تحظى انتخابات سنجار بأهمية خاصة لحساسية الوضع في القضاء.

تحظى انتخابات سنجار بأهمية خاصة لحساسية الوضع في القضاء.
تتطلّع القوى السياسية في إقليم كردستان العراق إلى الانتخابات المحلية، المزمع إجراؤها بعد ثلاثة أسابيع، في محافظة نينوى، لإحداث تغيير سياسي وإداري في قضاء سنجار التابع للمحافظة و”المتنازع عليه”.
معركة من أجل النفوذ في التعيينات
وتشهد الحملة الانتخابية في مختلف البلدات والأرياف ذات الأغلبية الكردية، شمال محافظة نينوى وغربها، نشاطاً سياسياً وانتخابياً حيوياً. وتتطلّع الأحزاب الكردية الرئيسية إلى الحصول على نسبة لا تقلّ عن ثلث مجموع مقاعد مجلس محافظة الموصل، أي 8 مقاعد من أصل 31 مقعداً مخصّصاً للمحافظة، للتمكّن في مرحلة ما بعد الانتخابات المشاركة في تعيين المحافظ والحكومة المحلية، واختيار المسؤولين المحليين في العديد من البلدات ذات الأغلبية الكردية، مثل آكري “عقرة” وسنجار وسهل نينوى وغيرها. هذه المناطق التي شهدت توترات أمنية وصراعات عسكرية طوال السنوات الماضية، وهي راهناً محل مزاحمة شديدة بين القوى السياسية المؤيّدة لفصائل الحشد الشعبي والأحزاب الكردية الرئيسية.
لانتخابات مجالس المحافظات أهمية استثنائية، فهي لم تجرِ منذ العام 2013، وبحسب الدستور العراقي، فإنّ مجالس المحافظات تتمتع بصلاحيات واسعة. فهي لا تخضع لسيطرة أي وزارة أو جهة حكومية مركزية وتحكمها، ولها صلاحيات إدارية ومالية واسعة، إذ تُعيّن المحافظ وتقيله، وتختار المسؤولين الإداريين والتنفيذيين، مثل قائمقامي البلدات والنواحي وغيرها، إلى جانب إقرار الخطط التنفيذية للمشاريع والخدمات التابعة لها.
أهمية انتخابات سنجار
وتأتي أهمية هذه الانتخابات بالنسبة إلى قضاء سنجار ضمن هذا السياق، فهو القضاء الأكبر في المحافظة، ويشغل موقعاً جغرافياً استثنائياً، في المثلث الحدودي العراقي – السوري – التركي، وشهد خلال العام 2014 إبادة جماعية بحق أبناء الطائفة اليزيدية/الكردية، تلتها حرب استمرت لسنوات، ومن ثم سيطرت عليه فصائل من الحشد الشعبي وأخرى مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، وبالتالي لم تسمح لإقليم كردستان والأحزاب الكردية بالحضور وممارسة الدور ضمن القضاء، ما كان محل رفض شديد من القوى الكردية الساعية منذ سنوات لتغيير هذا الواقع.
في أواخر العام 2020، وقّعت حكومة إقليم كردستان مع نظيرتها المركزية اتفاقية بشأن “إعادة تطبيع الأوضاع الإدارية والأمنية في قضاء سنجار”، يتمّ بحسبها إحالة الملف الأمني في القضاء إلى الجيش ووزارة الداخلية المركزية فحسب، وبالاعتماد على الكوادر المحلية، كما يتمّ تعيين المسؤولين المحليين في القضاء بالتوافق بين الحكومتين.
لم تُنفّذ بنود الاتفاقية عملياً، وهو ما تفسّره القوى الكردية بالنفوذ والهيمنة التي تمارسها فصائل الحشد الشعبي على الحكومة المركزية، وتمنعها من اتخاذ خطوات عملية في إطار تنفيذ الاتفاقية. لأجل ذلك، فإنّ القوى الكردية تتطلع إلى انتخابات مجالس المحافظات لإحداث تغيير إداري وسياسي محلي، حائز الشرعية الكاملة، يستطيع أن يواجه نفوذ القوى المسلّحة في القضاء، ويفتح المجال أمام القوى الكردية للمشاركة في إدارة القضاء.
تصويت “قومي”
وحسب مراقبين، فإنّ اللوائح المقدّمة من الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني لانتخابات المحافظة، يُتوقع أن تحصل على المقاعد الكردية. فالقاعدة الانتخابية الكردية في المحافظة لا تزال تصوّت بحسب “نَفَس قومي”، والكثير من بلدات المحافظة ومدنها مرتبطة بإقليم كردستان، سياسياً واقتصادياً. تنافسها قوائم لشخصيات وتيارات كردية مدعومة من فصائل الحشد، أو تلك المقرّبة من حزب العمال الكردستاني.
الباحثة اليزيدية منال فوزو شرحت في حديث إلى “النهار العربي” أبعاد ما قد يجري في مرحلة ما بعد الانتخابات، وقالت: “عملياً، فإنّ المحافظ (المستقيل) نجم الجبوري كان متفهماً لحقيقة نفوذ الأحزاب الكردية ضمن محافظة الموصل، بالذات الحزب الديموقراطي الكردستاني، ولا يُعيّن مسؤولاً أو يتخذ قراراً استراتيجياً على المستوى المحلي من دون التشاور مع الديموقراطي، أو غيره من الأحزاب الرئيسية المحافظة. لكن هل أدّى ذلك إلى حضور واضح وشفّاف ومرحّب به للقوى الكردية في المحافظة؟ من دون شك لا، فقوى الهيمنة لا تسمح للمحافظ المتمتع بالشرعية الكاملة بتنفيذ قراراته وتوجّهاته، وقادرة على إيجاد ضغوط عليه، وصولاً إلى اضطراره للاستقالة. هذا السيناريو غالباً ما سيُستعاد تفصيلاً في مرحلة ما بعد الانتخابات. فكل المؤشرات تقول إنّ ثلث المقاعد ستكون للحزبين الكرديين الرئيسيين، وتالياً لا يمكن تعيين المناصب الرئيسية في سنجار وباقي البلدات الكردية من دونهما، وهو ما سترفضه وتمنعه فصائل الحشد غالباً، وتالياً الدخول في مرحلة تصعيد صعبة، مثلما حدث عقب توقيع اتفاقية سنجار”.
تستفيد الأحزاب الكردية في هذه الانتخابات من أمرين مركبين، الزيادة الواضحة في أعداد المرشحين، فأكثر من 920 مرشحاً يتنافسون على 31 مقعداً في مجلس المحافظة، الأمر الذي قد يشتّت الأصوات غير الكردية في الانتخابات. الأمر الآخر يتعلق بالعزوف العام من الناخبين غير الأكراد. فالمؤشرات العامة الأكثر تفاؤلاً، لا تتوقع أن تزيد نسبة التصويت عن 50 في المئة، خصوصاً أنّ ثلث سكان المحافظة لا يزالون مهجّرين ونازحين، داخل العراق وخارجه.