يبدو عنوان اللعبة اليوم هو فلتان الأزمات وانتشار الفوضى في غياب دور “الضابط الكل” (أ ف ب)
ملخص
ليست حرب أوكرانيا سوى نموذج للطموح الروسي في مواجهة الغرب ضمن طبعة جديدة من الصراع الدولي الذي يشمل التنافس والتعاون والمواجهة حتى العسكرية.
“عصر ما بعد الحرب الباردة انتهى لحظة الغزو الروسي لأوكرانيا”، يقول مدير الاستخبارات وليام بيرنز، لكن ما انتهى أكثر من ذلك، ليس فقط الأحادية الأميركية على قمة العالم، بل أيضاً السياسات التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية في ظل الثنائية القطبية وصراع الجبارين الأميركي والسوفياتي، وهي سياسات الحفاظ على “الستاتيكو” في المناطق الحساسة، واللجوء إلى “التغيير” في المناطق الرمادية، إذ يمكن من دون تصعيد كبير، تلك سياسات قائمة على ثلاثة: صنع الأزمات وإدارة الأزمات وحل الأزمات.
صنع الأزمات حين تكون في مصلحة طرف قوي يريد تسجيل هدف في مرمى خصمه، وإدارة الأزمات عندما تكون الحلول إما صعبة أو ليست في مصلحة الأطراف المحلية والطرف الدولي القوي، وحل الأزمات إذا كان ممكناً وفي مصلحة الأطراف الدولية والإقليمية، وهذه لم تكن سوى ترتيبات موقتة ومرحلية، فلا نهايات حقيقية، وفي رأي العالم السياسي الفرنسي برنار بادي، فإن “الحروب لم يتم إنهاء أي منها بالفعل عبر المفاوضات”.
والوقائع لا تزال حية، انتصارات الحرب العالمية الأولى ومفاوضاتها وحلولها المذلة لألمانيا قادت إلى صعود هتلر والحرب العالمية الثانية، كما إلى صراع الهويات والأعراق التي جرى اختصارها بتعبير “البلقنة”، وانتصارات الحرب العالمية الثانية وتسويات الكبار فيها أدت إلى الحرب الباردة التي فتحت الباب أمام حركات التحرر الوطني ثم “الاحتواء” وسقوط الاتحاد السوفياتي والأنظمة في المعسكر الاشتراكي.
كما أن انتصار أميركا والغرب في الحرب الباردة قاد إلى صعود الصين وعودة روسيا إلى البحث عن شيء من دورها الضائع، وليست حرب أوكرانيا سوى نموذج للطموح الروسي في مواجهة الغرب ضمن طبعة جديدة من الصراع الدولي الذي يشمل التنافس والتعاون والمواجهة حتى العسكرية.