–
لا يهتم حسين الشرع، والد الرئيس السوري أحمد الشرع، بأي دور سياسي أو اجتماعي له ضمن تركيبة الحكم التي يديرها ابنه “الشيخ أحمد”، كما يحبّ أن يسميه، ولا يقبل أي وساطة تُطلب منه للتدخّل مع أركان الحكم، ويردّد إننا “نريد دولة المواطنة والقانون”. ولا يتردّد الشرع، وهو في الـ79 من العمر، عن التعبير عن آرائه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي قد لا تتفق مع ما تتبنّاه حكومة نجله. ما يشغل باله إصدار الكتب وكتابة المقالات، ولا سيما في الاقتصاد، واقتصاد النفط تحديداً، والذي قضى معظم عمره وهو يعمل فيه. … غالباً ما يرتدي طقماً كلاسيكياً مع كرافتة، ويحمل عكازة أنيقة، ولا يخرج من منزله من دون حلاقة ذقنه…. متدفّق الكلام، قومي عربي بكل جوارحه.
مؤلفات الدكتور حسين الشرع نحو 20 كتاباً، 11 منها في الاقتصاد والنفط، وبعضها يتناول سيرته بشكل غير مباشر، مثل “الشقة 43” و”الرؤوس الحامية”، وهو الكتاب الذي يصفه بأنه “رواية سياسية واقتصادية واجتماعية”، وصدر في 2020، وهو مصدرٌ أساسيٌّ لصاحب هذه المقالة في كتابتها، فضلاً عن عدة حوارات بينه وبين الشرع في دمشق.
خصّص حسين الشرع كتباً كثيرة لبلده سورية، فبدأ عام 1975 بنشر كتابه “تخطيط الصناعات البتروكيميائية في سوريا”، ثم أتبعه بكتاب مهم “الاقتصاد السوري: مكامن القوة ونقاط الضعف” الصادر عن دار الأهالي (لصاحبها حسين العودات) عام 1998، وقد منع من النشر ثم أجيز، وأتبع ذلك بكتابي “القيامة السورية في كيفية إعادة إعمار سوريا” و”العبودية التاريخية ومنهجية الاستعباد في حكم سوريا” الصادرين في 2023. وانتهى أخيراً من تدوين كتابه الجديد “11 يوماً هزّت العالم”، وهو في طور النشر، ويتحدث عن انتصار الثورة السورية الذي تحقق “بدخولها دمشق عند السادسة من صباح الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024”. وقد خصّني الرجل بالاطّلاع على مخطوطة الكتاب، واستأذنتُه بنشر تعريفٍ مختصر له.
يؤكّد المؤلف أنه لم يطلع مسبقا بأي شكل على خطة الهجوم لعملية ردع العدوان، والتي يصفها بأنها “سورية بامتياز وفوجئ بها القريب والبعيد”، ولكنه يعرف أنه كانت هناك مواعيد افتراضية لتنفيذ العملية قبل الموعد الذي انطلقت فيه، فمثلاً حُدّد التحرّك في أغسطس/ آب عام 2023، ولكن اختراقاً له جرى، وقصفت قوات بشّار الأسد إدلب وريفها، ثم حدّد موعد ثان هو نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ولكنه تأجّل أيضاً. ويرى أن سبب اختيار الموعد الأخير هو “الأوضاع الإقليمية الجديدة في غزّة ولبنان، ومقتل معظم قيادات حزب الله من الصفين الأول والثاني، واغتيال عدد كبير من القيادات الإيرانية في سورية وقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وحدوث شرخ بين نظام الأسد وإيران وحزب الله، والعلاقة المهتزّة بين نظام الأسد والروس، وعدم استجابة بشار للمطالب الروسية بالحوار مع أردوغان”.
