تثير التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة لـ”حزب الله المخاوف من توسع الحرب الدائرة فيغزة لتشمل لبنان، في ظل الاشتعال التدرجي للعمليات العسكرية الدائرة بين الطرفين، التي تنذر باقتراب موعد الانفجار الكبير، بعد تجاوز “قواعد الاشتباك” التي كانت سائدة وتحول منطقة عمل قوات “اليونيفيل” في جنوب الليطاني إلى مسرح عمليات للمنظمات الفلسطينية التي تدور في الفلك الإيراني
ومنذ نحو الشهر ونصف الشهر يتجدد القصف بشكل يومي ويطال مختلف بلدات المنطقة الحدودية الممتدة على طول أكثر من 110 كيلومترات، بعمق يصل إلى 10 كيلومترات، ووفق إحصاءات لـ”الدولية للمعلومات”، فإن سكان 38 بلدة وقرية ممتدة على طول الحدود من شبعا شرقاً إلى الناقورة غرباً خلت من نحو 90 في المئة من سكانها، وبات نحو 40 ألف نازح من جنوب لبنان يتوزعون على عشرات المناطق، منها صور وصيدا والضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق جبل لبنان الجنوبي، بينهم نحو 10 آلاف يقيمون في مراكز إيواء، في حين انتقل من يمتلك منزلاً في بيروت إليه، كذلك من استطاع أن يستأجر منزلاً في بيروت وضواحيها.
منطقة عازلة
وتشير المعطيات إلى أن حدة المواجهات ستتزايد خلال الشهر المقبل في حال حسمت إسرائيل جبهتها الداخلية مع غزة، إذ كشف اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رؤساء بلديات المستوطنات الحدودية مع لبنان، عن رفض عودة السكان قبل إبعاد عناصر “حزب الله” إلى عمق الجنوب وتأمين منطقة عازلة بعمق 20 إلى 30 كيلومتراً، الأمر الذي يرفع من إمكانية المواجهة في جنوب لبنان.
وكشفت مصادر إعلامية في اسرائيل عن أن قادة الجيش الإسرائيلي أبلغوا نتنياهو بأن “لا مفر من توجيه ضربة شديدة لـ(حزب الله)، رداً على التصعيد الذي أقدم عليه أخيراً”، وأن هذه “الضربة يجب أن تكون موجعة، وفي ضاحية بيروت، حتى تكون رادعة”.
في حين تشير المعلومات إلى أن رسائل أميركية وأوروبية حاسمة وصلت إلى “حزب الله” عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكذلك إلى إيران عبر وسطاء دوليين، حول ضرورة تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يؤكد عدم وجود الحزب في مناطق جنوب نهر الليطاني أي بعمق يتراوح بين 18 و20 كيلومتراً عن الحدود الإسرائيلية.
قرار ملزم
ويذكر العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، المحامي بول مرقص، أن “القرار الدولي 1701 أتى بناءً على توافق محلي وإقليمي ودولي، وهو إن جُرد من مفاعيله عندها يسقط بالمعنى السياسي والميداني وليس بالمعنى القانوني، إذ إنه يبقى ملزماً ويُعتد به من قبل أي طرف يريد إنفاذ موجبات يتضمنها هذا القرار بوجه الطرف الآخر”.
ويتابع أن عند خرق القرار مراراً من قبل إسرائيل أو حتى من قبل أي طرف في لبنان فإنه بعد زوال الخرق أو حتى أثناء الخرق يبقى ملزماً ولا حاجة إلى استصدار قرار ثان بالمضمون عينه. ويؤكد أن أي فشل في هذا المجال لا يعود إلى القرار بمضمونه وآليته إنما بقدر كبير لعدم التزام الأطراف به، لا سيما إسرائيل وعدم إتمام مضمونه منذ صدوره خصوصاً لجهة انتشار الجيش اللبناني على نحو واسع وكامل إلى جانب القوات الدولية.
البنى التحتية
وبرأي مراقبين فإن توسع الحرب باتجاه لبنان لن تقتصر على المناطق الجنوبية فقط، إنما ستشمل معظم المناطق اللبنانية ولا سيما ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب الرئيس، كذلك محافظة البقاع، إضافة إلى مناطق في جبل لبنان والشمال قد يكون لـ”حزب الله” فيها وجود غير معلن من بنى تحتية أو قواعد عسكرية أو مخازن أسلحة.
كذلك تكشف التصريحات الإسرائيلية عن تحميل مسؤولية ما يقوم به الحزب للحكومة اللبنانية على رغم إقرار رئيسها أنه لا يمتلك قرار الحرب والسلم، ومن ثم قد يتم استهداف بنى تحتية لبنانية كما حصل خلال حرب يوليو (تموز) 2006 حين قدرت حينها الخسائر المباشرة بنحو 15 مليار دولار.
ثلاث حروب
وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وعودة الاستقرار إلى البلاد وقعت ثلاث مواجهات عسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل، إذ كانت الأولى في يوليو عام 1993، وذلك رداً على صواريخ أطلقت نحو المستوطنات الشمالية، أطلق عليها اسم “تصفية الحساب”، واستمرت سبعة أيام، وسقط ضحيتها 120 لبنانياً.
ووقعت الحرب الثانية التي أطلق عليها اسم “عناقيد الغضب”، في التاسع من أبريل (نيسان) 1996، رداً على قصف طال مستوطنات “نهاريا” و”كريات شمونة” واستمرت لمدة 18 يوماً انتهت بـ”تفاهم نيسان” الذي أرسى ما يطلق عليه اليوم “قواعد الاشتباك”.
