ملخص
تناقش زيارة بلينكن ولامي إلى كييف إمكانية استخدام أوكرانيا صواريخ غربية بعيدة المدى ضد روسيا. هذا التصعيد قد يدفع بوتين للتفكير في خيارات نووية، مما يزيد المخاوف في شأن تداعيات خطرة على الساحة الدولية.

تحمل الزيارة المشتركة لوزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي إلى كييف أهمية أكبر بكثير من كونها أحدث استعراض دعم تقدمه ضفتا المحيط الأطلسي لأوكرانيا فقط.

إذ إن احتمال رفع القيود عن استخدام الصواريخ الأميركية والبريطانية البعيدة المدى يُعتبر على نطاق واسع خطوة كفيلة “بتغيير قواعد اللعبة” لأنها تسمح للقوات الأوكرانية للمرة الأولى بضرب أهداف إستراتيجية في العمق الروسي. وقال لامي إن الغرب “يصغي جيداً” إلى ما تحتاج إليه أوكرانيا.

لا شك في أن الخطوة تأتي في وقت حساس بالنسبة إلى الرئيس زيلينسكي على خلفية التململ الظاهر في الدعم الأوروبي للحرب. وفي سياق “تذبذب” ألمانيا التي دعا مستشارها شولتز المُحارب داخلياً إلى عقد مؤتمر سلام، ومع اقتراب فصل الشتاء، يتخذ استعراض الدعم البريطاني-الأميركي لأوكرانيا أهمية حيوية.

لكن النقطة الأهم التي قد تخلف عواقب أشد وطأة بالنسبة إلى عدد أكبر بكثير من الناس حول العالم، هي احتمال أن يكون السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى من أجل ضرب الأراضي الروسية نقطة تحول بالنسبة إلى بوتين – تدفعه إلى اللجوء للخيار النووي.

وتستخدم أوكرانيا بالفعل مسيرات محلية الصنع لضرب مواقع إطلاق الصواريخ والمطارات في “العمق الروسي” التي تبعد عن حدودها بُعد مطار في المنطقة القطبية الشمالية، كما نجحت في ضرب الكرملين نفسه. واستخدمت في آخر هجوم أطلقته على موسكو هذا الأسبوع – وهو الأكبر في الحرب حتى الآن – 140 طائرة مسيرة، مما أسفر عن قتيل وعدد من الجرحى.

لكن هذه المسيرات تحمل متفجرات خفيفة الوزن ولا يمكنها أن تتسبب بأضرار جسيمة. وقد يتغير هذا الوضع إن أصبح بالإمكان نشر صواريخ كروز الغربية التي تحمل رؤوساً حربية قادرة على خرق التحصينات. قبل زيارة بلينكن ولامي، لم تهدأ ماكينة الدعاية التابعة لبوتين في كلامها عن الغرب و”حربه على روسيا”.

لكن هل كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتسمح بإطلاق صواريخ “ستورم شادو”Storm Shadow التي تنتمي إلى فئة صواريخ كروز على روسيا في حال وجود احتمال بأن يرد بوتين على ذلك بإطلاق أسلحة نووية؟

يقول المتفائلون إن الغرب قد تجاوز كثيراً من “خطوط بوتين الحمراء” المفترضة من دون أن يلجأ الكرملين للخيار النووي، فلا سبب إذاً يدفعنا للتفكير بأنه سيستخدمه الآن. لكن هذا التدخل من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو تطور يوازي بحجمه برأيي ضرورة أن ننتبه إلى وجود هكذا احتمال بالفعل.

في الوقت الحالي، يقع قرار اختيار أهداف صواريخ “ستورم شادو” وغيرها من الصواريخ الغربية عملياً في يد الغرب ويعتمد على مصادر استخباراته. لا شك في أن الأوكرانيين يسهمون في هذه العملية لكن الموافقة الأخيرة -تماماً كما أن نظام الأسلحة “ترايدنت” Trident البريطاني ليس “مستقلًا” بالكامل- يجب أن تصدر عن الغرب.

فما هي الخيارات المتاحة أمام بوتين إذاً؟ بهدف منع انتقال أسلحة غربية أكثر فاعلية إلى أيدي كييف، هل تضرب روسيا “الباحة الخلفية” لأوكرانيا – أي دول مثل بولندا ورومانيا اللتين تعتبران ممراً حيوياً لإمداداتها؟ لا يخفى على أحد طبعاً أن هاتين الدولتين من حلفاء الناتو وأي هجوم عليهما كفيل بتفعيل البند الخامس من اتفاقية الحلف وسيؤدي إلى نشوب حرب مع روسيا.

ربما يبتعد بوتين عن هذا الخيار ويميل إلى خيار “يسهل إنكاره” يتمثل في عملية تخريب للبنية التحتية في الغرب -أو دعم إيران ووكلائها لضرب الأصول الأميركية والبريطانية في الشرق الأوسط.

عند التفكير في رد الفعل المحتمل لقوة نووية إذا حُشرت في الزاوية، يستمد البعض راحة البال من خلال استعادة أحداث تاريخية سابقة، حين خسرت الولايات المتحدة الحرب في فيتنام وأفغانستان ولم تلجأ إلى أكثر الأسلحة فتكاً على الإطلاق. لكن تلك الحروب كانت في مكان بعيد من العالم، ضد أعداء لا يمثلون خطراً على سيادة أميركا على أراضيها.

علاوة على ذلك، عندما كان الجيش الأحمر يخسر في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي -في مواجهة متمردين إسلامويين يستخدمون صواريخ مضادة للطائرات أمدهم بها الغرب إلى الجنوب من جمهوريات آسيا الوسطى التابعة لموسكو- كانت الاضطرابات الشعبية في الدول الأوروبية، لا سيما في روسيا نفسها، وليس في الجمهوريات السوفياتية المسلمة التي تعد “الخاصرة الرخوة” للبلاد، هي التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. ربما لا تتمكن الضربات الأوكرانية على الأهداف الروسية العسكرية من إسقاط البلاد نفسها لكن لا شك في أنها قد تكون مدمرة لبوتين على الصعيد الشخصي بصورة خاصة.

ويروق للغرب أن يتخيل الرئيس الروسي وهو يُقاد مكبلاً إلى لاهاي كما حصل مع ميلوسيفيتش الصربي عام 2001. لكن الخطر الحقيقي لبقاء بوتين الشخصي والسياسي يأتي من جهة القوميين المتشددين الذين يعتبرونه ضعيفاً أكثر من اللازم وغير راغب في استخدام القدرات الروسية النووية والإستراتيجية الأخرى.

قد يكون هذا الرأي مجنوناً لكن من الصادم أنه منتشر بصورة واسعة في فضاء الإنترنت داخل روسيا – لا سيما على قنوات “تيليغرام” التي تناصر استخدام القوة العسكرية وبين محبي الشؤون الأمنية. لذلك فإن سقوط بوتين لن يهدئ الوضع بالضرورة.

خلال نهاية الأسبوع الماضي، حذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز من أن بوتين فكر سابقاً بخياراته النووية، عندما كان مسار الحرب سيئاً في السابق. وإن استعادت أوكرانيا مع اقتراب الشتاء قدرتها على تهديده بالهزيمة، باستخدام أسلحة غربية مطورة، قد يقرر بوتين أن يجتاز خطوطه الحمراء الخاصة – فتحل الكارثة على الجميع.

حتى ضربة نووية صغيرة قادرة على فتح أبواب فوضى عالمية جديدة.

مارك ألموند كاتب بريطاني ومُحاضر سابق في مادة التاريخ المعاصر في كلية أورييل في جامعة أكسفورد

© The Independent