لا هويّة جديدة لسورية. هويّتها الباقية، المستمرّة، الوهّاجة، أنها عربيةٌ إسلاميةٌ، شعبُها متنوّع متعدّد، منفتحة، يتعاقد فيها مواطنوها مع الدولة على المواطنة، يعتزّون بأصالة انتسابهم إلى بلدهم، من دون تعصّبٍ أو فوقية، يفخرون بحضارة بلدهم الذي أغنى الإنسانية بما ساهم به من علومٍ ومعارف وفنون. يساهمون جميعاً في تعمير دولتهم، ويقيمون حقوق كل سوري وحرّياته أساساً لا يتسامحون مع أيّ تبخيسٍ منه. ويتطلّعون، دوماً، إلى تمتين قوة وطنهم، وتسييجه بما يلزم من إمكانات المنعة والحماية. … ليس من تعريفٍ جامعٍ لمفهوم الهوية، سيّما وأن المنظّرين الذين خاضوا فيه جاءوا على ممكنات التحوّلات والتغيرات فيه بشأن هذه الأمة أو تلك. ولهذا، لا يزعم صاحب هذه الكلمات أنه بتقدمته هذه أوفى هوية السوريين جميع مضامينها، وكل شروطها. غير أن في الوُسع حسم الثوابت الراسية، وأولها عروبة سورية التي تأتلف مع كرديّة سوريين منها، وتتكامل مع أي قوميةٍ أو إثنيةٍ أو منبتٍ لأيٍّ من مواطنيها، فتتيسّر فيها كل التعبيرات الثقافية لهم جميعاً، تحت راية سورية الواحدة الموحّدة. … وأنها دولةٌ إسلامية، بمعنى أنها في الوعاء الحضاري والثقافي الإسلامي الذي لا ينازع التعدّد الديني والمذهبي في البلد الذي كان من أولى مواطن المسيحية. ولمّا قالوا إن سورية قلب العروبة النابض لم يكذبوا أو يتزيّدوا أو يتطاوسوا، إنما هي سورية، شعباً وموقعاً وتاريخاً ودوراً ومكانة، ظلّت وستبقى من عناوين الأمة العربية في السعي إلى تحرير كل أرضٍ عربيةٍ محتلّة، ومنها الجولان وفلسطين، ولا حاجة هنا إلى الإنشائيات المدرسية في هذا، فالسوريون أجلُّ من أن يجري تناول كفاحاتهم الوطنية من أجل استقلال بلدهم، ومن أجل تحرير فلسطين، بل ومن أجل أمتهم أيضاً، بلغة إثبات الثابت، وتأكيد البديهيّ المؤكّد.
إنها هويةٌ أخرى تحتاجها سورية، أن تكون جديدة، بمعنى أن يتجدّد الجمالُ والبهاء فيها، أن تعود بلد الأمن والأمان، والاستقرار والدّعة، أن تستعيد تلك القوّة التي كانت عليها، إبّان كانت صاحبة سهمٍ له اعتباره وجدارتُه في حضور الأمة العربية السياسي والعسكري والثقافي في الإقليم والعالم. سورية المتعبة، التي تحرّرت في يوم 8 ديسمبر (2024) المجيد من أسوأ ظلامٍ عبَر في تاريخها، نحتاج، نحن من غير مواطنيها، إلى أن نراها في موقع القيادة في الأمة، نشتاقُ أن نستعيدها، أن تنفُض عن نفسها تعاساتٍ باهظةً كانت فيها عقوداً. سورية المتجدّدة التي تختار لهويّتها البصرية الجديدة العُقاب الذي يفرد جناحيه قوياً، يضمّ كل السوريين في محافظاتهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم وأريافهم وبواديهم، ليوحي بالإرادة والشكيمة. وفي هذا إنها تختار مسارَها الذي دشّنته بعد يوم الاستقلال الثالث قبل سبعة شهور. وأياً كانت ارتباكاتُ البدايات، وتحفّظاتٌ هنا وهناك على هذا الأداء وغيره، وأياً كانت انتقاداتٌ محقّةٌ لمعالجاتٍ وخياراتٍ تسلكها الإدارة الحاكمة، فذلك كله لا يخصم من قناعتنا بأن تجرية السوريين، وهم يبنون دولتهم الجديدة، يلزمها أن تنجح، وأن يُسعفها بكل عونٍ ودعمٍ (وحبٍّ أيضاً) كل المخلصين من السوريين، وأشقّائهم العرب، وأصدقائهم في كل العالم، من أجل أن تعبُر إلى الأفق الذي يتطلّع إليه أبناء هذا البلد الذي يقيم في أفئدتنا، إلى النموذج الذي ينهض على المواطنة الحقّة، وعلى إقامة العدل والمحاسبة والمساءلة، ولا تتهاون مع أي تجاوزٍ من أيٍّ كان، وفي أي موقعٍ كان.
قد يرى من يرى في كل الكلام أعلاه وعظياتٍ لا طائل من تكرارها، وقد قيلت وانكتبت آلاف المرّات، وليس من تعقيبٍ هنا سوى أنها سورية هي التي تُعلّم من يتعالمون بشأنها. وأهلوها فلاحون وزرّاع وصناعيون وعمّال وشغّيلة وموظفون ومثقفون وأمنيون وعسكريون، ومن في ضفاف السلطة ومن في ضفاف معارضيها، سيضيفون سطوراً أخرى إلى ما سطّره سابقوهم في مسار بلدهم وهو يمضي إلى تحقيق أشواق مواطنيه. وما يقوله لنا العُقاب المذهّبُ، بجناجيه العريضين، في هوية سورية الجديدة، كثيرٌ بعناوينه ورؤاه وحُمولاته … وسنرى البهيج والجميل منه رؤية العين إن شاء الله في مقبل الأيام.