ملخص
في مفارقة فاضحة، رشح بنيامين نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم حرب في غزة، الرئيس الأميركي دونالد ترمب لنيل جائزة نوبل للسلام، بعد أسابيع فقط من شنّه ضربات جوية على إيران رغم تأكيد أجهزة استخباراته أنها لا تطور سلاحاً نووياً. ترشيح رجل يقود حرباً دامية لرئيس يستخدم القنابل كأداة دبلوماسية يجسّد عبثية غير مسبوقة في مشهد السلام العالمي.
تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنبرة رصينة أثناء تنويهه بجهود صانع السلام الجالس أمامه.
فقال نتنياهو “بينما نتحدث، نراه يصنع السلام في بلد تلو آخر، وداخل منطقة تلو الأخرى”. وأضاف وهو ينهض لتسليمه الرسالة “لهذا السبب، أريد أن أقدم لك، سيدي الرئيس، رسالتي إلى ’لجنة جائزة نوبل‘، وفيها ترشيحك للحصول على جائزة نوبل للسلام التي تستحقها، والتي ينبغي أن تحصل عليها”.
بدا التأثر واضحاً على الرئيس دونالد ترمب الذي كان شنَّ قبل أسابيع فقط ضربات جوية على إيران.
فأجاب قائلاً “رائع! أن يصدر ذلك عنك فهذا أمر له معنى كبير بالنسبة إلي”.
بعدها بلحظات، تحدث ترمب عن مسعاه من أجل السلام.
قال الرئيس، متحدثاً عن “الدبلوماسية” التي نال بسببها ترشيحاً لجائزة سبق أن منحت للأم تيريزا ونيلسون مانديلا “لقد ألقينا أكبر القنابل على الإطلاق، باستثناء النووية منها”. [في مفارقة لافتة، قدم ترمب استخدامه للقوة العسكرية كجزء من مسعاه نحو السلام].
وتابع قائلاً “لا أريد أن أقول بماذا ذكرتني هذه الخطوة، لكن إذا عدنا بالزمن بعيداً، فهي ذكرت كثراً بحدث آخر، وصورة هاري ترومان الآن معلقة في الردهة” في تلميح واضح، شبه ترمب استخدامه للقوة بإلقاء القنابل الذرية على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الهجوم الذي أودى بحياة أكثر من 120 ألف مدني.
2.jpg
فلسطينيون يحملون أكياس مواد غذائية وحزم مساعدات إنسانية أوصلتها منظمة غزة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة إلى رفح (أ ب)
المفارقات لا تنتهي
فالرئيس دونالد ترمب تلقى ترشيحاً لجائزة نوبل للسلام بعد أسابيع فقط من شن ضربات عسكرية على دولة كانت أجهزة استخباراته تؤكد أنها لا تطور سلاحاً نووياً. وأقدم على ذلك بعدما دمر بمفرده الاتفاق الدبلوماسي الذي تفاوض عليه سلفه باراك أوباما، والذي كان يؤدي غرضه بنجاح.
بل أكثر، فهو تلقى الترشيح من رجل، لو أنه سلم رسالة الترشيح إلى لجنة نوبل في النرويج بنفسه، لكان عرضة للاعتقال بموجب التزام النرويج، كدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة.
وهذا الترشيح جاء من رجل يقود حالياً حرباً أسفرت عن مقتل أكثر من 55 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وحولت غزة إلى المنطقة الأعلى في العالم من حيث عدد مبتوري الأطراف من الأطفال بالنسبة إلى عدد السكان، خلال وقت دفع فيه الحصار المفروض على المساعدات الحيوية معظم السكان إلى حافة المجاعة.
وباختصار، فإن ترشيح ترمب لجائزة السلام من قبل بنيامين نتنياهو يشبه ترشيح زعيم مافيا خيالي مثل توني سوبرانو لجائزة “عدم خرق القانون”.
