لا تتعامل الكويت مع “الحزب” بوصفه مكوّناً لبنانيّاً بقدر ما هو ذراع إيرانيّة طويلة في المنطقة. وهذا ينطبق على ما هو استراتيجي وتفصيليّ.
هناك تاريخٌ حافلٌ بتدخّلات “الحزب” السلبيّة في شؤون الكويت منذ ثمانينيّات القرن الماضي، التي تركت آثاراً سلبيّة لا تُمحى، واستدعت انتهاج الحزم المطلق في التعامل معه.
ينطبق ذلك على القرار الأخير بإدراج جمعيّة “القرض الحسن” على القائمة السوداء وحظر التعامل معها.
ما لم يلتفت إليه كثيرون في القرار الأخير للسلطات الكويتية في 28 تمّوز الماضي هو أنّ إدراج “القرض الحسن” على القائمة التي تُصدرها “لجنة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت الفصل السابع” التابعة لوزارة الخارجية، ترافَقَ مع إدراج “الحزب” كـ”منظّمة” تحت رقم 127 على القائمة التي تضمّ حاليّاً 131 فرداً وكياناً.
اللافت أنّ الجناح العسكري لـ”الحزب” كان موجوداً في القائمة تحت رقم 55، مع قياديّين مثل محمد يزبك (رقم 30)، وإبراهيم أمين السيّد (رقم 35)، ونعيم قاسم (رقم 43) الذي استاءت الكويت ممّا ورد في خطاب له بتاريخ 12 أيّار الماضي من وصفٍ لمصطفى بدر الدين بـ”القائد الجهادي الكبير”، وهو الذي “اعتُقل في الكويت بين سنة 1983 و1990 لمدّة سبع سنوات”، وزعمه أنّه “كان يُخيف سجّانيه بدل أن يخيفوه”.
يعني الإدراج الجديد أنّ “الحزب” بات كياناً على القائمة السوداء الكويتية، وليس فقط الجناح العسكري، ويُحظر التعامل معه بشكل كامل.
ليست خطوة الكويت مُنفردة أو ردّة فعل، أو مرتبطة بقرار ما، وإنّما تأتي ضمن سلسلة إجراءات اتّخذتها السلطات الكويتية تراوح بين الاستراتيجي والتفصيلي.
لا تتعامل بوصفه مكوّناً لبنانيّاً بقدر ما هو ذراع إيرانيّة طويلة في المنطقة. وهذا ينطبق على ما هو استراتيجي وتفصيليّ
إيران خارج المعادلة
في الاستراتيجي، تموضعت الكويت في موقعها الطبيعي إلى جانب شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعوديّة، وجرى منذ سنوات إنجاز ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الثروات، وهناك عمليّات مشتركة قائمة، والتفاهم تامّ وكامل بين البلدين. بذلك، خرجت إيران من المعادلة التي كانت تحاول تثبيتها من بوّابة حقل الدرّة الذي يضمّ كميّات هائلة من الغاز وقليلة من النفط. ولم يعد أمامها سوى بعض المواقف الإعلامية والاستعراضية بين حين وآخر.
في الاستراتيجي أيضاً، لا يستبعد البعض أن يكون التصعيد العراقي الأخير في ما يتعلّق بأزمة اتّفاق تنظيم الملاحة في خور عبدالله بين الكويت والعراق، بإيعاز إيراني، بهدف خلط الأوراق وفتح باب للتفاوض. وفي هذا الملفّ أيضاً الموقف الكويتي حاسم ولا مجال فيه للأخذ والردّ.
انطلاقاً من ذلك وبناءً عليه، يمكن فهم الحزم الكويتي في التعامل مع “الحزب” ووضعه في سياقه الصحيح، وهو استراتيجي وليس عابراً، ويأتي استكمالاً لخطوات سبقته وأخرى قد تليه.
خطّ الإمام
في التفصيلي، أبدت السلطات الكويتية في السنوات القليلة الماضية تشدّداً في التعامل مع التيار السياسي الشيعي المتشدّد الموالي لإيران، والذي يُعرف كويتيّاً بـ”خطّ الإمام”.
