جلسة مجلس الوزراء لم تنعقد بسبب تغيب أربعة وزراء بينهم وزير لـ”التقدمي الاشتراكي” عقب ضغوط من بكركي والخارج و”القوات”

نجحت الاتصالات المكثفة التي قادتها بكركي (مقر البطريركية المارونية في لبنان) من جهة والكتل النيابية المعارضة من جهة أخرى، وفي مقدمها كتلة “القوات اللبنانية”، في فرض التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في مجلس النواب. وتمكنت الضغوط الخارجية التي مورست في اليومين الماضيين على أكثر من مستوى، من إسقاط سيناريو تأجيل تسريح عون في الحكومة، وهو إجراء معرض للطعن أصلاً، فيما لم يكن، بحسب المعلومات، من السهل على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تحمل وزر تداعيات هكذا سيناريو بعد خروجه إلى العلن، ولم يعد أمامه سوى إرجاء الجلسة الحكومية، مما مهد لصدور قانون تعديل سن التقاعد من المجلس النيابي ليشمل كل القادة الأمنيين من رتبة عماد ولواء بعد تبني النواب اقتراح القانون المقدم من كتلة “الاعتدال”.

وشكل كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل التصويت على اقتراح القانون المعجل المكرر، نوعاً من التبرير والتوضيح لأسباب استعادة البرلمان للمبادرة من الحكومة، قائلاً إن “كل اللبنانيين من دون استثناء هم مع الجيش اللبناني ولا يزايد أحد على الثاني، نعم الصلاحية كانت للحكومة أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً”. وأضاف “مقبلون على فترة أعياد وعطل قد تمتد لـ15 يوماً وإذا لم نقم بهذا العمل اليوم نخشى أن ندخل في الفراغ”.

دور فاعل لـ”القوات”

بقي الخوف من تطيير نصاب الجلسة التشريعية من نواب ميليشيات حزب الله  وحلفائه مخيماً حتى اللحظة الأخيرة، وأسهمت مشاركة نواب “تكتل الجمهورية القوية” (حزب القوات اللبنانية) الـ19 في تأمين نصاب الجلسة التشريعية، والتزموا الاتفاق المسبق مع رئيس مجلس النواب بأن يحضروا جلسة التشريع في مقابل أن يتعهد بطرح التمديد لقائد الجيش. في المقابل بقي نواب من المعارضة في حال تأهب للدخول إلى القاعة وتوفير النصاب فور البدء بمناقشة اقتراحات التمديد، وهكذا حصل بعد أن بقوا خلال مناقشة القوانين الأخرى، في حرم المجلس يتابعون وقائع الجلسة من المقاعد المخصصة للإعلاميين، ومن بينهم نواب حزب “الكتائب” وحركة “تجدد” وعدد من التغييريين. وغادر نواب “حزب الله” القاعة العامة فور البدء بمناقشة اقتراحات القوانين المتعلقة بتمديد سن التقاعد للقادة الأمنيين، في خطوة عكست بوضوح مراعاتهم لحليفهم المسيحي “التيار الوطني الحر”، إلا أنهم لم يضغطوا على حلفائهم لمغادرة القاعة. غير أن مصادر نيابية أكدت لـ”اندبندنت عربية” أن “حزب الله” يعارض التمديد واستمر في محاولاته حتى الثالثة من فجر اليوم لإقناع بري بتطيير النصاب وفرط الجلسة التشريعية لكن من دون أن ينجح في ذلك. فمر اقتراح كتلة “الاعتدال” بالتمديد وسط اعتراض يتيم للنائب جهاد الصمد المقرب من “حزب الله”.

وأكد نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان بعد انتهاء الجلسة التشريعية “أن تكتل “الجمهورية القوية” خاض معركة التمديد لقائد الجيش “من أجل الأمن والاستقرار في لبنان، ولم نتدخل بالتشريع وحضرنا لأن الجيش كان بخطر”.

رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل أعلن بدوره من ساحة النجمة أن “الأمن القومي وحماية لبنان ومصلحة البلد هم من كسروا رأسنا، ولو ترك لنا أي خيار آخر لما حضرنا إلى الجلسة والبديل كان خراب المؤسسة العسكرية”.

من جهته أكد النائب التغييري وضاح الصادق أن “أولويتنا هي انتخاب رئيس للجمهورية ونرفض التشريع في ظل غيابه ولكن البلد لا يحتمل أي اهتزاز، ولذلك أمنا النصاب في الجلسة حفاظاً على المؤسسة العسكرية وحماية للبنان”.

وكانت الكتل النيابية المؤيدة للتمديد لقائد الجيش عملت عشية الجلسة التشريعية في نسختها الثانية، على سحب أي عقدة قد تعرقل القانون، فوقعت أكثرية نيابية عريضة تطالب رئيس مجلس النواب بمناقشة التمديد في البرلمان بغض النظر عما ستقرره الحكومة، وتمكن عدوان من أخذ وعد علني من رئيس المجلس داخل الجلسة لدى سؤاله عن الأمر. ونجحت المساعي والاتصالات في توحيد اقتراحات القوانين المعجلة المقدمة من كتل “الجمهورية القوية” و”اللقاء الديمقراطي” و”الاعتدال” وللنائب أديب عبدالمسيح من كتلة “تجدد”، واتفق على تبني الاقتراح المقدم من كتلة “الاعتدال” الذي ينص على رفع سن التقاعد سنة واحدة لكل القادة الأمنيين من رتبة عماد ولواء، ليشمل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، واتخذ الاقتراح الموحد صيغة الشمولية تجنباً للطعن به.

