فُتحت الحرب على مصراعيها والتراشق الصاروخي يُشاهد بالعين المجردة في سماء الشرق الأوسط توازيه حماوة التراشق الاعلامي بالتهديد بتوجيه ضربات أكثر قسوة وضراوة من الجانبين الايراني والاسرائيلي، بحيث تأخذ الحرب منحى جديداً وتطوراً يأخذ في التمدد يوماً بعد يوم.
أهداف هذه الحرب وإن كانت لا زالت تتمحور حول زوال اسرائيل أو القضاء على القوة النووية لإيران، التي من الملاحظ أنها لم تتدخل حتى في حماية ذراعها الأساسية في المنطقة ألا وهي “حزب الله”، حين احتاج اليها في اسناده خلال مواجهته مع اسرائيل دعماً لغزة، بل على العكس استمرت في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة في عز ما كان الحزب يخسر قادته واحداً تلو الآخر، أما وقد طالتها الصواريخ الاسرائيلية، فكشرت عن أنيابها حفاظاً على ما يبدو، على ما تبقى لها من أوراق لفرضها على الطاولة. وبالعودة الى الأهداف فلم تتخطَ حتى الآن اطلاق الصواريخ والاستهدافات لدى طرفي الحرب، ولا أحد يدري في حال تطور الوضع أكثر، ما اذا كان تغيير النظام الايراني هو الهدف الأخير من كل ما يجري، وهو ما لمح اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في احدى مقابلاته.
ايران واسرائيل تتبادلان الضربات بصورة مكثفة ما ينذر بأيام ربما تكون طوالاً بينهما، حتى أن الامور وصلت الى حد قول نتنياهو إنه يتجه لتحقيق هدفين هما القضاء على التهديد النووي والصاروخي عبر سيطرة سلاح الجو الاسرائيلي على أجواء طهران. كما أنهما بدأتا بتبادل الانذارات، الحرس الثوري ينشر تحذيراً عاجلاً لسكان تل أبيب، في المقابل يوجه الجيش الاسرائيلي تحذيراً الى سكان طهران، والمفارقة أن كلتيهما أيضاً تعلنان عن خسائرهما بالأرقام والأسماء، في محاولة واضحة لرمي الاتهامات المتبادلة بالتصعيد.
على خط موازٍ، يبقى باب التفاوض موارباً حتى بعد المكالمة الأخيرة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو والتي سبقت الهجوم الاسرائيلي على ايران بساعات، ومع ذلك بقي ترامب على موقفه في ما خص التفاوض وهو وإن أيد ما قامت به اسرائيل ودعمه، الا أنه نفى علاقة الولايات المتحدة بهذا الهجوم، ليكتب جملته الشهيرة: قبل شهرين، أعطيت إيران مهلة 60 يوما لـ(إبرام صفقة). كان ينبغي عليهم التوصل إليها! اليوم هو اليوم الـ61. أخبرتهم بما يجب عليهم فعله، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. الآن، ربما لديهم فرصة ثانية.
دائماً الفرصة سانحة لدى ترامب، لكنها لم تعد كما تريدها ايران أدركت أم لم تدرك، بل بما يتناسب مع رؤى اسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، لذا لم يعد هناك وقت للمماطلة ولا ترف الوقت لتمريره وتمديده كما في السابق، فايران لم تكن لتتخيل أبداً أنها هي من سيحارب بالأصالة بعد أن كانت تحارب بالوكالة، كما أنها لم تتوقع أن تدخل المفاوضات من دون أوراق، بعد أن كان الملف دسماً بين يديها، فعملياً تفكك المحور أتلف المستندات، والحرب الحالية ستجلسها على الطاولة خالية الوفاض وهي لا تريد ذلك وتفضل الحل التفاوضي الذي أكده الرئيس الايراني مسعود بزشكيان لسلطان عُمان هيثم بن طارق، بعد أن كانت الجولة السادسة ألغيت حين اعتبر وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي أن لا مبرر لها وسط الضربات الاسرائيلية على المدن الايرانية.
أميركا جاهزة للتفاوض وجاهزة للتدخل في حال صعّدت ايران واستهدفت قواعد أميركية. ترامب يراقب عن كثب النظام الايراني والأيام كفيلة بتوضيح ما اذا كان سيقرر البقاء بالتعاطي مع هذا النظام أم أن تغييره أفضل. نتنياهو مستعد لكل السيناريوهات مع اعطاء الأفضلية لتغيير النظام. أما خامنئي فالأكيد أن الخيارات لديه تضيق وعليه المواجهة لبقاء نظامه، والقراءة جيداً في شروط التفاوض الجديدة، وبعد رؤية واسعة وشاملة للمشهد منذ ٧ أكتوبر وانسحابه على ما يجري الآن، سيكون أمام خيارين كلاهما مر.