img

تضمنت قمة الرياض العربية– الإسلامية، كثيرا من الإشارات الاستثنائية الدبلوماسية ورسائل جماعية إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع الغطاء عن دعمها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ودعم “وقف فوري” لحربه التدميرية، للبشر والحجر، في قطاع غزة، والعدول عن مخططاته لـ”اليوم التالي”.

هذه الرسالة سينقلها، الرئيس الإندونيسي جكو ويدودو إلى طاولة بايدن خلال لقائهما في البيت الأبيض، الاثنين، وستكون في أروقة مجلس الأمن لدى مناقشة مسودة قرار دولي جديد.

وكانت دول عربية قد واجهت تمسك أميركا بتوفير الحصانة الدبلوماسية لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي بمنع صدور مشروع قرار أممي يطلب وقف إطلاق النار في غزة، بالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإصدار قرار بموافقة 120 دولة يدعو إلى”هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية”. وهو قرار لا يرقى إلى أي قرار من مجلس الأمن، لكنه سياسي رمزي يكشف الفجوة بين أميركا وباقي دول العالم من جهة والمزاج الداعم للفلسطينيين في العالم من جهة ثانية.

وجاءت قمة الرياض لتأخذ خطوات إضافية جوهرية، في أكبر تجمع إقليمي– دولي، بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ شارك في القمة، التي ترأس جلساتها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قادة وممثلو 57 دولة عربية وإسلامية، تضم دولا أعضاء في “مجموعة العشرين” ودولا كبرى في قارات مختلفة ومن مشارب سياسية واقتصادية مختلفة.

لقد نسيت هذه الدول تبايناتها، وسرعت من خطوات التقارب بينها، لتأخذ موقفا مشتركا من حرب غزة، إذ شارك في القمة الرؤساء: الإيراني إبراهيم رئيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد، وقادة لا يجتمعون عادة تحت سقف واحد، ما دل على تثبيت اتجاهات التقارب في الشرق الأوسط، الذي رعت محطة منه الصين، وسعي دول المنطقة إلى البحث عن قواسم مشتركة بعيدا من الإرادة الأميركية، إضافة إلى الاهتمام بقضية فلسطين ومعاناة أهلها.

أما مضمون الرسالة، فكان بمثابة الرد على خطط نتنياهو، وموقف واشنطن، و”لاءات” وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

 

رئيس الوزراء الإسرائيلي، من جهته، أعلن تصوره لأهدافه في الحرب وما بعدها: “القضاء على حماس”، ثم “السيطرة الأمنية” الإسرائيلية على القطاع بعد الحرب، ورفض مشاركة السلطة الفلسطينية في إدارة غزة؛ إذ قال: “نحتاج إلى سيطرة أمنية كاملة… ولن يكون هناك سلطة مدنية تعلّم أولادها كره إسرائيل”. وزاد أنه مع انتهاء الحرب “سيتم نزع سلاح غزة، ولن يكون هناك تهديد من غزة لإسرائيل”. أما الهدف المضمر، كما تشير بعض المعلومات، فهو ضم قطاع غزة إلى إسرائيل وتهجير معظم أهله إلى سيناء، وتعيين إدارة محلية تكون شرطي إسرائيل، وتنسق مع تل أبيب في الإطار الأمني.

واشنطن، من جهتها، ترفض منذ أكثر من شهر الدعوة إلى وقف للنار، بل إنها أرسلت حاملتي طائرات وغواصة نووية إلى البحر المتوسط، وقدمت الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل في حربها.

كان بلينكن متحمسا لفكرة نتنياهو بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وحاول الترويج لها في القاهرة وعمان في جولته الشرق أوسطية الأولى، بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه عدل موقفه بعد جولته الثانية في المنطقة، إذ أعلن بعد اجتماع وزراء خارجية “السبع الكبار” في اليابان “ست لاءات”، هي: “لا تهجير إجباريا للفلسطينيين من غزة، الآن أو بعد انتهاء الحرب. لا استخدام لقطاع غزة كمنصة للإرهاب والهجمات الأخرى. لا محاولات لفرض حصار على غزة. لا تقليص من حجم أراضي قطاع غزة. لا إعادة احتلال لغزة بعد انتهاء الحرب. لا تهديدات إرهابية من الضفة الغربية”.

وتكشف هذه “اللاءات” استمرار التطابق مع نتنياهو، مع بوادر تباين وأسئلة من واشنطن الى تل أبيب عن مآلات الحملة وتصريحات نتنياهو من جهة وانقسام أوروبي من جهة ثانية، اذ عارض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استهداف المدنيين ودعا الاتحاد الاوروبي لـ “وقفات أنسانية”، فيما رفض المستشار الألماني “وقف النار”.

ولا شك أن الرهان، هو أن تقوم رسالة قمة الرياض بتوسيع الفجوات، وتحرك إدارة بايدن لدفعها للضغط على نتنياهو، إذ تضمن الموقف العربي- الإسلامي المشترك ذخيرة دبلوماسية جامعة، تضمنت: دعم السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، والوحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967.

وأمام مشاهد القتل والمجازر والأشلاء، دعت القمة لوقف العمليات العسكرية على الفور، و”كسر” الحصار، وإدانة “جرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية”. ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية “باستكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني”.

لم يتبن البيان الجماعي، بيانات منفردة تدعو إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو دعم “حماس” أو “دولة فلسطينية من النهر إلى البحر”، بل كان الإجماع العربي والإسلامي الواسع على التمسك بـ”السلام خيارا استراتيجيا”، ومبادرة السلام العربية باعتبارها “شرطا مسبقا للسلام مع إسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية”، إضافة إلى دعم اقتراح لمؤتمر دولي للسلام يطلق مسارا لهذا الغرض. وبالتالي، أي تفكير في مستقبل غزة يجب أن يكون في سياق “حل شامل” للضفة والقدس والدولة. فكرته الأولى، هي وقف النار.

رسالة جامعة يحملها وزراء دول عربية وإسلامية كبرى، في جولتهم إلى عواصم القرار، على وقع مظاهرات ضد مجازر غزة، لتغيير اتجاهات الرياح الأميركية وخفض السقوف الجهنمية التي وضعها نتنياهو للحرب.