وقبيل الجلسة البرلمانية عقد في مكتب رئيس مجلس النواب اجتماع حضره عدوان عن “القوات اللبنانية ” والنائب بلال عبدالله عن الحزب “التقدمي الاشتراكي” والنائب أحمد الخير عن كتلة “الاعتدال”، وخصص لمتابعة البحث بالصيغة الموحدة بعد موافقة “القوات” على السير باقتراح “الاعتدال”.

جلسة الحكومة “المسرحية”

وكانت جلسة مجلس الوزراء طارت قبل أن تلتئم، بعدما كان يفترض أن تعقد قبل ثلاث ساعات على بدء الجلسة التشريعية للبت من خارج جدول الأعمال بتأجيل تسريح قائد الجيش لمدة ستة أشهر. وحال غياب أربعة وزراء من دون توفر النصاب القانوني الذي يحتاج إلى حضور 16 وزيراً. والغياب الأبرز كان لوزير التربية عباس الحلبي المحسوب على الحزب “التقدمي الاشتراكي”، الذي ترجم غيابه رفض “الاشتراكي” الوقوف ضد الإرادة المسيحية الجامعة، على رغم أن جلسة مجلس الوزراء كانت ستعين رئيساً للأركان هو العميد حسان عودة، بعد ترفيعه إلى رتبة لواء، وكان زكاه رئيس “الحزب التقدمي” السابق وليد جنبلاط.

وذكرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أنها تبلغت مسبقاً اعتذار عدد من الوزراء عن عدم حضور الجلسة من دون ذكر أسمائهم، عرف من بينهم وزير الشباب والرياضة جورج كلاس بداعي المرض، ووزير الاقتصاد أمين سلام لدواع صحية، ووزير الصناعة جورج بوشكيان بداعي السفر.

وكشفت مصادر وزارية لـ”اندبندنت عربية” أن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي كان له التأثير المباشر في وزراء غابوا وفضلوا عدم المشاركة لعدم المساهمة في قطع الطريق على تمديد محصن في وجه الطعن في مجلس النواب. وعلق نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب المعترض بشراسة على التمديد للعماد جوزف عون، قائلاً “إن فشل الحكومة في تأمين النصاب مسرحية”.

وبقي وزراء “التيار الوطني الحر” على قرارهم السابق بمقاطعة جلسات الحكومة منذ الشغور الرئاسي، أما الوزراء الـ12 الذين وصلوا إلى السراي فكانوا بأغلبيتهم من المحسوبين على رئيس الحكومة، و”حزب الله” وحركة “أمل” وتيار “المردة”. وبررت المصادر الحكومية غياب النصاب بسبب الحركة الاحتجاجية التي نفذها العسكريون المتقاعدون في محيط السراي إذ أقفلوا بعض مداخلها، اعتراضاً على مشروع قانون النظام التقاعدي للعسكريين المدرج على جدول الأعمال، علماً أن هذا التبرير لو صح لكان الوزراء الـ12 لم يصلوا إلى الداخل أيضاً. وقال وزير العمل مصطفى بيرم المحسوب على “حزب الله”، “أن وضع الطرقات هو من أفقد نصاب الجلسة”. واكتفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإصدار بيان مقتضب ذكرت فيه أنه “بسبب تعذر حضور العدد المطلوب من الوزراء لتأمين النصاب القانوني المطلوب لانعقاد جلسة مجلس الوزراء قرر السيد رئيس مجلس الوزراء تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة اليوم إلى صباح نهار الثلاثاء المقبل”.

استياء التيار لم ينفع

وكان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في معركة التمديد لقائد الجيش، استبق قرار مجلس النواب وعبر عن استيائه من الحليف قبل الخصم، وكتب على صفحته على منصة “إكس”، “عم اتفرج (أشاهدهم) عليهم وابتسم، واحد همه يغيظني والثاني همه يرضيني. واحد يعرف أن معي حق لكن يجب ألا أربح، وواحد يعرف أنه يجب ألا أخسر ولكن ما بيسوى هلقد اربح”. وجدد باسيل التذكير بأن لا فراغ في الجيش ولا خوف على وحدته ولن يكون إلا مسيحي على رأسه، وأضاف “لكن المشكلة ليست هنا، المشكلة هي نكاية بالداخل وطاعة للخارج”.

وأكد نائب “التيار الوطني الحر” غسان عطا الله أن التيار سيقدم طعناً بالقانون، شارحاً لـ”اندبندنت عربية” أن مجلس النواب وخلافاً للقانون أخذ صلاحيات الحكومة والوزير المعني أي وزير الدفاع وهذا سبب للطعن، إضافة إلى أن القانون بصيغته المقرة لا ينص على الشمولية بل هو مخصص بالشخصي لمركزين محددين، قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي. ورداً على سؤال عن دور “حزب الله” وهل يعتقد “التيار” أنه سهل التمديد، يجيب النائب المقرب من باسيل “الحزب لم يسهل ولم يصعب”. واعتبر عطاالله “أن الضغط الخارجي نجح في الجمع بين مدعي الثورة وبين الأحزاب التقليدية”.