التسرب إلى العراق من شقوق وتصدعات النفوذ الإيراني
تركيا التي دخلت منذ سنوات في صراع مباشر على النفوذ مع إيران في بعض الساحات الإقليمية لا يمكنها إلاّ أن تكون مستفيدة من دخول طهران في صراع عسير ومرهق مع تل أبيب ما يجعلها مهدّدة بالمزيد من تراجع نفوذها في تلك الساحات مفسحة المجال أمام زيادة نفوذ أنقرة الذي بدأ يتحوّل إلى حقيقة واقعة في ساحات كانت تعتبر مجالا حيويا للإيرانيين كما هو الحال بالنسبة إلى الساحة العراقية.
أنقرة- لا يخفي الموقف المبدئي التركي من العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ إيران والتي أدانها الخطاب الرسمي لتركيا بأشدّ العبارات، حقيقة أن بإمكان تركيا تجيير تلك العملية لمصلحتها وجني فوائد منها، بعضُها ذو طبيعة آنية عاجلة والبعض الآخر إستراتيجي بعيد المدى.
وفتحت المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية أمام الدبلوماسية التركية فرصة جديدة للعب دور الحكم والوسيط كما هو الحال في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا وأفسحت المجال مجدّدا أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستكمال مسعاه لوضع بلاده على خريطة القوى العالمية المؤثرة، بينما وضعت تلك المواجهة إيران أمام محذور المزيد من تراجع نفوذها في المنطقة وانكماش تأثيرها بما في ذلك داخل ساحات إقليمية تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مسرح لصراع مباشر على النفوذ بين أنقرة وطهران كما هو الحال بالنسبة إلى الساحتين السورية والعراقية.
وعمليا وجّه سقوط نظام آل الأسد ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني في سوريا وجعل البلد ساحة مفتوحة على مصراعيها أمام النفوذ التركي. أمّا في العراق فما تزال طهران تحتفظ بحرّاس أمناء لنفوذها هناك ممثلين بأحزاب وفصائل شيعية متنفّذة، فيما تبذل تركيا منذ سنوات جهودا كبيرة للدخول كلاعب رئيسي في تلك الساحة متخذة من مشاريع التعاون الاقتصادي وأيضا من التعاون والتنسيق الأمنيين مع حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق وسيلة لتحقيق ذلك.
◄ في مكالمة هاتفية مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وصف أردوغان الهجمات الإسرائيلية على إيران بالاستفزاز الذي من شأنه أن يلحق ضررا جسيما بأمن المنطقة
ومن شأن إضعاف إيران وإنهاكها بالصراع مع إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية أن يرخي قبضتها عن العراق ويحدّ من قدرتها على دعم للقوى المتنفذة هناك ومواصلة التنسيق معها خصوصا وأن ذلك الدعم والتنسيق كانا يجريان بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني الذي يبدو أن قيادته وبنيته التنظيمية واللوجستية باتت هدفا مباشرا للضربات الإسرائيلية.
وعلى صعيد آني وعاجل وفّر تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل لتركيا لعب دور الحكم الذي ثبت من الصراع بين روسيا وأوكرانيا أنّ الدبلوماسية التركية تجيد أداءه على الرغم من أن أنقرة انحازت في الصراع ذاته لصف كييف باعتبار تركيا جزءا من حلف شمال الأطلسي وكانت من مزودي القوات الأوكرانية بالمسيّرات المتطورة المستخدمة في الحرب ضدّ القوات الروسية.
وإلى جانب الموقف المبدئي الذي اتّخذته تركيا من الحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران وهو موقف مفصّل على مقاس الرأي العام التركي والإسلامي بصفة عامّة والمعبّأ ضدّ الدولة العبرية خصوصا في الفترة الحالية التي تشن فيها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حربا بالغة الدموية على قطاع غزّة، بادرت القيادة التركية بعرضها لعب دور في خفض التصعيد وفض الاشتباك، محاولة بذلك تكريس دور تركيا كقوّة فاعلة في الأحداث العالمية حربا وسلما.
