حجازي: العدالة الانتقالية ليست خياراً، بل ضرورة أخلاقية وتاريخية. لكن، للأسف، بعد سقوط نظام الأسد، هناك سلسلة من الأحداث التي وقعت في سوريا
يبرز ملف العدالة الانتقالية كأحد أكثر الملفات أهمية بالنسبة للسوريين بعد سقوط النظام المخلوع في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وما خلفته سنوات الصراع الماضية من ارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة وثقتها آلاف الفيديوهات والصور والتقارير المحلية والدولية، لتظهر الحاجة خلال الفترة الحالية والمقبلة إلى معالجة الإرث الثقيل من الانتهاكات والعمل على ترسيخ مبدأ العدالة والسلم الأهلي.
ويرتبط مفهوم العدالة الانتقالية بالكثير من العوامل المتغيرة والتي تختلف من دولة إلى أخرى وهو ما ظهر واضحاً في التجارب السابقة للعديد من دول العالم لكن في الوقت نفسه تحتاج العدالة إلى مقومات وعناصر رئيسية لتحقيق النسبة الأكبر منها ولعل الحالة السورية تبدو مختلفة عن حالات مماثلة وقعت بأماكن مختلفة في العقود الماضية.
ومنذ عام 2011، عملت العديد من الجهات والأطراف داخل سوريا وخارجها على وضع تصورات حول العدالة الانتقالية في البلاد سواء ضمن نموذج يتضمن بقاء النظام أو بعد سقوطه، الأمر الذي أنتج أسس وتحضيرات جاهزة تعددت فيها الطروحات والآراء حول الشكل الأنسب للعدالة الانتقالية وهو ما سيساعد بالتأكيد على اختصار مدة تنفيذ هذه العدالة على عكس التجارب السابقة التي حدثت ببلدان أخرى.
في حوار خاص مع العدد الثامن من صحيفة “963+” تحدث الناشط في حقوق الإنسان والمقيم في باريس، ثائر حجازي عن مدى إمكانية تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا خلال الفترة المقبلة والمعوقات التي تقف ضدها، مع الإجابة عن عدة تساؤلات بينها اختلاف النموذج السوري فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية عن نماذج أخرى حول العالم.
في ما يأتي الحوار كاملاً.
هل يمكن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا خلال الفترة المقبلة؟
في الحقيقة، العدالة الانتقالية ليست خياراً، بل ضرورة أخلاقية وتاريخية. لكن، للأسف، بعد سقوط نظام الأسد، هناك سلسلة من الأحداث التي وقعت في سوريا… ما نراه هو غياب تام للمحاسبة. ومرحلة العدالة الانتقالية التي ينتظرها كل السوريين هي محاسبة كل من تورط بسفك دماء الأبرياء من أي طرف أو مكون، ومحاسبة من ارتكب الانتهاكات بعد سقوط نظام الأسد، وأن تطال العدالة كافة المتورطين في السنوات الماضية.
اقرأ أيضاً: منظمات سورية تندّد بمنع عقد مؤتمر حول العدالة الانتقالية – 963+
هل يغلب التعايش الأهلي والمجتمعي في سوريا على لغة الانتقام؟
السوريون يرغبون في السير بطريق السلام والعيش بحياة كريمة بعيداً عن الانتقام، لكن هذا لا يعني نسيان ما حصل من انتهاكات وجرائم. فالتعايش لا يُبنى على النسيان، بل على عدالة انتقالية حقيقية، وضروري عدم ترك مرتكبي الجرائم من دون محاسبة، فذلك سيؤدي بالتأكيد إلى حالة من الاحتقان والغضب الشديدين. العدالة في سوريا هي التي ستحصن المجتمع وتبني التعايش المجتمعي الحقيقي.
ما مدى فعالية الأرقام والإحصائيات التي قدمتها منظمات حقوقية حول مرتكبي الانتهاكات ودورها في تحقيق العدالة؟
بالنسبة لي كشخص عمل منذ سنوات في توثيق الانتهاكات بسوريا. تعتبر كافة هذه التوثيقات إنجازاً كبيراً وهو ما أكدت عليه منظمات دولية حقوقية التي عملت أيضاً على تجميع مئات آلاف الوثائق التي تدين مرتكبي الجرائم في سوريا، حقيقة هذه التوثيقات هي أدلة هامة ضد الجناة لكن غياب أي إرادة حقيقية في محاسبة منفذي الجرائم سيصعب الأمر بالتالي ستكون هذه الأرقام والإحصائيات والوثائق التي أراها بالغة الأهمية عبارة عن أرشيف لن يكون له أي مفاعيل للمحاسبة.
هل يمكن استرداد المتهمين بارتكاب جرائم حرب والمتواجدين خارج سوريا بينهم بشار الأسد وكبار المسؤولين بالنظام المخلوع في إطار تحقيق العدالة الانتقالية؟
نظرياً وقانونياً ممكن لكن سياسياً الأمر يعتبر معقداً، وكل ذلك يتطلب إرادة محلية ودولية غير خاضعة لمنطق المصالح وهذا الشيء الذي يخشاه الكثيرين، حيث خضع العديد من الضباط في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق إلى محاكمات في أوروبا وهو ما اعتبره خطوة مهمة لكنها ليست كافية حيث من الضروري أن يكون هناك تحرك دولي جيد واستراتيجية تُبنى على المدى الطويل لملاحقة كافة المجرمين بينهم المسؤولين رفيعي المستوى في النظام المخلوع.
اقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية والإصلاحات السياسية.. مطالب السوريين في جلسات الحوار الوطني – 963+
هل سوريا بحاجة إلى قوانين ومحاكم جديدة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟
النظام القضائي السوري أقيم على أساس حماية النظام السابق وليس لحماية الشعب السوري، بالتأكيد النظام القضائي لم يكن مؤهلاً لا قانونياً ولا أخلاقياً ليقود مسار العدالة. نحن بحاجة في الوقت الحالي إلى قضاء مستقل وقوانين تحترم حقوق الإنسان كما نحتاج لمحاكم خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومسار واضح للعدالة الانتقالية بمشاركة الضحايا والشهود لضمان حقوقهم واستردادها، وبدون إصلاح لهذه المنظومة ستبقى المحاسبة والعدالة مجرد حلم بالنسبة للسوريين.
ما هي أكبر المعوقات التي تقف في وجه تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا؟
أهم المعوقات في تحقيق العدالة الانتقالية هي غياب الإرادة السياسية محلياً أو دولياً وممكن أن يكون هناك “تمييع” للعدالة الانتقالية وتوجيهها باتجاه واحد وهو أمر غير مرغوب، فالمحاسبة يجب أن تطال الجميع مع ضرورة إصلاح المؤسسات الوطنية ذات الصلة كأحد النقاط الرئيسية لتحقيق العدالة، يضاف إلى ذلك الخوف من ثقافة الإفلات من العقاب والتضليل الإعلامي، حيث أن العدالة في سوريا ليست أمراً مستحيلاً إلا أنها تحتاج إلى “نفس ومسار طويل” وهو ما برز في تجارب دول أخرى حول العالم.
نشرت هذه المادة في العدد الثامن من صحيفة “963+” الأسبوعية والصادرة يوم الجمعة 25 نيسان /إبريل 2025.
لتحميل كامل العدد الرابع من الصحيفة النقر هنا: الصحيفة – 963+