ملخص
مشروع “القبة الذهبية” الذي يروج له ترمب يعكس هوسه بالمظاهر ويعيد إحياء أوهام دفاعية باهظة وغير مدروسة، قد تزعزع توازن الردع النووي العالمي وتزيد من خطورة العالم، بدلاً من أن تحقق السلام الذي يتغنى به.
تحت وجه رونالد ريغان المبتسم في اللوحة المعلقة داخل المكتب البيضاوي، أعلن الرئيس دونالد ج. ترمب أن حلم “حرب النجوم” الذي كان يراود سلفه ببناء نظام دفاع صاروخي شامل لحماية الولايات المتحدة سيبصر النور.
يطلق ترمب على المشروع اسم “القبة الذهبية”- وهو مشروع ترمبي إلى أبعد الحدود. وهذا ليس شيئاً جيداً.
أولاً، لا بد من أن يكون المشروع “ذهبياً”. لدى ترمب هوس أشبه بولع لويس الـ14 الفرنسي بالذهب. اكتسى مكتبه اللون الذهبي حرفياً وبوتيرة منتظمة بفضل إضافة التماثيل الصغيرة المبهرجة التي نبشت من أقبية البيت الأبيض وجاءت لتكمل التفاصيل المذهبة المفرطة في الزخارف الجصية والستائر. حتى جهاز التحكم بالتلفاز من بعد أصبح مكسواً باللون الذهبي.
وفيما استفاد الإسرائيليون كثيراً من منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية الصاروخية التي زودها بهم الأميركيون – والتي صدت فعلياً الهجمات الإيرانية – فإن ما لدى أميركا نفسها لا يمكن تشبيهه بمعدن أساس [أي مجرد حديد وليس معدناً ثميناً كالذهب]. فالرسومات المبهرجة التي استخدمها البيت الأبيض في التعريف عن المنظومة تبدو أقرب إلى إعلان لعملة مشفرة أخرى يطلقها ترمب.
ما مدى قوة منظومة “القبة الحديدية”؟
وثانياً، تعد القبة الذهبية مشروعاً طموحاً بصورة مبالغ بها، كما هو المعتاد من ترمب. مثل جدار ترمب سيئ السمعة، غير المنجز، وغير النافع على الحدود مع المكسيك، فإن قبته الذهبية التي يفترض أنها “رؤيوية” مليئة في الواقع بالعيوب وكلفها باهظة. لا سبب يدعو إلى تكبير منظومة القبة الحديدية الصغيرة نسبياً، والمصممة للتصدي لصواريخ المديين القريب والمتوسط، إلى الحد المطلوب لمواجهة هجوم متواصل من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو الصواريخ التي تطلق من الفضاء الخارجي.
وحتى لو صنعت بنجاح، فربما لن تكون فعالة 100 في المئة، كما هي الحال مع القبة الحديدية في إسرائيل-ولن ترغبوا بأن تكونوا في وضع يحتم عليكم اكتشاف فاعليتها. فبحلول ذلك الوقت، ستكونون قد أنفقتم مبلغاً أكبر بكثير من تقديرات ترمب المتفائلة، أي 175 مليار دولار، في سبيل أن تكتشفوا ذلك. ربما عليه أن يسأل صديقه إيلون ماسك، الذي لوحظ غيابه الغريب عن الساحة، إن كانت القبة الذهبية توظيفاً جيداً لأموال دافعي الضرائب الأميركيين.
وهنا نصل إلى المشكلة الثانية، وهي إحدى مشكلات ترمب النموذجية: إن المشروع غير مدروس جيداً.
عندما طرح ريغان مقترح مبادرة الدفاع الإستراتيجي Strategic Defence Initiative (SDI) عام 1983، كان من الواضح أنه يفكر بالروس. لكن ترمب الآن يريد أن يصادقهم ويكون شريكاً مع بوتين، وربما حتى الرئيسين شي وكيم وغيرهما في تحالف دولي للرجال الأقوياء. إن كان هدف القبة الذهبية حماية أميركا، فممَّن ستحميها؟ من المنطقي أن يكون الجواب من أعداء غير معروفين وغير متوقعين حتى الآن، لكن ليس إن كان ترمب يريد مصادقتهم جميعاً.
ولو فشلت هذه الصداقات، قد تكون القبة الذهبية مفيدة، لكن لا شيء يمنع الصينيين في المبدأ من تطوير قبتهم الخاصة – فهم يمتلكون المال وربما التكنولوجيا حتى – وتصديرها إلى حلفائهم في موسكو وبيونغ يانغ وغيرها من الأماكن. ولا أحد يعرف انعكاس ذلك على التوازن الإستراتيجي العالمي في مجال السلاح.
وكما تثبت لنا القبة الحديدة كذلك، فإن الابتكار العسكري يمكن أن يؤدي إلى تبعات غير مقصودة. فبفضل كفاءتها العالية، أسهمت القبة الحديدية في كبح العدوان الإيراني ورعاية طهران الحوثيين وغيرها من الجماعات الإرهابية، وهو أمر إيجابي. لكنها، في المقابل، حررت إسرائيل من أية قيود في شن حروبها.
إذ قضت على تأثير الردع في السياسة الإسرائيلية بسبب المخزون الصاروخي الذي تمتلكه إيران وحلفاؤها، مثل “حزب الله”، وقد انفلت الوضع تماماً. قد تكون إسرائيل أكثر أمناً من أحد الجوانب بفضل القبة الحديدية، لكن زعزعة المنطقة نتيجة لذلك لم تسهم في أمنها على المدى البعيد. ربما يجعل ذلك إيران أكثر عزماً حتى على الحصول على سلاح نووي- إضافة إلى قبة خاصة بها.
مع تطوير القبة الذهبية، كما حدث مع مبادرة الدفاع الأستراتيجي التي طرحها ريغان قبل ذلك، سيظهر قانون العواقب غير المقصودة بطرق مخيفة. فإذا زالت مفاهيم الردع و”التدمير المتبادل المؤكد” إلى غير رجعة، لا يمكن التنبؤ بما يحدث بعدها. باستثناء ربما أن الصين وروسيا لن تجلسا من دون تحريك أي ساكن، بل ستسعيان إلى إيجاد طرق لاستعادة توازن القوى.
قد لا يؤدي هذا المشروع، كما تخيل ريغان في السابق وربما يعتقد ترمب اليوم، إلى نزع شامل للسلاح النووي. ففي ثمانينيات القرن الماضي، رأت روسيا أن “مبادرة الدفاع الإستراتيجي” استفزاز مباشر، مما زاد من حدة الحرب الباردة. وقد استغرق الأمر أعواماً – ساعدت فيها الصعوبات التقنية في تنفيذ المشروع – حتى أعيد فتح باب المحادثات في شأن ضبط التسلح بين ريغان وميخائيل غورباتشوف، وتوج ذلك باتفاق الأسلحة النووية المتوسطة عام 1987.
على سبيل التفاؤل، قد تكون نهاية مشروع ترمب لإنشاء القبة الذهبية، نهاية سعيدة. إن كان السلام هو الهدف، فلا يمكن اعتباره مسعى غير نبيل- بل مستقبل ذهبي. لكن إن أخذنا في الاعتبار تذبذب الرئيس وكلفة البرنامج، نجد أنه من شأن القبة الذهبية أيضاً أن تزيد خطورة عالمنا المضطرب. وسيكون من اللطيف أن نصدق أن “العبقري المستقر”، كما يصف نفسه، قد فكر فعلاً في كل هذه التداعيات.