمل هوكشتاين في زيارته كلاماً تضمن مفردات تسوية بمضمون تهديدي. فقد كان واضحاً عندما قال في الكلمة المكتوبة التي قرأها بنهاية اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري المكلف من قبل “حزب الله ” بالشق الدبلوماسي ان “هدنة غزة لن تمتد تلقائيا الى لبنان”. وعنى بذلك ان وقف اطلاق النار من جانب “حزب الله” في حال حصول هدنة او توقف اطلاق النار في غزة لم يعد كافيا. فالمطلوب ترتيبات امنية ذات صدقية، وإلا ستظل الجبهة مشتعلة من الجانب الإسرائيلي، حتى لو اوقف “حزب الله” اطلاق النار من جانب واحد. وهذا تطور سلبي لاسيما ان “حزب الله” ووفق كلام الرئيس نبيه بري الذي يمثل موقفه مع الاميركيين، يعتبر ان “حجر الزاوية لكل الجهود هو الوضع في غزة باعتباره مدخلا لعودة الاستقرار والهدوء”. اما نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم فقد اوضح الموقف على طريقته وعبر محطات التلفزة فيما كان هوكشتاين يجول في بيروت، قائلا: “من أراد ان يكون وسيطاً عليه ان يتوسط لإيقاف العدوان لا ان يتوسط لمنع المساعدة من قبل حزب الله”.
لكن الموقف الذي حمله آموس هوكشتاين لبيروت ارفق بجزرة وعصا في آن معا. الجزرة هي قوله ان هدفه فتح مساراً سياسياً يمكن ان يسمح للنازحين بالعودة الى منازلهم (100 الف نازح لبناني)، والامر نفسه على الجانب الآخر من الحدود (100 الف نازح إسرائيلي)، وان التصعيد لا يساعد على حل هذه الازمة ولا في مساعدة لبنان على إعادة البناء والتقدم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخيه. والأهم انه لوّح بمكاسب يمكن ان يجنيها لبنان اذا ما سلك “حزب الله” مسار الحل الدبلوماسي قائلا: “سيكون هناك دعم دول للبنان يشمل اقتصاده وجيشه إلا أن هذا لا يمكن ان يبدأ إلا عندما نتمكن من الوصول الى نقطة للمضي قدما”.
ولذلك تحدث الموفد الأميركي عن “ضرورة تغيير الصيغة الأمنية على طول الخط الأزرق من اجل ضمان امن الجميع”، معتبراً وهنا بيت القصيد الذي يتجاوز المعاجلة التي يحاول “حزب الله” ان يثبتها عبر حرب “المشاغلة”، ان وقف اطلاق النار غير كاف وكذلك الحرب المحدودة لا يمكن احتواؤها”!
بناء على تقدم، يميل معظم المراقبين الى اعتبار زيارة آموس هوكستين يوم الاثنين الفائت بمثابة جري انذار قبل ان تتدهور الأمور اكثر. ويزلق “حزب الله” نتيجة مغامرته الى حرب لا يريدها أبناء البلد. وللتذكير فقد “حيّا” الحزب المذكور هوكستين فيما كان يغادر الأجواء اللبنانية ليلة الاثنين بصلية صواريخ كبيرة على الشمال الإسرائيلي، وردت إسرائيل “التحية” بتدمير مربع سكني في قلب مدينة بت جبيل، وهي احدى اكبر البدلات المتاخمة للحدود الجنوبية مع إسرائيل. لكن العيون شاخصة الآن الى العاصمة المصرية لمعرفة ما ستؤول اليه مفاوضات هدنة شهر رمضان!