توافق ظرفي
إسطنبول – حظيت مداولات القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، بالكثير من التكتم، في وقت أكدت فيه أوساط سياسية ليبية مطلعة أن قضية الهجرة وملف الحل السياسي في ليبيا كانا عنصرين هامشيين قياسا بما تمت مناقشته من قضايا ذات أبعاد اقتصادية وأمنية.
وقالت الأوساط السياسية الليبية إن القمة ناقشت الترتيبات التركية – الإيطالية المشتركة على النفوذ في غرب ليبيا، وضبط الآليات التي تمكّن من تجاوز الخلافات بين الطرفين بشأن تنفيذ اتفاقيات سبق لكل بلد توقيعها مع طرابلس وتهدد التقاطعات بينها لإشعال التوتر بين البلدين، مشيرة إلى أن وجود الدبيبة كان صوريا، وبدا حضوره بصفته شاهدا على ضبط الترتيبات بين أردوغان وميلوني وليس طرفا مرجعيا في تنفيذ التفاهمات.
وعملت الحكومات، التي حكمت طرابلس بعد ثورة 17 فبراير2011، على توقيع اتفاقيات وصفقات مع عدة دول بهدف استرضاء مختلف المتدخلين الأجانب في الملف الليبي، لكن التقديم العشوائي لتلك الصفقات جعلها ملغومة بشكل يمكنها أن تثير توترات بين أكثر من بلد مثلما حصل في السابق بين تركيا ومصر أو بين تركيا واليونان بشأن خرائط رسم الحدود، فيما يكمن التنافس التركي – الإيطالي على اتفاقيات تتعلق بإعادة الإعمار ومشاريع في مجال النفط والغاز فرضت على الطرفين إجراء تفاهمات لضبط ومنع التوتر بينهما.
وتشعر تركيا بأنها صاحبة الفضل على حكومة الدبيبة بسبب تدخلها الناجح لمنع قائد الجيش الوطني الليبي من السيطرة على طرابلس وضمها لحكمه في بنغازي، ولأجل ذلك تعتقد أن لها الأولوية في أيّ ترتيبات اقتصادية أو أمنية أو سياسية، وهو ما يجعل الدبيبة يعمل على استرضائها باستمرار رغم الشكوك في مدى استعداد أنقرة لحماية حكومته وبقائه في الحكم بسبب انفتاحها الواسع على حكومة شرق ليبيا وقائد الجيش وأبنائه والحظوة التي باتوا يحصلون عليها بشكل علني لدى نظام الرئيس أردوغان.
في المقابل تعمل إيطاليا ما في وسعها للحفاظ على نفوذها التاريخي في مستعمرتها السابقة، وتتدخل باستمرار تحت مظلات متعددة وعلى رأسها موضوع الهجرة للبقاء في الواجهة وتأمين مصالح شركاتها في الحصول على جزء من الاستثمارات الكبرى المخصصة لإعادة الإعمار والاستثمارات النفطية في خضم التنافس مع تركيا والولايات المتحدة بالدرجة الأولى ومع بعض الدول الإقليمية مثل تونس أو مصر.
ونجحت رئيسة الحكومة الإيطالية في يناير 2023 في الحصول على صفقة غاز بقيمة ثمانية مليارات دولار خلال زيارتها إلى طرابلس واجتماعها مع الدبيبة، وطرحت هذه الصفقة مخاوف من توترات مع أنقرة. لكن الالتقاء الظرفي بين الطرفين خفّف من ظهور التوترات، وكلاهما يعمل على استثمار مناخ الصراع الأمني والإستراتيجي على مناطق النفوذ في المنطقة لتثبيت وجوده.
◙ القمة ناقشت ترتيبات تركية – إيطالية على النفوذ في غرب ليبيا، وضبط آليات لتجاوز الخلافات بينهما
وقالت ميلوني خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الدبيبة آنذاك إن “إيطاليا مدعوة للقيام بدورها، وخاصة مع ملامح وحدة أكثر لدى المجتمع الدولي بما يخص الملف الليبي من أجل تفادي خطر عمل بعض التأثيرات الخارجية على زعزعة الوضع بدل تشجيعه،” معتبرة أن ليبيا بالنسبة إلى الإيطاليين “شريك اقتصادي إستراتيجي بشكل مطلق.”
ويضع الإيطاليون والأتراك أنفسهم في صف الولايات المتحدة التي تريد بسط نفوذها الأمني والدفاعي في شمال أفريقيا وقطع الطريق على النفوذ الروسي المتزايد في جنوب وشرق ليبيا ودول الساحل والصحراء. لكن تركيا تضع ساقا مع الأميركيين وأخرى مع الروس ليس فقط في شرق ليبيا، ولكن من خلال تحالف آخذ في الاتساع في منطقة الساحل.
وعكس البيان التركي الذي تلا القمة الثلاثية حالة من الغموض بشأن مداولاتها بالتركيز على مسألة الهجرة غير الشرعية بالرغم من أن تركيا ليست طرفا مباشرا في هذا الملف، ما يظهر أنه مجرد واجهة كلامية للتغطية على حقيقة الملفات التي تم تدارسها.
وقالت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية في بيان، الجمعة، بعد الاجتماع الثلاثي، إن الرئيس أردوغان أكد أهمية التعاون بين تركيا وليبيا وإيطاليا لمواجهة التحديات في حوض المتوسط بما في ذلك الهجرة غير النظامية.
وأشار إلى الحاجة إلى حلول مستدامة وطويلة الأمد لتجفيف مصادر الهجرة غير النظامية، وضرورة التنسيق متعدد الأطراف في هذا الصدد. وأردف البيان أن الزعماء قرروا عقد اجتماع عقب انعقاد لجان التعاون بين البلدان الثلاثة، من أجل تقييم القرارات المتخذة من دون الإعلان عن نوعية هذه القرارات.
وتحاول حكومة الدبيبة، التي تُقابل بانتقادات داخلية كبيرة، تثبيت بقائها في السلطة من خلال عقد صفقات مع تركيا وإيطاليا ودفعهما إلى الدفاع عن بقائها لتأمين مصالحهما. وزاد منسوب التنسيق الأمني بين أنقرة وروما. وقالت وكالة نوفا الإيطالية إن القمة قد عقدت في ظل تزايد التنسيق الأمني بين الطرفين.
وأضافت أنه في الأيام الأخيرة، نفذت طائرات أكينجي المسيّرة – وهي طائرات مسيّرة من أحدث جيل، من إنتاج شركة بايكار التركية التي عززت مكانتها مؤخرًا باستحواذها على شركة بياجيو إيروسبيس الإيطالية – غارات مستهدفة ضد شبكات تهريب المهاجرين في مدينة صبراتة الساحلية.
وقالت الوكالة إن ليبيا تظل البلد الرئيسي لموجة المهاجرين، حيث أبحر 32690 شخصًا حتى 31 يوليو، بزيادة قدرها 67 في المائة مقارنة بـ 19580 في نفس الفترة من عام 2024. في المقابل، انخفضت نسبة المغادرين من تونس بشكل حاد، من 12052 شخصا إلى 2393، بانخفاض قدره 80.1 في المئة.