يجب وقف الهجمات الإسرائيلية أولا
دمشق- اختارت سوريا الرد بشكل غير مباشر على الحديث المتزايد عن إمكانية التطبيع مع إسرائيل، بالتذكير باتفاق فض الاشتباك لسنة 1974، في رسالة مفادها أن سوريا تريد حاليا تثبيت الحد الأدنى من الأمن والسيادة على أراضيها، قبل أيّ حديث عن علاقات طبيعية أو انفتاح سياسي.
ولم تعلن سوريا رفضها الصريح للتطبيع، لكنها تستخدم لغة دبلوماسية ذكية حيث تقترح العودة إلى اتفاق عسكري قديم لتقول إن العلاقة مع إسرائيل لا تزال في حالة هدنة مؤقتة، دون الدخول في مواجهة علنية مع إسرائيل أو بعض الدول العربية التي اختارت التطبيع.
ومنذ توقيع اتفاق فض الاشتباك قبل 50 عاما ظلت الجبهة السورية الإسرائيلية هادئة نسبيا، رغم التوترات، لكن خلال السنوات الأخيرة كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية داخل سوريا بحجة استهداف مواقع إيرانية أو تابعة لحزب الله، وهو ما تعتبره سوريا تجاوزا لبنود الاتفاق.
لم تعلن سوريا رفضها الصريح للتطبيع، لكنها تستخدم لغة دبلوماسية ذكية حيث تقترح العودة إلى اتفاق عسكري قديم لتقول إن العلاقة مع إسرائيل لا تزال في حالة هدنة مؤقتة
وفي أحدث الاعتداءات، نفَّذت قوات إسرائيلية إنزالا جويا فجر الجمعة، في منطقة يعفور على بعد 10 كيلومترات جنوب مركز العاصمة السورية دمشق، لم تعرف أسبابه بعد.
ويقول مراقبون إن سوريا لا تبدو معنية الآن بأيّ مسار سياسي نحو التطبيع، بقدر ما تسعى إلى وقف الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أراضيها، لذلك فإن التذكير باتفاق فض الاشتباك يأتي كخطاب دفاعي هدفه إعادة تثبيت قواعد الاشتباك القديمة، لا فتح صفحة جديدة مع تل أبيب.
وأعلنت سوريا الجمعة عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فضّ الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974، على ما أفاد بيان لوزارة الخارجية، بعدما أعربت إسرائيل عن اهتمامها بـ”تطبيع” العلاقات مع دمشق.
وأقرّت السلطات السورية الانتقالية منذ وصلت إلى الحكم في ديسمبر بحصول مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، تقول إن هدفها احتواء التصعيد، بعدما شنّت الدولة العبرية المئات من الغارات على الترسانة العسكرية السورية وتوغلت قواتها في جنوب البلاد عقب الإطاحة ببشار الأسد من الرئاسة.
ومنذ وصوله إلى الحكم، أكد الرئيس أحمد الشرع أن سوريا لا ترغب في تصعيد أو صراع مع جيرانها. ودعا لاحقا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف هجماتها. ولا تزال سوريا وإسرائيل رسميا في حالة حرب منذ العام 1948.
pp
وأورد البيان الذي نشر الجمعة على حساب وزارة الخارجية في موقع “إكس” أن الوزير أسعد الشيباني أعرب خلال اتصال مع نظيره الأميركي ماركو روبيو عن “تطلع سوريا للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974،” مشيرا إلى أن الجانبين ناقشا “الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب السوري”.
وتربط دمشق هدف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بالعودة إلى تطبيق اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، لناحية وقف الأعمال القتالية وإشراف قوة من الأمم المتحدة على المنطقة منزوعة السلاح الفاصلة بين الطرفين.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك قوله الخميس إن “سوريا وإسرائيل تجريان محادثات جدّية عبر وساطة الولايات المتحدة تهدف إلى استعادة الهدوء على حدودهما”.
لكن إسرائيل أعربت عن اهتمامها بـ”التطبيع” مع دمشق، في تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر.
سوريا لا تبدو معنية الآن بأيّ مسار سياسي نحو التطبيع، بقدر ما تسعى إلى وقف الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة على أراضيها
وقال ساعر الاثنين إن لدى بلاده “مصلحة في ضم دول جديدة، مثل سوريا ولبنان” إلى “دائرة السلام والتطبيع،” مشدّدا على أن هضبة الجولان التي احتلت إسرائيل أجزاء منها في العام 1967 قبل ضمها في العام 1981، ستبقى “جزءا لا يتجزأ” من إسرائيل في أيّ اتفاق سلام محتمل.
وتعليقا على ذلك، قال مصدر رسمي سوري الأربعاء إن التصريحات عن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل “سابقة لأوانها،” كما نقل التلفزيون الرسمي السوري.
وأضاف المصدر “لا يمكن الحديث عن احتمالية التفاوض حول اتفاقيات جديدة إلا بعد التزام الاحتلال الكامل باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وانسحابه من المناطق التي توغّل فيها”.
وخلال حرب أكتوبر في العام 1973، استولت إسرائيل على جزء إضافي من هضبة الجولان تبلغ مساحته حوالي 510 كيلومترات مربعة، لكنها انسحبت منه في عام 1974 بموجب اتفاق فضّ الاشتباك الذي نص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد على نحو 80 كيلومترا.
وأفاد بيان الخارجية كذلك عن توجيه واشنطن دعوة “لوزير الخارجية السوري لزيارة واشنطن في أقرب وقت.” وأعربت واشنطن بحسب البيان عن “رغبتها” في إعادة فتح سفارتها في دمشق.
وتابع البيان “جرى الحديث حول مشاركة الرئيس السوري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.” ولم تؤكد الأمم المتحدة بعد مشاركة الرئيس الانتقالي في اجتماعات الجمعية العامة.
وأشار إلى أن الطرفين تطرقا إلى “التهديد الإيراني في سوريا،” بحيث “أعربت دمشق عن قلقها المتزايد إزاء محاولات إيران التدخل في الشأن السوري، خصوصا في أعقاب الضربات التي تعرضت لها طهران مؤخرا”.
وكان لطهران نفوذ كبير في سوريا سياسيا وعسكريا في إطار دعمها لحكم الرئيس المخلوع بشار الأسد خلال فترة النزاع الذي اندلع في العام 2011.