:
تعلن كل من إيران وإسرائيل انتصارهما في الحرب التي اندلعت في حزيران. ومع ذلك، هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن أياً من البلدين لم يحقق نصراً حاسماً. لماذا يبدو أن هناك صداماً آخر وشيكاً؟ ومتى سيبدأ هذا الصراع بالتحديد؟ وكيف يستعد الجيشان لذلك؟
بدأت إسرائيل الحرب مع إيران في أفضل الظروف الممكنة: مفاجأة استراتيجية، طيران عالي التقنية، عملاء ومخرّبون على الأراضي الايرانية، مساعدة فعّالة من الولايات المتحدة، ودعم من دول أخرى سمح للإسرائيليين باستخدام مجالها الجوي. كانت عملية إسرائيل فعّالة للغاية؛ بحيث أصابت جميع الأسلحة أهدافها، وتم تمزيق الدفاع الجوي الايراني تماماً. على الرغم من خسارة بعض الطائرات من دون طيار، لم تُسجل خسائر في الطائرات أو الطيارين. كان الضرر الذي ألحقته إسرائيل بإيران أكبر بكثير مما ألحقته إيران باسرائيل.
إخفاق إسرائيل وهزيمة إيران
لكن للأسف، لم تتحقق أهداف إسرائيل. فعلى الرغم من الدعاية الاسرائيلية، تمكنت إيران من إزالة بعض اليورانيوم المخصب من منشأة فوردو، كما يتضح من صور الأقمار الاصطناعية. ولا دليل على بقاء اليورانيوم تحت الأرض، وليست هناك بيانات عن الأضرار، لأن الإيرانيين بحكمة لم ينشروا أي معلومات. في حال تدمير منشآت تخزين اليورانيوم، كان من المتوقع أن تظهر تسربات إشعاعية، لكنها لم تُلاحظ.
نتيجة لذلك، قطعت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستواصل تخصيب اليورانيوم في المستقبل. وتشير المخابرات الأميركية إلى أن المكونات الرئيسية للبرنامج النووي الايراني لم تُدمَّر، كما نجا النظام السياسي في إيران. كانت الحرب أشبه بفيلم سينمائي، لكن شارة النهاية لم تظهر بعد.
الوضع الراهن: عدم الحسم
على الرغم من أن إسرائيل لم تحقق أهدافها، إلا أنها نجحت في منع إيران من التفاوض في المستقبل. من ناحية أخرى، يبدو أن الموقف الأميركي يشير إلى عدم رغبة الولايات المتحدة في القتال نيابة عن إسرائيل. وقد أظهرت الغارات الاسرائيلية بوادر واضحة على أنها مجرد استعراض للقوة، وكان الهدف منها إظهار اللوبي الاسرائيلي في أميركا أن الولايات المتحدة لم تقف مكتوفة الأيدي، وضغط الايرانيين لوقف إطلاق النار.
هذه ليست هزيمة لإسرائيل، فقد اكتسبت خبرة قتالية، وخسائرها كانت ضئيلة، لكنها ليست انتصاراً أيضاً. إضافة إلى ذلك، أدرك الاسرائيليون حدود قدراتهم العسكرية. إذا استمر تبادل الصواريخ، فإنهم قد يواجهون حرب استنزاف، ما سيؤدي إلى انهيار إيران في غضون ثلاثة أشهر، بسبب استحالة تجديد ذخيرة أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة الطيران عالية الدقة.
الهزيمة الايرانية
أما بالنسبة الى إيران، فالوضع يمكن وصفه بالهزيمة بالتأكيد. انتهى الأمر بالايرانيين إلى وضع أسوأ مما كانوا عليه قبل الحرب.
الهجوم الاسرائيلي كشف للعالم حقيقة القدرات العسكرية الايرانية. قبل الحرب، كانت إيران تبدو أقوى بكثير مما هي عليه الآن. الهجوم قوّض مكانتها السياسية. أضاعت طهران الفرصة عندما سحقت إسرائيل “حزب الله” اللبناني، ثم انهارت سلطة بشار الأسد في سوريا. الآن، حتى ورقة القدرات العسكرية الايرانية قد انهارت.
الوضع داخل إيران مشابه؛ يمكن لآية الله خامنئي أن يعلن النصر على إسرائيل والولايات المتحدة كما يشاء، لكن الشعب الايراني يدرك الحقيقة ويمكنه المقارنة. لقد تبين أن سنوات طويلة من الدعاية لعظمة إيران وقوتها لم تحقق النجاح المنتظر. هذه النتائج ستكون لها عواقب سياسية وخيمة على إيران.
بما أن أهداف إسرائيل لم تتحقق، وإيران تعرضت لإذلال كبير، فإن الوضع الذي كان سائداً قبل الحرب لم يُحسم بعد، ما يعني أن حرباً جديدة بين البلدين هي مسألة وقت فقط.
