نساء كثيرات حول العالم يتمنين أن تفوز كامالا هاريس بالرئاسة. مساء الثلاثاء الماضي، جلسنا نسمع كلامها ونستمتع بثقافتها السياسية. لقد استطاعت إبهارنا بإجاباتها الذكية، بوقفتها على المسرح، بثقتها الواضحة بنفسها، ولغة جسدها المتقنة، ونبرة صوتها، ولبسها، وتسريحتها، ومكياجها البسيط، وضحكتها “الجنان” التي أوقعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شباكها.
كامرأة من الشرق الأوسط أكره أميركا، لأنها لا تحلّ عن سماء بلادنا ولا تترك شعوبنا بحالهم. كامرأة لبنانية جنوبية تسكن على بعد 15 كيلومتراً من أول مستعمرة إسرائيلية، كرهي لأميركا مضاعف بسبب دعمها وتدليلها المفرط لهؤلاء المستوطنين الطامعين في أرضنا. كامرأة لا تملك سوى عواطفها ودموعها، أحقد على أميركا التي تموّل الحرب الجائرة على غزة، وأتمنى لو أن الأرض تنشقّ وتبتلعها، أو أن تختفي إثر إعصار من إعصاراتها العنيفة ونتخلّص من شرّها.
كامرأة ترفض الفهم الذكوري للسياسة (العنف)، شعرت ببعض الزهو حين اختار الحزب الديمقراطي كامالا هاريس لخوض السباق الرئاسي! وشجعت نفسي على أن تصدّق أنها (كامالا) ستُحدث تحولاً في سياسات بلادها التي تحدّد مسير حياتنا؛ نحن شعوب الله المحتارة ونساءه المضطهدات.
وعلى رغم أن بلادها تنهبنا وتستعدينا وتدعم عدوّتنا إسرائيل، لم يمنعني هذا من أن أصفق إعجاباً بها وبوقوفها مساء الثلاثاء الماضي بصلابة وشجاعة، في المناظرة الأولى أمام مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وأن أفخر بأن أقوى دولة في العالم بجبروتها العسكري وثرواتها الطبيعية وغير الطبيعية واقتصادها الأضخم وهوليوودها وشركاتها الرأسمالية المسيطرة على العالم، ستكون في قبضة امرأة؛ إذا فازت، وأن أردد: يا لسعادة بنات جنسي، يا لانتصاراتهن العظيمة!.
نساء كثيرات حول العالم يتمنين أن تفوز كامالا هاريس بالرئاسة. مساء الثلاثاء الماضي، جلسنا نسمع كلامها ونستمتع بثقافتها السياسية. لقد استطاعت إبهارنا بإجاباتها الذكية، بوقفتها على المسرح، بثقتها الواضحة بنفسها، ولغة جسدها المتقنة، ونبرة صوتها، ولبسها، وتسريحتها، ومكياجها البسيط، وضحكتها “الجنان” التي أوقعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شباكها.
كل سكناتها وحركاتها حرّكتنا عاطفياً، لكونها امرأة سمراء تقارع تاريخاً متراكماً من التسلّط الذكوري على منصب الرئاسة، بغض النظر عن هويتها الأميركية وهواها الصهيوني.
لنتخيّل أن الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبرالمقبل، سيشهد فوز كامالا، ألا يتبادر إلى أذهاننا كيف بإمكان بنت الجنس اللطيف أن تدير 11 حاملة طائرات تحمل أسماء ذكور أبطال؟ أو تعقد صفقات بيع الأسلحة الفتاكة التي تقتل نساء مثلها وأطفالاً مثل أطفالها أو أحفادها؟ كيف ستدير يد ناعمة ثروات تملكها أميركا وأخرى تطمع في امتلاكها في البحار وفي أعماق الأرض والسماوات السبع، لأربع سنوات متتالية؟
يُقال إن عالم السياسة الجاف يصبح لطيفاً في وجود النساء، تصبح مساحاته الباردة cosy وأكثر دفئاً وألفة، تخيلوا أن المساحة نفسها يحتلّها ترامب، كم ستعكس غلاظة وعنفاً؟ ويُقال أيضاً إن الكرة الأرضية تصبح مكاناً أكثر أماناً حين تتولى شؤونها النساء، لأنهن يقدنها بحرارة العواطف وليس بالبرود العقلي، لكن هل بإمكان العواطف أن تتحكم بقرار أميركا؟ بالطبع لا… لذلك، لا بأس في وضع كل ما سبق في خانة المشاعر الجياشة الناشئة من العجز الجماعي، الذي يسيطر على المهزومين الحالمين بنصر يأتيهم ولو على ظهر غيمة.
!
من هي كامالا ومن هي شيمالا؟
كامالا هي بنت شيمالا غوبالان، امرأة هندية ناجحة ومستقلة “سترونغ إندبندنت وومن”، التي لم تهتم بدلع الهوانم ولا الحصول على باقة ورد في المساء على طريقة “أنا عايزة ورد يا ابراهيم”، بعد انفصالها عن زوجها أستاذ الاقتصاد الجامايكي الذي لا نعرف عنه الكثير، بقدر ما اهتمت بمسيرتها العلمية في مجال البحوث السرطانية، وبنضالها من أجل حقوق الهنود الأميركيين وذوي البشرة الملونة، وبتربية ابنتيها كامالا ومايا.
