ما هي الرّواية الرّوسيّة للهجوم الأوكرانيّ “بيت العنكبوت” الذي استهدَف طائرات استراتيجيّة في عُمقِ الجُغرافيا الرّوسيّة؟ وكيفَ أدخلَ الأوكران المسيّرات إلى العُمقِ الرّوسيّ؟ من يتّهم الكرملين بالوقوف خلف الخرق الأمنيّ الكبير؟
يُمكِنُ وصف الهجوم الأوكرانيّ الذي استهدَفَ طائرات استراتيجيّة روسيّة قبل أيّام بأنّه هجومٌ مُنسّقٌ أحرَجَ روسيا وكشفَ عن خرقٍ أمنيّ واستخباريّ غير مسبوق.
هو الهجوم الثّانيّ الذي يُحرجُ موسكو بعد الهجوم الأوكراني الذي أدّى إلى اختراق مناطق واسعة من مقاطعة “كورسك” في السّنة الماضية. الفارق أنّ هذا الهجوم وإن كانَ أصغر من هجوم “كورسك” من حيث الشّكل، لكنّه في المضمون هزّ الصّورة الرّوسيّة بعد وصولِ الضّربات إلى قاعدة عسكريّة في سيبيريا على بعد 4,400 كلم من خطّ المواجهة، وتكبّدت موسكو بسببه خسارة تُقدّر بمليارات الدولارات في غضون دقائق قليلة وبأسلحةٍ زهيدة الثّمن.
يُمكِنُ وصف الهجوم الأوكرانيّ الذي استهدَفَ طائرات استراتيجيّة روسيّة قبل أيّام بأنّه نسخة مُصغّرة من “بيرل هاربور”. هجومٌ مُنسّقٌ أحرَجَ روسيا وكشفَ عن خرقٍ أمنيّ واستخباريّ غير مسبوق
من كازاخستان إلى سيبيريا
لا تُنكرُ أوساط موسكو فداحة الهجوم والخسارة والانكشاف الأمنيّ في العمليّة. وفي هذا الإطار يقول مصدرٌ روسيّ رفيع المُستوى لـ”أساس” إنّ الهجوم الأوكرانيّ كانَ التفافيّاً، ولم ينطلق من أراضي كييف. إذ تُرجّح الاستخبارات الرّوسيّة أن تكونَ الطّائرات المُسيّرة دخلَت الأراضي الرّوسيّة من كازاخستان.
باعتقاد الكرملين، لا يُمكنُ لهجوم بهذا المُستوى أن تقومَ به أوكرانيا مُنفرِدة، بل يحتاج إلى مُساعدةٍ غربيّة، وتكادُ الدّوائر الرّوسيّة تُجمع على أنّه من تدبير ومُشاركة الاستخبارات البريطانيّة (MI6).
تقول المصادر إنّ كييف استعملَت في العمليّة مستوعبات شحن (Containers) لتوضيب الطّائرات المُسيّرة داخل الأراضي الرّوسيّة. ثمّ وُضِعَت هذه المستوعبات على 3 شاحنات، لا يعرف سائقوها أنّهم ينقلون “مطاراً نقّالاً للمُسيّرات”.
خضعت المُستوعبات لتعديلات من قِبل الأوكران، فبات سقفها قابلاً للفتح عبر أجهزة التّحكّم عن بُعد. وبعد وصول الشّاحنة الأولى إلى مكانٍ قريبٍ من سيبيريا، فتحَ الأوكران عبر أجهزة التّحكّم سقفَ المستوعب وخرجَت منه المُسيّرات الـ8 التي استهدفَت الطّائرات الجاثمة على أرضِ القاعدة العسكريّة.
استطاعت كييف أن تستهدِف بالهجوم 5 قاذفات قنابل استراتيجيّة من طراز Tu-95 القادرة على حملِ أسلحةٍ نوويّة. وهذه الطّائرات قادرة على الطيران لمسافة 12,000 كلم من دون أن تحتاج إلى التزوّدِ بالوَقود بحمولة 12 طنّاً. وهو ما يعني أنّها قادرة على الوصول إلى كلّ الأهداف الحيويّة في أوروبا والولايات المُتّحدة.
مصدرٌ روسيّ رفيع المُستوى لـ”أساس”: الهجوم الأوكرانيّ كانَ التفافيّاً، ولم ينطلق من أراضي كييف. إذ تُرجّح الاستخبارات الرّوسيّة أن تكونَ الطّائرات المُسيّرة دخلَت الأراضي الرّوسيّة من كازاخستان
استهدفَ الهجوم أيضاً طائرتيْن من طراز Tu-22، وهي أيضاً قاذفة قنابل استراتيجيّة، استعملها الاتّحاد السّوفيتي في قصف أفغانستان، ولاحقاً روسيا في قصفِ الشّيشان في 1999، وفي الهجوم على جورجيا في 2008، بالإضافة إلى طائرة شحنٍ عسكريّة.
