ملخص
اجتماع قصير جداً عبر الفيديو لمجموعة الثماني في “أوبك+” يوم السبت الماضي قررت الدول الأعضاء فيه رفع سقف الإنتاج بمقدار أربعة أضعاف ما كان مقرراً سابقاً، لتصل إلى 548 ألف برميل يومياً، فوق الزيادات السابقة.
سقف الإنتاج والصادرات: توضيح
– هناك 3 تخفيضات منذ عام 2022: خفض قامت به دول “أوبك+” في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو مستمر حتى نهاية عام 2026. وخفض طوعي قامت به مجموعة الدول الثماني في “أوبك+” في أبريل (نيسان) 2023 بمقدار 1.6 مليون برميل يومياً، وهو مستمر حتى نهاية 2026. وخفض طوعي آخر أقرته مجموعة الثماني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. تخلل هذا تخفيضات طوعية إضافية من السعودية قصيرة المدة مثل خفض مليون برميل يومياً في شهر يوليو (تموز) 2023. كان من المفروض أن تجري عودة خفض مجموعة الثماني الأخير الذي أقر في نوفمبر 2023 للأسواق في أسرع وقت ممكن، ولكن أوضاع السوق لم تساعد بسبب انخفاض نمو الاقتصاد الصيني وعوامل أخرى، فقامت “أوبك” بتأجيل زيادة الإنتاج مرات عدة حتى قررت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن تبدأ تدريجاً بإعادة الكميات المخفضة للأسواق ابتداء من أبريل (نيسان) 2025 وعلى مدى 18 شهراً. وفعلاً بدأت بالزيادة بمقدر 138 ألف برميل يومياً في شهر أبريل، ثم قررت مضاعفة هذه الزيادة بمقدار ثلاث مرات في مايو (أيار) إلى 411 ألف برميل يومياً، وكررت ذلك في يونيو (حزيران) ويوليو. وفي يوم السبت الماضي قررت رفع الزيادة أربعة أضعاف إلى ألف برميل يومياً في شهر أغسطس (آب) لتلبية الطلب المتزايد على النفط وبسبب انخفاض المخزونات، كما ذكر في البيان الصحافي. التوضيح هنا أن هناك ثلاثة تخفيضات، واحد منها من “أوبك+” واثنان من مجموعة الثماني، وما تم إرجاعه إلى السوق هو الخفض الأخير من مجموعة الثماني. لهذا فإن قول بعض وسائل الإعلام إن “أوبك+” قررت زيادة الإنتاج غير صحيح، من قرر هو مجموعة الثماني.
– رفع “سقف الإنتاج” شيء ورفع “الإنتاج” شيء آخر، قبل مولد تحالف “أوبك+” في عام 2016، كانت “أوبك” منذ عام 1982 تركز على الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء. وبعد ولادة “أوبك+”، انتقل النظام نفسه لها، إذ إن التركيز على الحصص الإنتاجية. من المعروف أن أية دولة عضو يمكن أن تنتج بأقل من حصتها الإنتاجية كما هي حال عدد من الدول التي تعاني مشكلات فنية أو سياسية، أو تنتج بأكثر من حصتها الإنتاجية كما رأينا في عام 2024 مع العراق وكازاخستان وروسيا، أو أن تلتزم بعض الدول بحصصها الإنتاجية كما فعلت السعودية وغالب دول الخليج. الأرقام التي أعلنت مجموعة الثماني زيادتها منذ شهر أبريل تتعلق بالحصص وسقف الإنتاج، وليس الإنتاج الفعلي. التوضيح هنا أن الكميات التي أعلنت هي سقف للزيادة، ولكن جزء من هذه الزيادة لن يترجم إلى زيادة فعلية في الإنتاج، لأن بعض الدول لا تستطيع ذلك.
– كما ذكرت في الأسبوع الماضي، ما يهم الأسواق هو كمية إمدادات النفط وليس الإنتاج. بعبارة أخرى، ما يهم هو الصادرات. وعلى رغم زيادة سقف الإنتاج في أبريل ومايو، إلا أن الصادرات انخفضت. وعلى رغم الزيادة في شهر يونيو، إلا أنها أقل بكثير من الزيادة في سقف الإنتاج، وهي أعلى بكمية قليلة من إنتاج شهر مارس، قبل البدء بزيادة سقف الإنتاج.
– هناك فرق بين توقعات زيادة الإنتاج من دول خارج “أوبك+” وإنتاجها الفعلي، والفرق نفسه الذي ذكر أعلاه عن الفرق بين الإنتاج والصادرات ينطبق هنا أيضاً. هناك أمران جرى تجاهلهما من المحللين الذي قالوا إن زيادة إنتاج مجموعة الثماني ستخفض أسعار النفط بصورة كبيرة، الأول هو الانخفاض الكبير في صادرات الولايات المتحدة وفنزويلا والبرازيل والإكوادور، والثاني أن النمو في الإنتاج الأميركي أقل من المتوقع بكثير.