ونددت تركيا “بأشد العبارات” بالقصف الإسرائيلي لإيران واصفة إياه بأنّه استفزاز ينتهك القانون الدولي وينذر بالمزيد من التصعيد في المنطقة.
وقالت وزارة الخارجية التركية إن الهجوم يظهر أن إسرائيل “لا ترغب في حل القضايا بالوسائل الدبلوماسية،” وحثتها على وقف “الأعمال العدوانية التي قد تؤدي إلى صراعات أكبر،”
وكان عرض الوساطة عنصرا شبه قارّ خلال معظم اتصالات ومشاورات الرئيس أروغان مع قادة المنطقة والعالم، حيث أكّد في اتصال هاتفي أجراه الإثنين مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان استعداد بلاده للقيام بدور تسهيلي لإنهاء الاشتباك الدائر بين إسرائيل وإيران فورا والعودة إلى المفاوضات النووية.
وجاء ذلك في بيان صادر عن رئاسة دائرة الاتصال بالرئاسة التركية أن أردوغان شدّد أيضا على الأهمية التي توليها تركيا للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، مشيرا إلى إجرائه سلسلة اتصالات مع قادة عدد من الدول لبحث سبل إنهاء الاشتباك بين طهران وتل أبيب.
وكان أردوغان قد قدم عرضا مماثلا للتوسّط في خفض التصعيد أثناء مشاورات أجراها عبر الهاتف مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقال خلالها إنّ بلاده تتابع عن كثب التوتر المتصاعد في المنطقة وترى أن المفاوضات النووية التي بدأت هي السبيل الوحيد لحل النزاع، مجدّدا التعبير عن استعداد تركيا لبذل “ما في وسعها لمنع حدوث تصعيد خارج عن السيطرة في التوتر بين إيران وإسرائيل.”
وفي اتصال مماثل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي تحتفظ بلاده بعلاقات متينة مع إيران، اتهم الرئيس التركي إسرائيل بتهديد أمن الشرق الأوسط، معتبرا أن المنطقة لا تحتمل حربا أخرى.
ونقل مكتبه قوله أثناء المكالمة الهاتفية إن “دوامة العنف التي بدأت بهجمات إسرائيل على إيران قد عرّضت أمن المنطقة بأسرها للخطر،” وإنّ سلوك حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي “يشكل تهديدا واضحا للنظام الدولي.”
وإقليميا كانت للرئيس التركي أيضا مشاورات بشأن التصعيد الإسرائيلي-الإيراني عبر الهاتف مع مجموعة من القادة العرب حيث بحث مع سلطان عمان هيثم بن طارق “سبل التهدئة وخفض التوتر بما يصون أمن واستقرار الدول ويحفظ مصالح شعوبها، وأكد الجانبان أهمية تغليب نهج الحوار والدبلوماسية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، والاحتكام إلى مبادئ القانون الدولي، باعتبارها السبيل الأمثل لتسوية الصراعات ومنع تفاقم الأزمات في المنطقة.”
وفي مكالمة هاتفية مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وصف أردوغان “الهجمات الإسرائيلية على إيران بالاستفزاز الذي من شأنه أن يلحق ضررا جسيما بأمن المنطقة،” معتبرا أنّ “المنطقة غير قادرة على تحمل أزمة جديدة، وأن استمرار المفاوضات النووية هو السبيل الوحيد لحل النزاع.”
وأبلغ الرئيس التركي ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في اتصال هاتفي “بأن الهجوم على إيران أظهر أن إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تُشكل أكبر تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط،” مؤكّدا على “ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية لتخفيف التوتر، مشيرا إلى أنه لا يمكن حل النزاع النووي إلا بالمفاوضات.”
وجاء في بيان لمكتب أردوغان أن الرئيس التركي قال أيضا خلال الاتصال الهاتفي مع الأمير محمّد “إن أي حرب مدمرة محتملة ربما تتسبب في حدوث موجات من الهجرة غير الشرعية إلى جميع دول المنطقة.”