من عجائب القدر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يراسل المرشد الايراني علي خامنئي والأخير لم يرد على رسالة ترامب شخصياً ويحول الموضوع إلى مجلس الأمن القومي والحكومة، ويكلف الرئيس مسعود بزشكيان الرد الرسمي على رسالة نظيره الأميركي، ثم يقوم المرشد قبيل الجولة الثانية للمحادثات غير المباشرة بين إيران وأميركا في روما بإرسال رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
عراقجي يسلم رسالة المرشد إلى بوتين
سلم وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي رسالة المرشد إلى بوتين. وبعد اللقاء مع الأخير أشاد بدور روسيا في المفاوضات النووية التي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015، وأكد أن العلاقات مع روسيا لم تكن قط بهذا القرب والدفء، وقال إنه سُرَّ لأن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف طمأنه بدعم روسيا للمفاوضات.
سردية عراقجي عن دور الروس في الاتفاق النووي تتعارض تماماً مع سردية سلفه محمد جواد ظريف، الذي وصف الروس بأنهم قد عرقلوا ولم يسهلوا مسار المفاوضات.
رسالة خامنئي التي سلّمها عراقجي إلى بوتين كانت أكثر من مجرد رسالة إلى روسيا. فهذه رسالة إلى العالم تفيد بأن إيران اختارت الاستقواء بالروس، وأنها رغم غياب الروس عن المفاوضات الجديدة، تريد استحضار ظل الروس.
وفي السياق نفسه يقول الدبلوماسي الإيراني السابق قاسم محب علي إن من المحتمل أن يتضمن نص الرسالة توقعات إيران من روسيا، وقد يشير أيضاً إلى أهداف إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة، مضيفاً أن روسيا لا تريد أن يتم اتفاق بين إيران وأميركا قبل التفاهم مع الغرب في شأن أوكرانيا. وعليه لا ينبغي لإيران أن تعتمد بشكل مفرط على الدعم اللفظي لروسيا. ففي العراق ويوغوسلافيا وسوريا، رأينا كيف أن الاعتماد المفرط لهذه الدول على روسيا جلب عليها كوارث.
ما هو مقترح ايران؟
حسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن” من مصادر دبلوماسية ايرانية، فإن الفريق الإيراني قدم مقترحاً مبدئياً لإتفاق محتمل مع الولايات المتحدة يتكون من ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ستخفض إيران مؤقتاً التخصيب إلى أقل من 4٪ وفقاً للبرنامج المتفق عليه، وفي المقابل ستفرج الولايات المتحدة عن الأصول الإيرانية المجمدة وتسمح للزبائن بشراء النفط الإيراني.
المرحلة الثانية: سيتم وقف التخصيب بنسب عالية نهائياً، وتعود عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى وضعها الطبيعي. مقابل ذلك، ستلغي الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات وتحول دون تفعيل “آلية الزناد” من قِبَل أوروبا.
المرحلة الثالثة: يجب على إيران نقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى دولة موثوق بها وحليفة، مقابل أن تلغي الولايات المتحدة جميع العقوبات وتصادق على الاتفاقية مع إيران في الكونغرس ومجلس الشيوخ.
ترامب ليس مع الصقور
بالرغم من أن هناك صقوراً في البيت الأبيض وعلى رأسهم “مايك والتز” مستشار الأمن القومي وماركو روبيو وزير الخارجية الأميركية، طالبت بتحرك عسكري ضد القدرات النووية الإيرانية، يرى ترامب أن إيران قريبة جداً من انتاج السلاح النووي، ويعتقد بأن حصول إيران على السلاح النووي يشكل تهديداً كبيراً للعالم. وبناءً عليه وقف ترامب بجانب الحمائم في إدارته وهم جي دي فانس نائب الرئيس، وستيف ويتكوف مندوب الرئيس، وبيت هيغسيث وزير الدفاع. هؤلاء يفضلون النهج الدبلوماسي في التعامل مع إيران، وهذا النهج يتكون من ثلاثي التفاوض وتقديم امتيازات ورفض فكرة قصف المنشآت النووية الايرانية.
عقدة الضمانات
حتى اللحظة يبدو أن كلاً من إيران وإدارة ترامب يعيشان أزمة عدم الثقة ببعضهما البعض، ورغم التفاؤل الذي أبداه الطرفان فإنه يحق لإيران ألا تثق بالرئيس ترامب المعروف بخروجه عن الاتفاقات والتحالفات والمعاهدات، ومنها الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في ولايته الأولى عام 2018. كما أن رفع إيران مستوى التخصيب من 3.67 إلى 60 في المئة أثار الخوف والقلق وعدم الثقة لدى المجتمع الدولي.
انتهى الاجتماع الأول لللجولة الثانية من المحادثات في العاصمة الإيطالية روما أمس، على أن تستمر لأيام. يبدو أن جميع الطرق فعلاً تؤدي إلى روما وفق تصريح الوزير الإيراني السابق واستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران عباس أخوندي، الذي قال بعد انتهاء الاجتماع الأول بين عراقجي وويتكوف في روما: “حتى هذه اللحظة، أنا مقتنع بأن لحظة التسوية بين إيران وأميركا قد حانت. المفاوضات تسير بسرعة تفوق بكثير ما يتصوره الجميع، وسنشهد أحداثاً لم نكن نتوقعها”. وختم أخوندي بالقول: “على طهران أن تتخذ قرارات مصيرية في أقصر وقت ممكن”.