أما الحرب الثالثة وهي الأعنف فبدأت في الـ12 من يوليو 2006، بعد هجوم قام به “حزب الله” على دورية للجيش الإسرائيلي واختطف جنديين، لتطلق إسرائيل حينها عملية عسكرية واسعة عرفت بـ”حرب تموز”، استمرت 34 يوماً وسقط فيها أكثر من 1300 لبناني.
القمة العربية الإسلامية
ويستبعد رئيس المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات المتخصص في الشؤون الحربية العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، أن تتوسع الاشتباكات بين “حزب الله” وإسرائيل إلى حرب مفتوحة بين الطرفين، متوقعاً استمرارها على الوتيرة نفسها لأشهر، مشيراً إلى أن “جنوب لبنان” لم يدعم غزة ولم يساندها، وأن طهران و”حزب الله” هما خارج حرب غزة بالنسبة إلى أميركا.
في المقابل اعتبر أن موقف إيران من القمة العربية الإسلامية غير واضح، إذ أشار بيانها الختامي إلى حل الدولتين، في حين رفضته على لسان رئيسها إبراهيم رئيسي خلال كلمته في القمة، حين قال إنه “غير مؤمن بحل الدولتين ولا بحدود عام 1967 ولا بانضواء الفصائل الفلسطينية تحت إمرة السلطة”.
وبرأيه، السبب الوحيد الذي يأخذ “حزب الله” إلى الحرب هو وصول إيران إلى حائط مسدود وسعيها إلى تحسين شروط مفاوضاتها الدولية، في حين أنه ليس من الواضح إذا ما كان هناك استراتيجية أميركية للتعامل مع الفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة والتابعة لإيران.
معادلة الطيران والصواريخ
ورأى المحلل العسكري والاستراتيجي العميد ناجي ملاعب أن احتمال توسع الحرب في لبنان هو رهن تطورات الأحداث في غزة، موضحاً أنه في حال سيطرت إسرائيل على غزة، من الممكن أن تذهب تل أبيب نحو توسيع رقعة الحرب إلى الجبهة الشمالية مستفيدة من دعم القوى الغربية لها، ولا سيما أن الحكومة اليمينية المتشددة في إسرائيل هي صاحبة القرار.
وبرأيه في حال اندلاع الحرب فإن السيناريو المحتمل هو أن تستخدم إسرائيل تفوقها الجوي في استهداف بنى تحتية تابعة لـ”حزب الله” في مختلف المناطق اللبنانية، مشيراً إلى أن الحزب يمتلك قدرات دفاع جوي باستطاعتها أن تعوق الطيران على المدى الأدنى ولكن ليس المديين المتوسط والأعلى، مما يعني أن الرد سيكون بما يمتلكه من قدرات صاروخية قد تفوق قدرة منظومة القبة الحديدية.
وأوضح أن هناك شرطين لفتح الجبهة الشمالية، الأول أن تكون إسرائيل قد ثبتت وجودها في غزة، والأمر الثاني أن يستخدم “حزب الله” قدرات صاروخية لديها قدرة تفجيرية كبيرة كصاروخ “البركان” أو حتى طويلة المدى التي من الممكن أن تطاول عمق إسرائيل.
وقال “صحيح أن التفوق الجوي قد يحدث تدميراً في البنية التحتية لـ(حزب الله)، إلا أن لبنان الرسمي لم يدخل في تلك الحرب”، لذلك وفق اعتقاده أن السيناريو المحتمل في حال اندلاع الحرب سيكون معادلة رشقات الصواريخ من الحزب مقابل سلاح الطيران من إسرائيل.
تداعيات اقتصادية
وقبل توسع رقعة الحرب، بدأ لبنان يشهد تداعياتها بشكل واضح على الاقتصاد، إذ جاء التوتر بعد صيف شهد حركة سياحية نشطة، بعد أربع سنوات من انهيار اقتصادي غير مسبوق، فاقمه تفشي وباء كورونا ثم انفجار مرفأ بيروت.
ويوضح نقيب أصحاب المطاعم والملاهي في لبنان طوني الرامي أنه بعد الاعتقاد أن صفحة السنوات الأربع قد طويت، جاءت هذه الحرب وعكرت كل شيء، لافتاً إلى أن قطاع الخدمات في لبنان كان يستعد لموسم جيد نسبياً مع التخطيط لتنظيم مؤتمرات ومعارض، فضلاً عن إجازات أعياد نهاية العام التي تشكل محطة رئيسة على المفكرة السياحية.
وكشف عن أن اللبنانيين يعيشون حالة قلق نتيجة ضبابية الموقف وإمكانية تدحرج الجبهة في الجنوب، ومن ثم لا يمكن للمغتربين والمقيمين التخطيط لإجازات، متوقعاً أن يلغي المغتربون إجازاتهم في لبنان.
كذلك انعكست التبعات على حركة الطيران، إذ خفض طيران الشرق الأوسط، عدد رحلاته إلى النصف، وقالت المتحدثة الإعلامية ريما مكاوي، إن الشركة سجلت انخفاضاً بنسبة 54 في المئة في عدد الركاب الوافدين جواً إلى بيروت من دول الشرق الأوسط، مقارنة مع العام الماضي.
وانخفض عدد المسافرين الوافدين من أوروبا بنسبة 30 في المئة، والوافدين من الخليج بنسبة 39 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.