مقالات الكاتب
news
عندما يتصدع الانتماء ويبقى الحنين والحلم: إبراهيم الحريري أنموذجاً
وجد إبراهيم الحريري نفسه وهو في عمر الصبا يساري الهوى، وسرعان ما انتهى به هواه للانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي، بعد انتقال والده إلى موطنه…
news
شكراً سلطان القاسمي
نعى الأستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب. مظفر.. مات ! بموته يوقظ في وجداننا جذوة ماضٍ…
news
فخري كريم يرثي جابر عصفور
وداعاً جابر عصفور وقد جعلت من الفراق فقداناً أبدياً. وداعاً جابر مع أنّك خذلتني وأخلفت وعدك بلقاء قريباً يتحقّق.. وداعاً جابر لأنّك ضيّقت عليّ فضاء…
آن الأوان للتوقّف عند مسارات المواجهة مع العدوان الإسرائيلي منذ إعلان كيانه عام 1948 حتّى اليوم، وتقويم نتائجها وأسباب القصور والتردّي العربي والإسلامي في الصراع معه برويّة وتعقّل ووعي مسؤول. وربّما سيكون ذلك ممكناً لو جرى التوقّف عن إخفاء الحقيقة عبر الإصرار في كلّ منازلة على رفع شعار “انتصرنا”!
لقد كان أمام قيادة الحزب الشيوعي العراقي في اللحظات الأولى من الحرب العراقية – الإيرانية أن تتّخذ موقفاً من الحرب وتحدّد توجّهاتنا في التعامل مع تطوّراتها.
صادف إعلان الحرب مع تصعيد غير مسبوق لاستبداد سلطة “البعث”. بعد أن استأثر الدكتاتور صدام حسين بالسلطة، كاشفاً عن وجه الجلاد؛ فاشياً فاق بنهجه ما كان عليه هتلر وموسوليني! وتجسّد هذا التصعيد في جانب منه في وضع الحزب أمام أحد خيارين لا ثالث لهما: التصفية الجسديّة للحزب ممثّلاً بقيادته وكوادره وأعضائه والقوى الديمقراطية المتفاعلة معه، أو الدخول “في خيمة البعث”، أي التحوّل إلى لقيطٍ ملحقٍ بـ”البعث” والتخلّي عن وجوده الفعليّ سياسيّاً وفكريّاً وتنظيميّاً، تمهيداً لحلّه والالتحاق بـ”البعث”، كما كان يُراد بعد سقوط سلطة “البعث” الأولى عام 1963 بالانضمام إلى الاتّحاد الاشتراكي بقيادة “حركة القوميين العرب” في إطار ما عُرف في تلك الفترة بسياسة “خطّ آب” اليمينيّ التصفويّ المُدان.
كان أمام قيادة الحزب الشيوعي العراقي في اللحظات الأولى من الحرب العراقية – الإيرانية أن تتّخذ موقفاً من الحرب وتحدّد توجّهاتنا في التعامل مع تطوّراتها
نهج مبدئيّ
لم يكن أمام الحزب يومذاك إلّا إدانة نظام صدّام حسين، بعدما اتّضح أنّه البادئ بإشعال الحرب، والدعوة إلى إيقافها والانسحاب من الأراضي التي جرى احتلالها. وفي مجرى تطوّر الحرب، واتّخاذها طابع احتلال الأراضي من قبل الطرفين، وخصوصاً بعد معركة الفاو التي توغّلت فيها إيران في أراضٍ عراقيّة، كان موقفنا إدانة التوغّل في الأراضي العراقية وشجب الاحتلال من أيّ جانب كان، وتأكيد الانسحاب وإيقاف الحرب والعودة إلى الحدود الدوليّة لكلا البلدين.
مثل هذا الموقف من الحرب، المتمثّل بشجبها وإدانة المعتدي ورفض احتلال الأراضي، كان ولا يزال نهجاً مبدئيّاً للشيوعيّين يجسّد هويّتهم الوطنية والأمميّة، بصرف النظر عن طبيعة النظام القائم واستبداده.
يتّضح هذا النهج دون لَبس في الموقف من العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية، ليس فقط لكونه البادئ بالحرب، وإنّما لطبيعته العنصريّة التوسّعية الاستيطانية، واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية، واستهتاره بقرارات الأمم المتّحدة ومجلس الأمن، والقوانين والأعراف الدولية، ورفضه الانصياع للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنيّة المستقلّة.