ينفي الجانب الرّوسيّ بشكلٍ قاطِعٍ ما قالته أوكرانيا عن تدمير أكثر من 40 طائرة، ويقول إنّ الهجوم اقتصرَ على الطّائرات الثّماني المذكورة، والتي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة. ولم تكن محميّة كما هو الحال في بقيّة المطارات الرّوسيّة. ويؤكّد الجانب الرّوسيّ أنّ 4 طائرات من الـ8 المُستهدفة قابلة للإصلاح والصّيانة والعودة إلى الخدمة في غضون أشهر قليلة.
جواسيس لاجئي “دونباس”؟
يؤكّد المصدر لـ”أساس” أنّ الهجومَ الأوكرانيّ كان ينوي استهدافَ 4 مطارات، لكنّ الدّفاعات الرّوسيّة نجحَت في التّصدّي للطّائرات المُسيّرة في أحد المطارات، فيما انفجرَت شاحنة قبل أن تصلَ إلى هدفها.
الخرق الأمنيّ لا الطّائرات هو العنوان الأساس للهجوم. هُنا عادَ الجانب الرّوسيّ إلى اللاجئين الذين دخلوا روسيا من منطقة “دونباس” في شرق أوكرانيا، والذين يبلغ عددهم 3 ملايين تقريباً، معظمهم من أصول روسيّة.
يسودُ اعتقادٌ في موسكو أنّ أوكرانيا نجحت في تجنيد عددٍ كبيرٍ من هؤلاء الذين منحتهم روسيا جنسيّتها بعد الحربِ الأوكرانيّة، وأنّ عمليّة كهذه لم تكن لتنجح في الوصول إلى عُمقِ أراضي روسيا من دون مساعدةٍ داخليّة.
الهجومَ الأوكرانيّ كان ينوي استهدافَ 4 مطارات، لكنّ الدّفاعات الرّوسيّة نجحَت في التّصدّي للطّائرات المُسيّرة في أحد المطارات، فيما انفجرَت شاحنة قبل أن تصلَ إلى هدفها
لم تكُن عمليّة “شبكة العنكبوت” وليدة ساعتها. هذا ما أكّده الرّئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي بقولهِ إنّ التّخطيط لهذه العمليّة احتاجَ إلى ما يُقارب سنة ونصف سنة. ولذا فرضيّة وجودِ خلايا مُتعاونة مع الاستخبارات الأوكرانيّة والبريطانيّة بين لاجئي “دونباس” هي الأكثر ترجيحاً في موسكو.
أضاف زيلينسكي إنّ أحدَ الأماكن التي أُعِدَّ فيها الهجوم في روسيا يقع بجانب مكتب جهاز الأمن الفدراليّ الرّوسيّ (FSB).
الرّد في بريطانيا؟
يقول المصدر إنّ الهجومَ الأوكرانيّ في العُمقِ الرّوسيّ يُعطي الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين كلّ الحججِ للانتقال إلى استعمال أسلحةٍ جديدةٍ في أوكرانيا للرّدِّ. وهذا ما قاله بوتين لنظيره الأميركيّ دونالد ترامب في الاتّصال الذي جمعهما يومَ الأربعاء.
إقرأ أيضاً: المخضرم جويل رايبرن… مبعوث ترامب إلى الشّرق؟
لا يعتقدُ الرّوس أنّ الجانب الأميركيّ ضالعٌ في هذا الهجوم، خصوصاً أنّ ترامب أكّدَ هذا وواشنطن تعملُ على التّوصّل لاتّفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. لكنّ أصابع الاتّهام تتّجه بشكلٍ واضحٍ إلى بريطانيا. ذلكَ أنّ لندن كانَت لها سوابق في إفشال جولات التّفاوض الرّوسيّة – الأوكرنيّة في تُركيا أثناء حكم بوريس جونسون، بحسب ما يؤكّد المصدر. إذ إنّ الهجومَ جاءَ بعد مفاوضات جديدة بين موسكو وكييف في تُركيا، وبدءِ المحادثات في صيغة اتّفاق السّلام المُزمع إبرامه. من هذا المنطلق، يقول الجانب الرّوسيّ إنّ أيّ هجومٍ للرّدّ على أوكرانيا ينبغي أن يحمِلَ رسائلَ للدّول الغربيّة التي دعمَت الهجوم، وفي مُقدَّمها بريطانيا.