اجتماع قصير جداً عبر الفيديو لمجموعة الثماني في “أوبك+” يوم السبت الماضي قرروا فيه رفع سقف الإنتاج بمقدار أربعة أضعاف ما كان مقرراً سابقاً، لتصل إلى 548 ألف برميل يومياً، فوق الزيادات السابقة. هذا يعني أنه جرى رفع سقف الإنتاج بنحو 1.920 مليون برميل يومياً، وما تبقى من التخفيضات نحو 280 ألف برميل يومياً فقط. ولأن ما تبقى كمية صغيرة فإنه يتوقع أن يكون هناك رفع بتلك الكمية لشهر سبتمبر (أيلول).
يوم الأحد أعلنت أرامكو أسعار البيع الرسمية، إذ رفعت سعر الخام العربي الخفيف لشهر أغسطس بمقدار دولار واحد إلى 2.20 فوق متوسط خامي عمان ودبي، وإلى أوروبا بمقدار 1.40 دولار فوق خام برنت ليصل إلى 4.65 دولار للبرميل، وإلى الولايات المتحدة بمقدار 0.40 دولار للبرميل ليصل إلى 3.90 دولار للبرميل فوق مؤشر “أرغوس”. هذا الرفع الكبير يؤكد ما ذهبت إليه المجموعة في تصريحها الصحافي من أن أسواق النفط تحتاج إلى مزيد من الإمدادات، ويدل على ذلك انخفاض المخزونات.
رد فعل السوق
هناك مجموعات إعلامية وبعض المحللين الذين ينظرون لتصرفات دول “أوبك+” بصورة سلبية مهما كان القرار، ولهم تاريخ طويل في ذلك. رد فعل هؤلاء تمثل في أن زيادات الإنتاج ستخفض الأسعار، وأن هذه القرارات لها أهداف غير معلنة. وهناك مجموعة من المحللين الذين يرون أن زيادات الإنتاج ستخفض الأسعار لوجود تخمة في السوق، بخاصة في الربع الرابع من العام، ولكن انخفاض الأسعار محدود مقارنة بما تراه المجموعة الأولى. وهناك قلة، ومنهم كاتب هذه المقالة، من يرى أنه لا بد من التخلص من التخفيضات الطوعية لأنها أصبحت عبئاً على التحالف، وأن الزيادة الحقيقية في الإمدادات أقل بكثير من كميات رفع سقف الإنتاج، ومن ثم فليس هناك مسوغ لانخفاض الأسعار، خصوصاً أن إنتاج كازاخستان والعراق وصل إلى أوجه تقريباً.
مع افتتاح الأسواق الآسيوية صباح الإثنين انخفضت أسعار النفط بحدود 1.3 في المئة، ولكن خسائر الأسعار تقلصت حتى تلاشى الانخفاض وقت كتابة هذه المقالة، هذا يؤكد رأي المجموعة الثالثة المذكورة أعلاه.
ولكن ماذا سيحدث مع انتهاء فصل الصيف؟
كما ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي فإن أحد أسباب عدم انخفاض أسعار النفط مع رفع سقف الإنتاج وانخفاض صادرات دول “أوبك” في شهري أبريل ومايو، وكون الزيادة في يونيو محدودة هو الحج في السعودية وزيادة الاستهلاك المحلي في دول “أوبك+” أثناء فصل الصيف. الآن الحج انتهى، وفصل الصيف سينتهي بنهاية شهر سبتمبر. ماذا يحصل بعدها؟ هذه الكميات التي كانت تستهلك محلياً ستصبح جاهزة للتصدير، فتزيد الإمدادات وتنخفض الأسعار. بصورة عامة تقوم الشركات بعمليات الصيانة الدورية مع انتهاء فصل الصيف، لذلك فإنه لن يجري تحويل كامل الكمية التي كانت تستهلك في الصيف من الاستهلاك المحلي للصادرات.
وعادة ما ينخفض الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من العام، فماذا سيحصل في الربع الأول من 2026؟ نظرياً، سيكون هناك فائض في المعروض إلا إذا قامت مجموعة الثماني بخفض موقت للإنتاج. ولكن الأمل أن تتوقف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وأن يجري الوصول إلى اتفاق شامل يجري فيه خفض الضرائب الجمركية بصورة كبيرة. سينتج من ذلك نمو اقتصادي في كلا البلدين يرفع الطلب على النفط ويعوض عن الانخفاض الفصلي، ومن ثم لا تنخفض الأسعار.
خلاصة الأمر أن هناك تخوفاً من انخفاض أسعار النفط في الربع الرابع، بسبب زيادة المعروض مع تحويل كميات من النفط من الاستهلاك المحلي للصادرات، وانخفاضها الأسعار في الربع الأول بسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط فصلياً. هذا لن يحصل إذا قامت مجموعة الدول الثماني بتقييد الإنتاج موقتاً، وقامت الشركات بصيانة دورية تخفض الإنتاج بصورة ملاحظة، وإذا زاد الطلب بسبب إنهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. على الصعيد السياسي لا يتوقع خلال هذه الفترة انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية أو الأزمة مع إيران أو مشكلات الملاحة في البحر الأحمر. بعبارة أخرى، سيبقى الوضع السياسي كما هو عليه الآن.