يذكر المؤلف أنه جرى تحديد ساعة الصفر في الساعة الرابعة من فجر 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، واجتاحت القوات ريفي حلب الغربي وإدلب الجنوبي، ووصلت الى حلب التي كان فيها حوالي 30 ألفا من قوات الأسد، بالإضافة إلى قوات رديفة. “بدأ الهجوم على نقطة القيادة والسيطرة في مضيق جبل كحيل بثلاثة انغماسيين، ففقدت قوات الأسد القيادة والتوجيه والسيطرة فتاهت وهربت”. جرى تحرير ريفي إدلب الجنوبي والغربي والوصول إلى ريف حماة، حيث “اصطدمت قوات ردع العدوان بمقاومة في جبل زين العابدين قبل حماة، فتدخّلت طائرات شاهين والعصائب الحمراء”. “دخلوا حماة وكانت قد سبقتهم قوات نحو حمص، وتم تحرير الرستن وتلبيسة ودير بعلبة وطوّقوا حمص من كل الجهات، وانسحبت قوات الأسد تاركة الأسلحة والدبابات، ثم أسرعت القوات نحو دمشق”. يحلّل حسين الشرع أسباب انتصار الثوار بأنهم سلكوا الطريق الصعب، المتمثل بالصبر الجميل، حيث بنوا تحالفا لمجموعة فصائل في نظام تدريب مشترك وتحت قيادة واحدة، وأسّسوا كلية حربية، واعتمدوا على أنفسهم بصناعة الأسلحة، ومنها طائرات شاهين المسيّرة، كما جهّزوا قوات قتالية عالية التدريب والكفاءة، مثل قوات المغاوير والعصائب الحمراء.
نتيجة اعتراض حسين الشرع على صفقات فساد بيع النفط، أُنهي عمله في رئاسة الوزراء
… تقدّم رواية “الرؤوس الحامية” سيرة حسين الشرع تحت اسم “أمجد المظفر”. ولافت أن الرئيس أحمد الشرع استخدم هذا الاسم له في فترته الجهادية. … ولد عام 1943، ولكنه سجل في دائرة النفوس من مواليد 1946 وكانت عائلته من ملاك المواشي والأراضي، وهي تملك ما نسبته 80% من أراضي قرية الزاوية في بلدة فيق من الجولان السوري المحتل.
تنتسب عائلته، كما يرد في الكتاب، إلى الأشراف، أي أنها من سلالة النبي محمد عليه السلام، وقد شاركت في الثورة العربية مع الشريف حسين وضد الانتداب الفرنسي، فنفت السلطات الفرنسية أفرادها إلى الأردن عدّة سنوات. للشرع كتاب عن ثورة منطقته هذه تحت عنوان “ثورة الزويّة السورية المنسية 1920-1927”. … تظاهر الطالب حسين الشرع ضد حكم الانفصال، فسجن في القنيطرة أسبوعاً، ثم نشط ضد سلطة الثامن من آذار/ مارس البعثية، بسبب “تكريسها الانفصال وعدم إعادتها الوحدة”، وجرى اعتقاله مع رفاق له في ثكنة عسكرية في مدينة فيق، تمهيدا لنقله إلى سجن المزّة، ولكنّ تدخّل وجهاء القرية أطلق سراحه. حاول البعثيون، عن طريق الرائد سليم حاطوم، استمالته لحزب البعث ولم يوافق، مفضّلا الانتساب لحركة الوحدويين التي كان ضمنها سامي الجندي وسامي صوفان، وقد أدّى ذلك إلى اعتقاله بعد حركة جاسم علوان في يوليو/ تموز 1963، ولكنه هرب إلى الأردن، حيث سجن هناك حوالي ثلاثة أشهر، وأبعد إلى العراق في نهايتها. وحصل على الثانوية الحرّة هناك، ثم انتسب لكلية الاقتصاد في جامعة بغداد، وكتب عن ذكرياته في العراق كتابه “بغداد مدينتي”.
حدثت نكسة 1967 ونزح أهل الشرع من قريته في الجولان إلى الأردن، ومنها نقلوا بحافلات خصّصتها الحكومة السورية الى درعا، وكان حسين الشرع في أثناء العدوان في يونيو/ حزيران يحاول الدخول إلى سورية مع زملاء له سوريين للاشتراك في الحرب، ولكن سلطات “البعث” حينها منعتهم. وكان الشرع قد نشط سياسيا في العراق، حيث كان يقضي العطل الصيفية مع الفدائيين الفلسطينيين في الأردن، وتعرف هناك إلى جورج حبش، الذي كلفه بإدارة مكتب الجبهة في بغداد، ولاحقا مكتب حزب العمّال الثوري، كما عمل برفقة الإعلامي السوري عبد الهادي البكار في برنامج “صرخة الثوار” في إذاعة بغداد.