في 2022 مُنعت التبرّعات الماليّة في الحسينيّات التابعة لهذا الخطّ، ثمّ في كلّ الحسينيّات.
في ذلك العام أيضاً بدأت محاكمة مجموعة من الكويتيين بتهمة تمويل “الحزب”، في القضيّة التي عُرفت بـ”قضيّة الصرّافين” وانتهت في مطلع 2025 بصدور أحكام نهائية من محكمة التمييز بحبس 13 شخصاً وتغريمهم مجتمعين مبلغ 27 مليون دينار (حوالي 87 مليون دولار).
في ذكرى عاشوراء الأخيرة قبل أسابيع، شهدت الكويت حدثاً غير مسبوق في تاريخها بإقامة الشعائر داخل المدارس وليس الحسينيّات، مع إجراءات تنظيمية متكاملة بإشراف وزارة الداخلية.
إلى ذلك صدرت قرارات تحوّلت لاحقاً إلى قانون يمنع رفع أيّ أعلام حزبية أو رايات دينية في المناسبات والفعّاليّات.
في ذكرى عاشوراء الأخيرة قبل أسابيع، شهدت الكويت حدثاً غير مسبوق في تاريخها بإقامة الشعائر داخل المدارس وليس الحسينيّات
“لَنْ” حاسمة
عكَسَ ذلك النهج الجديد في الكويت ومضمونه الأساس: الحرّية مكفولة للجميع لكنّ الميل نحو الحزبيّة ممنوع بشكل قاطع.
عبَّرَ عن هذا الواقع بوضوح النائب الأوّل لرئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد يوسف الصباح الذي زار بيروت في 14 تمّوز الماضي، وقال صراحة إنّ أمن الكويت “خطّ أحمر”، وإنّه لن يتمّ التسامح مع أيّ نشاط حزبي في الكويت، وإنّ إدراج “الحزب” على لوائح الإرهاب الكويتية والخليجية ما زال قائماً و”لن” يتغيّر.
توقّف مُراقبون عند أداة النصب “لَنْ” التي وردت في تصريحه، وتُستخدم عادة للدلالة على نفي وقوع الفعل في المستقبل، وهو ما يعني أنّ التعامل الكويتي – الخليجي مع “الحزب” سيستمرّ بالوتيرة الحازمة نفسها ما دامت الأسباب التي بُني عليها ما زالت قائمة.
يضاف إلى ذلك أنّ أحد الملفّات المهمّة التي نوقشت أثناء المحادثات الكويتية – اللبنانية، سواء في بيروت أثناء زيارة وزير الداخلية الكويتي، أو في الكويت أثناء زيارة الرئيس اللبناني جوزف عون في 11 أيّار الماضي، كان يتعلّق بسلوك “الحزبّ” وأنشطته خارج الحدود اللبنانية.
إقرأ أيضاً: الكويت: “كيد النّساء” يفضح “شبكة” دبلوماسيّة
أبدت الكويت تفهّماً كبيراً للموقف اللبناني، لكنّها في الوقت نفسه تنتظر، كباقي دول الخليج، أفعالاً ملموسة للبناء عليها.
يعود هذا التوجّس إلى الدلائل المُتراكمة لدى الكويت على وقوف “الحزب” مع نظام الأسد المخلوع وراء الكثير من شحنات السموم التي تمّ ضبطها في الأعوام الماضية، عدا عن الأدلّة الأخرى على الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي كُشف عن بعضها في قضيّة “خلية العبدلي” التي تعود إلى 2015 عندما ضُبطت مجموعة من 25 كويتيّاً وإيرانيّاً قاموا بتخزين كمّيات كبيرة من الأسلحة في مزرعة بمنطقة العبدلي القريبة من الحدود مع العراق، وانتهت في 2017 بصدور أحكام نهائية عليهم تراوحت بين السجن 15 عاماً والمؤبّد والإعدام.