منذ الأيّام الأولى للحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران، كان الأردن من أول المتأثّرين، بخاصّة بعد توقّف إمدادات الغاز اليومية القادمة من حقل ليفياثان في البحر المتوسط، الذي تديره شركة “شيفرون” الأميركية، والذي يزوّد الأردن بما نسبته 73% من حاجته من الغاز المستخدم في توليد الكهرباء.
ورغم تداول أنباء خلال الأيام التالية عن استئناف التصدير بكميّات محدودة، نفت وزارة الطاقة الأردنية ذلك، معلنةً التحوّل إلى استخدام بدائل محلّية من الطاقة المتجدّدة، والديزل، والوقود الثقيل. هذا التحوّل، وإن كان ضمن استمرارية الإنتاج الكهربائي، يرفع الكلفة التشغيلية بشكل كبير، بخاصّة في حال استمرّ انقطاع التوريد لفترة طويلة.
مصادر الغاز الأردنية
وفق تقرير وزارة الطاقة السنوي، يحصل الأردن على الغاز من أربعة مصادر رئيسية:
الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب من حقل ليفياثان.
الغاز المصري عبر الأنابيب.
الغاز المسال المستورد عن طريق باخرة التخزين العائمة في العقبة.
الغاز المحلّي من حقل الريشة في شمال شرق البلاد.
ويشير منتدى الاستراتيجيات الأردني إلى أن معظم الغاز المستهلك في الأردن مستورد، وأكثر من 85% منه يأتي من إسرائيل، بواقع 2.65 مليون طن مكافئ نفط سنوياً من أصل 3.1 ملايين. هذه الأرقام توضح حجم اعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي، ليس فقط لتوليد الكهرباء (68% من مجمل الإنتاج) بل أيضاً لتشغيل صناعات أساسية مثل الفوسفات، والبوتاس، والبرومين.
بدائل فورية… ولكن مؤقتة
الخبير في شؤون الطاقة والمحروقات هاشم عقل يقول لـ”درج” إن “الوضع ما يزال تحت السيطرة، بفضل توفّر احتياطي طاقة يكفي لعشرين يوماً، وإمكانية التحوّل السريع لاستخدام الوقود والديزل”، لكنه يشير إلى أن “الكلفة أعلى بكثير، مما يجعل هذا الخيار مؤقتاً لا يمكن الاعتماد عليه طويلاً”.
وبحسب عقل “فإن 27% من إنتاج الكهرباء حالياً، يأتي من الطاقة المتجدّدة، و17% (أي نحو 500 ميغاواط) من مصنع العطارات”، ويرى عقل أن “الأزمة الحالية تمثّل فرصة شبه إجبارية، لتوسيع الاستثمار في الصخر الزيتي والطاقة الشمسية والرياح، وهي مصادر محلّية لم تُستغل بالشكل الكافي”، كما يلفت إلى الدور المصري في دعم الأردن خلال الأزمة، من خلال ضخّ 100 مليون قدم مكعّب من الغاز يومياً، ورفع صادرات الكهرباء من 200 إلى 400 ميغاواط، ما خفّف الضغط على الحكومة وساعد على الاستجابة السريعة.
عقل يؤكّد أن الأردن بحاجة إلى “خطة استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى تقليص الاعتماد على المستورد، وتعزيز أمن الطاقة الوطني”، ويشير إلى اكتشاف غازيّ جديد أعلنت عنه الحكومة قبل أشهر، بحجم يُقدّر بـ12 تريليون قدم مكعّب، قد يغطّي حاجة الأردن لـ80 عاماً، لكنّه لا يزال في مراحله الأولى.
إقرأوا أيضاً:
مصير غزة معلّق على كيس طحين!
غزة: الهزيمة كمهمّة أخلاقيّة
مخاطر الاعتماد… وكلفة البدائل
أما الخبير الاقتصادي حسام عايش فيوضح أن “إسرائيل لجأت إلى تسويق غازها إقليمياً – للأردن ومصر – نظراً لافتقارها إلى البنية التحتية اللازمة لتصديره إلى أوروبا، ومع تحسّن تلك الإمكانات لاحقاً، قد تغيّر إسرائيل شروط الاتفاق، سواء عبر رفع الأسعار أو تقليص الكميّات، وهو ما يعكس هشاشة الاعتماد عليها”.
ويقدّر عايش كلفة استخدام الوقود والديزل بديلاً عن الغاز الإسرائيلي “بين مليون و8 ملايين دينار يومياً”، ورغم ارتفاع الأسعار عالمياً في السنوات الماضية، خاصّة خلال الحرب الروسية- الأوكرانية، استفاد الأردن حينها من أسعار غاز منخفضة نسبياً في إطار الاتّفاق مع إسرائيل.
وبينما يرى عايش أن “الطاقة المتجدّدة تشكّل ركيزة مهمّة لمستقبل الأردن”، يؤكّد “الحاجة إلى الاستثمار في أنظمة تخزين الطاقة، حتى تُستخدم في غير أوقات الذروة”، ويشير إلى أن “منظومة الكهرباء الأردنية تُعدّ من الأكثر تطوراً في المنطقة، مقارنة بدول تعاني من انقطاعات مبرمجة بسبب العجز بين الإنتاج والاستهلاك”.
ويختم عايش بالقول إن “الكلفة ليست منفصلة عن الاستدامة”، بخاصّة في ظلّ التوسّع باستخدام السيارات الكهربائية والذكاء الصناعي، وهو ما يتطلّب بنية تحتية كهربائية أكثر كفاءة، ويقدّر الفاقد الفنّي والإداري في الكهرباء بين 12% و14%، مؤكّداً أن “خفض هذا الهدر قد يساعد في تثبيت أو حتى خفض الأسعار”.
الحكومة تطمئن… لا تقنين للكهرباء
وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة أكّد أن “النظام الكهربائي في المملكة مستقرّ رغم توقّف إمدادات الغاز”، مشيراً إلى أن “الحكومة فعّلت خططاً بديلة لضمان الاستمرارية، بما في ذلك الاعتماد على الديزل والسولار، وتحويل محطّات التوليد للعمل بهذه الموادّ من دون تأثّر كفاءة الشبكة”.
وتتقاطع تصريحات الخرابشة مع ما أعلنه المدير العامّ لشركة الكهرباء الوطنية أمجد البطاينة، الذي استبعد أي تقنين أو قطع للكهرباء، حتى في حال استمرار الحرب، مؤكّداً أن “البنية التحتية في الأردن مؤهّلة للعمل على الديزل، كما حدث خلال انقطاع الغاز المصري بين العامين 2011 و2015”.
اتّفاقية الغاز: 15 عاماً من الجدل
دخل الغاز الإسرائيلي إلى الأردن فعلياً مع بداية العام 2020، بعد اتّفاقية وُقّعت في عام 2016 بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وشركة “نوبل إنيرجي”؛ التي استحوذت عليها لاحقاً “شيفرون”، وفّرت هذه الاتّفاقية نحو 300 مليون دولار مقارنة بأسعار السوق العالمية.
ورغم أن مجلس النواب صوّت بالإجماع في آذار/ مارس 2019 على رفض الاتّفاقية، فإن المحكمة الدستورية اعتبرت أن الاتّفاقية لا تتطلّب موافقة البرلمان، لأنها عُقدت بين شركتين وليس بين حكومتين، مما أتاح استمرار العمل بها حتى اليوم.