يؤكّد حسين الشرع أنه لم يطلع مسبقاً بأي شكل على خطة الهجوم لعملية ردع العدوان، والتي يصفها بأنها “سورية بامتياز وفوجئ بها القريب والبعيد”
عاد الشرع إلى سورية وعمل مدرسا للغة الإنكليزية في درعا، ثم موظفاً في الشركة العامة للنفط رئيساً للدائرة الاقتصادية فيها، وصار يكتب مقالات في الصحف السورية. وفي 1971 رشّح نفسه لانتخابات الإدارة المحلية ونجح فيها فأصبح عضو مكتب تنفيذي لمحافظة القنيطرة، ولكن النجاح لم يحالفه في الانتخابات البرلمانية عام 1973. تعاقد مع وزارة النفط السعودية، واستمر بالعمل فيها بين 1997 و1989، وهناك ولد ابنه الرئيس أحمد الشرع. وبعد عودته إلى سورية، حصل على عقد بصفة خبير في مكتب تسويق النفط برئاسة الوزراء، واصطدم مع المعنيين فيه لعقدهم صفقاتٍ مشبوهةً لبيع النفط السوري. “أمَّا العائدات فتوضع معظمها في حسابات سرية في بنوك أوروبية ويوضع مبلغ من عائدات النفط تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية لتغطية استيراد بعض السلع، وخاصة القمح، والأدوية لمؤسسات الصيدلة ولتغطية تكاليف الوفود الحكومية للخارج، ونفقات أخرى، وهذه كلها في المجمل لا تزيد عن 300 مليون دولار أو أقل، والباقي.. الله وحده يعلم به، والذين فوق السلطة”.
ونتيجة اعتراضه على صفقات فساد بيع النفط، أُنهي عمله في رئاسة الوزراء. اشتكى الشرع للمسؤولين، فحقّق معه نائب رئيس المخابرات العسكرية وقتها، اللواء حسن خليل، الذي قال له: “نحن نعرفهم جميعاً ونصوّرهم في غرف نومهم، وهم يتاجرون بالنفط من بيوتهم”، طالباً منه كتابة تقرير عن ذلك، فامتنع الشرع، فحذّره خليل من استهدافه بحادث سيارة. … تقدم بدارسة لنيل ترخيص جامعة خاصة (جامعة العلوم والتكنولوجيا في جنوب سورية) بكلفة نحو 20 مليون دولار، ولكنه لم يجد الممولين، رغم وعود كثيرين من رجال الاعمال في حوران بذلك، ومنهم موفق قداح وخالد المحاميد، إلى أن تدخل رجل الأعمال الفلسطيني أكرم أبو جراب وغيّر اسم الجامعة إلى قاسيون وأقصى الشرع.
… تالياً، بعد سنوات، بقيت العائلة ثماني سنوات، من 2003 إلى 2010 لا تعرف شيئاً عن مصير ابنها أحمد، وذهبت لتسأل عنه فروع الأمن، إلى أن وصلت إلى مدير مكتب اللواء محمد ناصيف، والذي أخبرهم بأنه ربما توفى، ولذا عندما ولد صبي لابنه حازم سمّته العائلة أحمد. … يروي الأب أن اتصالاً جاءهم من شخص أخبرهم بضرورة السفر إلى الحسكة والنزول في فندق معيّن، وبعد سلسلة اتصالات وحركات تمويه، وصلوا إلى مقر ابنهم أحمد. قرّع الأب ابنه قائلا: ماذا تفعل أنت ورفاقك؟ من تظنّون أنفسكم؟. … ما زال الابن الذي وصل إلى حكم سورية يذكّر أباه بهذه الكلمات مبتسماً.