إنّ مثل هذا الموقف المعبّر عن النهج المبدئي للشيوعيّين والوطنيّين في العراق وسائر البلدان العربية وعلى الصعيد الدولي، يدلّ بوضوح على أنّ الدفاع عن سيادة الأوطان وشجب الحروب العدوانيّة لا يخضعان لمعايير طبيعة النظام المُعتدى عليه ونهجه المعادي للحرّيات والحقوق والقيم الوطنية والإنسانية. فقد اتّخذ حزب “توده” الإيراني مواقف الشيوعيين نفسها، متجاوزاً جروحه ومعاناته من النظام القائم في إيران. بل كان هذا هو موقف الأوساط الواسعة من قوى وشخصيّات المعارضة الإيرانية في الداخل والشتات.
أصوات هذه القوى التي تناوئ النظام هي أكثر فاعليّة ومسؤوليّة وإخلاصاً من صياح ونعيق الموالين المأجورين المجرّدين من الهويّة الوطنيّة العراقية. فالمعارضة إذ تعلن الولاء لوطنها والدفاع عن سيادته واستقلاله، فإنّها تتعالى على جراحاتها وضيمها وما تتعرّض له من كبت وحرمان وعسف وإقصاء.
ليس عبثاً أنّ شعار “انتصرنا” بعد كلّ هزيمة وانكسار كان يمهّد لهزيمة وانكسار جديدين، لأنّ مثل هذا الشعار ينطوي على شعور بالرضا الخادع، ويغري بالاكتفاء، ويدفع إلى المزيد من الانحدار
تبصُّر بالأسباب والعوامل
لم يُخضع العراقيون الوطنيون، الذين شجبوا العدوان الإسرائيلي وانحازوا للوقوف إلى جانب إيران المعتدى عليها، موقفهم لما يعايشونه من تدخّل سافر في شؤون بلدهم منذ إسقاط الدكتاتورية الصدّاميّة، وتحكّم وهيمنة على مقدّرات البلاد من خلال زمرة معزولة مدجّجة بسلاح منفلت خارج الدولة، وميليشيات مكرّسة لمواجهة أيّ تحرّك شعبي في إطار القانون، كما كان عليه الحال في انتفاضة تشرين، بقوّة السلاح والتصفيات الجسدية، دون أن تخفي ولاءها لإرادة خارج الحدود والدفاع عن مصالح لا علاقة لها بالمصالح الوطنيّة العليا للعراق.
لا تستقيم مواجهة النتائج الكارثية للعدوان الإسرائيلي على الجارة إيران وشعبها بالشعارات المجرّدة من الحقيقة، بل بالتوقّف عند الحقائق والمعطيات الملموسة. ولا يعني ذلك إشاعة روح الاستسلام والهزيمة والإحباط في أوساط الشعب والقوّات المسلّحة، بل تبصيرها بأسباب وعوامل ما ترتّب على الحرب من خسائر وضحايا ونكبات، وما يتطلّبه ذلك من مواجهة النتائج السلبية عبر تعبئة القوى لتحرير إرادة الشعب والاعتماد على قواه الوطنية الحيّة والارتقاء بمستوى استعدادها لمواجهة أيّ تحدٍّ يستهدف سيادتها واستقلالها ومصالحها العليا. ويستلزم أيضاً العودة إلى مسار يحترم إرادة الشعوب والبلدان الأخرى المجاورة وسواها، والتوقّف عن التدخّل في شؤونها تحت أيّة شعارات مخادعة تخفي ما يتناقض مع ادّعاءاتها، وفي مقدَّم ذلك الإقرار بأنّ الدولة المعافاة المنافية للاستبداد هي الإطار القادر على ردع أيّ عدوان، بل إقامة علاقاتٍ صداقة أو تحالف، وليس الاعتماد على شراذم ميليشياويّة مأجورة خارج سلطة الدولة وسيطرتها.
إقرأ أيضاً: شماتة إيرانيّة بلبنان!
للأسف، ظلّت الحركات الكبرى في البلدان العربية، وفي مقدَّمها الأحزاب الشيوعية، على الدوام تختم بياناتها بالعبارة الشهيرة: “وعلى الرغم من الخسائر والانتكاسات، لم تستطع الإمبريالية والرجعية وعملاؤهما تحقيق كامل أهدافهم”، من دون أن نسأل: هل كنّا نحن أيضاً عاجزين عن تحقيق أيّ من أهدافنا؟
ليس عبثاً أنّ شعار “انتصرنا” بعد كلّ هزيمة وانكسار كان يمهّد لهزيمة وانكسار جديدين، لأنّ مثل هذا الشعار ينطوي على شعور بالرضا الخادع، ويغري بالاكتفاء، ويدفع إلى المزيد من الانحدار.