ماذا ستفعل إيران وإسرائيل في المستقبل؟
فكرة أن إيران قد تهاجم إسرائيل تعتبر ضرباً من الجنون، أو مجرد دعاية حربية إسرائيلية. إيران ليست في وضع يسمح لها بذلك. لا تمتلك قوة جوية حقيقية، وعلى الرغم من وصول بعض الصواريخ إلى إسرائيل، فإن معظمها أُسقط، كما أن ولاء السكان للإيرانيين قد تضاءل. لذلك، لا فائدة من مهاجمة إسرائيل في هذا الوقت من الناحية الفنية. كما استنفدت إيران أدواتها لشن حرب غير متكافئة ضد إسرائيل، مثل “حزب الله”، ولم يعد لديها من يدير عملياتها العسكرية التقليدية شبه الفدائية.
لكن ما ستفعله إيران بالتأكيد هو الاستعداد للعدوان الاسرائيلي القادم، وأولاً، سيتم تحسين ترسانتها الصاروخية. من المرجح أن تعيد إيران تنظيم قواتها الصاروخية لتتمكن من اختراق الدفاعات الجوية الاسرائيلية بفعالية أكبر. الهدف هو شن حرب استنزاف فعالة، وهو ما لا تستطيع إسرائيل مواجهته بسهولة.
الهدف الثاني هو استمرار تخصيب اليورانيوم. بموجب الاتفاق النووي السابق، كان لإيران الحق في تخصيب 300 كيلوغرام من اليورانيوم بنسبة 3.7%. بعد انسحاب الأميركيين من الاتفاق، رفعت إيران جميع القيود. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اعتباراً من أوائل شباط 2025، قامت إيران بتخصيب كمية كبيرة من اليورانيوم، من 2% حتى 60%. ومن المحتمل أن تحتفظ إيران بوضع “الحد الأدنى”، أي عدم إنتاج سلاح نووي ولكن الاستمرار في تجميع المواد اللازمة لذلك كأداة ضغط ديبلوماسي.
مهمة إسرائيل ستكون أكثر صعوبة في المرحلة القادمة. للقيام بضربة ثانية، يجب عليها الاستعداد لصد الهجمات الصاروخية الايرانية بصورة أكثر فعالية. من الضروري بناء مخزون من الصواريخ المضادة لعشرات الأيام من الصراع، وهذا أمر مكلف ويستغرق وقتاً. كما أن إسرائيل بحاجة إلى استعادة شبكة العملاء في إيران، ما سيساعد على تقليل الاجراءات المضادة التي قد يتخذها الايرانيون، الذين تعلموا من هذا الهجوم.
كيف ستسير الحرب الجديدة بين إسرائيل وإيران؟
من المتوقع أن تعزز إيران قدراتها الصاروخية بصورة نوعية هذا العام، ما سيزيد من قدرتها على شن حرب استنزاف. ستخزن إسرائيل أيضاً أسلحة عالية الدقة وصواريخ مضادة للطائرات لعدة أشهر على الأقل. كلما زاد مخزون إسرائيل، زادت فرص شن هجوم ثانٍ على إيران.
بحلول الخريف، تبقى الهجمات المنفردة واردة، وفي أيلول، سيبدأ احتمال شن هجوم شامل في التزايد. من المرجح أن تكون إسرائيل مستعدة لشن هجوم في العام المقبل، وإذا حصلت على ضمانات بالمساعدة العسكرية من الولايات المتحدة، فإن الهجوم قد يبدأ في وقت أقرب، ربما بنهاية هذا العام.
إذا استخدمت إسرائيل أسلحة نووية في هذا الهجوم، فإن إيران ستسعى على الأرجح الى تصنيع أسلحة نووية خاصة بها بعد “الجولة الثانية” من الحرب، ولن يكون لديها ما تخسره.
ستكون فعالية الضربات الصاروخية الايرانية في الحرب الثانية أعلى من المرة الأولى، لأن إيران ستأخذ في الاعتبار تجربة الهجوم الأول. وفي المقابل، ستكون فعالية الدفاع الجوي الاسرائيلي أقل بكثير، بحيث أنها لن تتمكن من استعادة جاهزيتها بسرعة. ستكون معنويات الشعب الايراني أعلى من المرة الأولى، بحيث أن الهجوم الجوي لن يُسبب له صدمة كبيرة.
من المتوقع أن تتدخل الولايات المتحدة في الصراع كطرف غير مُقاتل، كما فعلت في المرة الأولى. أما كطرف مُقاتل، فلن تفعل ذلك إلا إذا بدأت إسرائيل تخسر حرب الاستنزاف. مع الهجمات الأميركية الممنهجة، ستبدأ إيران بضرب قواعدها العسكرية من دون سابق إنذار. فانّ نتائج أي حرب غير متوقعة، حتى في حالة الاستعداد الكامل، لكن من المؤكد أن إسرائيل قد أثبتت أنها أفضل استعداداً للحرب من جميع جيرانها في الشرق الأوسط.