في ظل اشتداد التوترات الدولية بشأن الملف النووي الإيراني، تتجه العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية نحو طريق مسدود، بعد أن وافق مجلس صيانة الدستور في إيران على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة.
وأشار المجلس إلى أن الحكومة ملزمة بتعليق جميع أشكال التعاون مع الوكالة، في إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ونظام الضمانات التابع لها، إلى حين تحقق شروط تضمن “الاحترام الكامل لسيادة إيران وسلامة أراضيها، وتأمين المنشآت والعلماء النوويين، واحترام حقوق إيران الأساسية، وفي مقدمتها حقها في تخصيب اليورانيوم داخل البلاد”، كما ورد في المادة الرابعة من المعاهدة.
وكان البرلمان الإيراني قد صوّت لصالح مشروع القانون الذي يعلّق التعاون موقتاً مع الوكالة الدولية. وجاء القرار وسط انتقادات حادة من طهران للوكالة، متهمةً إياها بعدم إدانة الضربات الإسرائيلية ضد إيران، وبالتقصير في التزامها بالتعهدات النووية.
حق الانسحاب
في هذا الإطار، يُقدّم الدكتور مصطفى إسماعيل الشامية، أستاذ الدراسات العليا في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، تحليلاً قانونياً يشرح فيه أبعاد الموقف الإيراني في ضوء المعاهدات الدولية والتطورات السياسية المتسارعة.
ويقول الشامية لـ”النهار”: “إيران دولة وقّعت وصدّقت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1968، والتي دخلت حيّز التنفيذ في 1970. وبموجب هذا الالتزام القانوني، فهي ملزمة بفتح منشآتها أمام التفتيش الدولي للتأكد من أن أنشطتها النووية مخصصة للأغراض السلمية فقط”.
ويضيف: “القانون الدولي يتيح لجميع الدول استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، وهذا ما تسعى الوكالة الدولية إلى مراقبته. ورغم أن هناك اتفاقية دولية أخرى صدرت عام 2017 لحظر الأسلحة النووية، إلا أن إيران ليست طرفاً فيها. لكنها طالما بقيت ضمن اتفاقية 1968، فإنها مُلزمة بفتح منشآتها للمفتشين الدوليين”.
ويتابع الشامية: “عدم قبول إيران بفتح مفاعلاتها أمام التفتيش يُعد خرقاً للاتفاقية، إلا أن المادة العاشرة من معاهدة 1968 تتيح لأي دولة الانسحاب منها بشرط توافر ظرف استثنائي يهدّد مصالحها العليا”. ويوضح: “يمكن لإيران الادعاء بأن مصالحها العليا تعرضت للخطر، وتبلغ الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بنيّتها الانسحاب، قبل ثلاثة أشهر من التنفيذ”.
مشاركة واشنطن بالضربات على إيران زاد التوترات (وكالات)
مشاركة واشنطن بالضربات على إيران زاد التوترات (وكالات)
التصعيد بعد الضربات النووية
في ضوء الضربات التي طالت منشآت نووية إيرانية، يقول الشامية: “نحن أمام مشهد تفاوضي يمتد منذ أكثر من عقدين، وكانت المقاومة المنتشرة في بعض الدول العربية قد ساعدت سابقاً في فرض توازن ردع لصالح إيران، لكنه بدأ بالتآكل مع تطورات القضيتين الفلسطينية واللبنانية، وضرب المفاعلات الإيرانية أخيراً”.
ويضيف: “استهداف منشآت فوردو وأصفهان ونطنز بدعم أميركي يضع إيران أمام خيارين: إما الانسحاب من الاتفاقية، ما سيُفهم على أنه توجّه نحو تطوير السلاح النووي، أو البقاء ضمنها مع رفض التفتيش، وهو ما يعني خرقاً صريحاً للقانون الدولي”.
منشأة نووية إيرانية (وكالات)
منشأة نووية إيرانية (وكالات)
ازدواجية المعايير
ويؤكد الشامية أن “الولايات المتحدة تمارس ازدواجية واضحة في المعايير، ما يهدد الأمن والسلم الدوليين. فلا يمكن فرض الرقابة الدولية على دول دون أخرى. والسؤال المشروع هنا: ماذا عن البرنامج النووي الإسرائيلي؟”.
ويضيف: “إذا قبلنا اليوم بفرض الرقابة على دولة عربية أو إسلامية بعينها، فسنفتح الباب لتوسيع هذا النموذج على دول أخرى. وعلى إيران أن تسارع إلى تسوية خلافاتها مع الدول العربية، لأن الضغوط عليها تتزايد وقد تتحول إلى استهداف مباشر لبرنامجها النووي”.
ويخلص الشامية إلى القول إنّ “الاستراتيجيات الغربية، خصوصاً الأميركية والإسرائيلية، ستسعى إلى استغلال أي ثغرة في السياسة الإيرانية لتبرير تصعيد دولي. وإذا لم تبادر طهران إلى بناء علاقات مستقرة مع الدول العربية المحيطة بها، فقد تجد نفسها في عزلة خانقة”.
وعن قدرة إيران على فرض ردع عبر التهديدات الاقتصادية، يقول الشامية: “من المستبعد أن تحقق إيران معادلة ردع شبيهة بما حصل عام 2000 أو 2002. أي ردع قد يتحقق سيكون موقتاً، وستسارع القوى الكبرى إلى استصدار قرارات من مجلس الأمن، لا سيما أن الدعم الروسي حتى الآن لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجه طهران”.
معادلة مفتوحة
ويختم الشامية بالتحذير من أن “استمرار الموقف الروسي والصيني على حاله، وبقاء السيطرة الأميركية الأحادية على منطقة الشرق الأوسط، سيجعل من إيران الطرف الأكثر تضرراً في أي مواجهة مقبلة”.
وفي ظل التصعيد المتبادل، تتزايد المخاوف من انزلاق نحو مواجهة إقليمية كبرى. فهل تظل طهران ضمن الإطار القانوني للمعاهدات الدولية، أم تتجه نحو خيارات أكثر حدّة وخطورة؟
المعادلة لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.