اعتادت كمالا في أحاديثها على الإشادة بتأثير شيمالا والدتها على حياتها وحياة شقيقتها. بعدما اختارها الرئيس الأميركي جو بايدن نائبة له في العام 2020، قالت في خطابها: “لقد ربتنا أمي لنكون امرأتين سوداوين فخورتين وقويتين… لقد قادتنا إلى رؤية عالم يتجاوز ذواتنا، وعلمتنا أن نكون واعيتين ومتعاطفتين”.
إنه كلام عاطفي مهم جداً ومؤثر، ولا شك في أنه سيصبح أكثر أهمية، إذا شملت هذه الرؤية العاطفية عالماً يتجاوز الذات الأميركية الاستعمارية، ليصل إلى أفغانستان والصومال والعراق وفلسطين وغيرها، كون بلادها المسبب الأول للنكبات الإنسانية المستمرة في هذه البلاد ومآسي نسائها، بخاصة الحرب اللعينة في غزة التي تمولها؛ بلادها، من الرصاصة الطائشة حتى الصاروخ الذكي، وإلا سيبقى ما تفوهت به كلاماً نخبوياً، يقدم تفسيراً منحازاً ومنقوصاً للأهداف الإنسانية النبيلة وقيم الحق والعدالة، ويضع أمام “العدالة الأميركية” آلاف علامات الاستفهام في زمنها أي كامالا، كما في أزمان سابقة.
صحيح أن كامالا هربت حين استقبل الكونغرس رئيس الوزراء الإسرائيلي الهارب من العدالة، لكن هذا التصرف لا يُعفيها من أسئلة الإنسانية، فكيف تدعو أمام ناخبيها إلى وقف إطلاق النار في غزة، وفي الوقت نفسه تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟ وهي تدرك بلا شك، التفسيرات الجرمية لهذه العبارة المطاطة!
تتابع كامالا أن شيمالا والدتها علمتها أن “خدمة الآخرين تمنح الحياة هدفاً ومعنى”، هذا كلام عاطفي آخر لا تشوبه شائبة، لكن من هم الآخرون يا ترى؟ بالطبع ليسوا من عندنا عزيزتي كامالا، إنهم النساء والأقليات العرقية والمثليون على الأراضي الأميركية، إضافة إلى الإسرئيليين الأعزاء! أليس كذلك؟
كامالا رائدة أميركا
تشير استطلاعات الرأي إلى أن فوز كامالا هاريس بالرئاسة ليس محسوماً حتى الآن، على رغم ارتفاع أسهمها بعد مناظرة الثلاثاء، فهي لا تملك سجلاً سياسياً حافلاً خلال عملها كنائبة للرئيس الأميركي، ولم تبرز كغيرها ممن سبقوها إلى هذا المنصب في التحديات السياسية والعسكرية التي دخلت فيها بلادها. لكن في المقابل، لا يمكن إنكار حقيقة أنها تتمتع بالكثير من السمات الشخصية الخاصة، التي تجذب الناخبين المستقلين والمترددين، بما فيها الضحكة الجذابة، والقدرة على التعبير، والثقة بالنفس، والمعرفة المتقدمة بالقانون، التي اكتسبتها من خلفيتها العلميّة وتجربتها العمليّة، إضافة إلى أن كونها امرأة، سيحوّل حملتها الانتخابية إلى معركة حامية الوطيس، جنودها أو بالأحرى جندياتها الناخبات الديمقراطيات والأميركيات الملونات، اللواتي سيذهبن إلى الميدان بهدف انتزاع النصر فقط، وبفضلهن ستكون أول امرأة وملونة أيضاً، تدخل إلى البيت الأبيض، بعدما كانت أول امرأة تتولى منصب نائب رئيس الولايات المتحدة، أعلى منصب سياسي تولّته امرأة ملونة في تاريخ أميركا.
كامالا هي “رائدة أميركا” بنظر المؤرخ الفرنسي أوليفييه بيتون، تملك مؤهلات وصفات كثيرة تجعلها أحد أبرز الرؤساء الذين سكنوا البيت الأبيض؛ إذا تمكنت من دخوله، بل واحدة من الشخصيات الأميركية التي ستجعل “أميركا عظيمة مرة أخرى”، وسواء فازت بالرئاسة أم فشلت، ستظل علامة فارقة في العصر الأميركي الحديث، كامرأة لم تخشَ مواجهة مرشح شعبوي سليط اللسان ومؤذ أولاً، ومن جمهور لا يستهان بعنصريته كامرأة سوداء ثانياً.
يمكن اعتبار ما ورد في هذه المقالة مجرد هلوسات صادرة عن امرأة شعرت بزهو لا طعم له ولا لون ولا رائحة، لاحتمال أن تقف امرأة على رأس أعتى قوة في العالم، لصحافية تتبنى قضايا المرأة، لكن كون كامالا امرأة لا يعطيها صك البراءة… غولد مائير أمرأة، وسالومي التي طلبت رأس يوحنا المعمدان امرأة، وماري أنطوانيت امرأة، وكل الذكور الذين سوّدوا عيشتنا نشأوا على أيدي نساء!