لكن ترشيح نتنياهو لا يتعلق بالسلام العالمي بقدر ما يهدف إلى تليين موقف ترمب قبيل محادثات حاسمة تعقد هذا الأسبوع.
3.jpg
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال العشاء الذي جمعه والرئيس دونالد ترمب مساء الإثنين (غيتي)
وكان من المفترض أن تكون هذه الزيارة بمثابة جولة نصر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد تحقيق حلم دام عقوداً بقصف البرنامج النووي الإيراني. وتحقق ذلك بمساعدة ترمب، ومن المرجح أن يحتاج إلى دعمه مجدداً في المستقبل القريب لضمان عدم إعادة بناء ذلك البرنامج.
كما أن علاقة نتنياهو بترمب تمثل ركيزة سياسية يعود إليها كلما احتاج إلى تعزيز موقعه داخل ائتلافه الحاكم المتصدع في الداخل. فقد ذهب ترمب خلال الأسابيع الأخيرة إلى حد المطالبة بإسقاط تهم الفساد عن نتنياهو، رابطاً الدعم الأميركي لإسرائيل بمصير رئيس وزرائها.
ولهذا السبب، حرص نتنياهو على أن يحاط وداعه من تل أبيب بضجة إعلامية كبيرة.
لكن هذا الاستقبال الصاخب لم يكن في انتظاره على الجهة الأخرى.
إذ أدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض من الباب الخلفي الإثنين الماضي، ولم يعلن عن أية فعاليات عامة تجمعه بترمب خلال لقائهما المخصص لمناقشة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ووقف محتمل لإطلاق النار في غزة، واتفاق سلام أوسع مع دول الخليج.
4.jpg
متظاهرون إسرائيليون طالبوا يوم الإثنين، وقبل عشاء رئيس الوزراء نتنياهو مع الرئيس دونالد ترمب بإنهاء الحرب في غزة (أ ب)
وقد رأى بعض في هذا الترتيب مؤشراً إلى أن ترمب ربما يسعى هذه المرة إلى ممارسة مزيد من الضغط على نتنياهو لتحقيق بعض أهدافه.
واللافت أن ترمب ونتنياهو يبدوان، في جوانب عدة، أكثر انسجاماً من أي وقت مضى. فهما خاضا الحرب معاً. لكن العلاقة بينهما خلال العام الماضي كانت في معظمها من طرف واحد، وترمب بدأ يلحظ ذلك.
فقد منح ترمب نتنياهو شيكاً على بياض لاستخدام السلاح الأميركي في غزة دون محاسبة، من دون أن يتكلف حتى عناء الادعاء بأنه يهتم بسقوط المدنيين، بل إنه ذهب إلى حد مجاراة أكثر أحلام اليمين الإسرائيلي تطرفاً، بما في ذلك التطهير العرقي الجماعي للفلسطينيين من غزة.
لكن لترمب خططه الخاصة في المنطقة. فهو يريد البناء على اتفاقات أبراهام التي وقعتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية خلال ولايته الأولى، وبخاصة استمالة السعودية للانضمام إليها.
ويأمل، لأسباب خاصة به لا علاقة لها بمصير الفلسطينيين على الأرجح، في التوصل إلى اتفاق سلام في غزة. غير أن تقدمه في هذا المسار كان محدوداً إلى حد كبير، لأن خطط نتنياهو طغت على أولوياته الخاصة.
على طاولة ترمب ونتنياهو: بارقة أمل لإنقاذ غزة من الدمار والمجاعة
وفي هذا الصدد، لم يتردد ترمب في التعبير عن استيائه. فقبل بضعة أسابيع وجه توبيخاً علنياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب خرقه اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط فيه مع إيران.
وقال عن قادة إيران وإسرائيل “إنهم لا يعرفون ما الذي يفعلونه بحق الجحيم”، في تصريح أثار الدهشة بسبب توزيعه اللوم بصورة متساوية بين الطرفين.
ويقال إن ترمب حريص على استغلال هذه الزيارة للضغط من أجل وقف لإطلاق النار في غزة ووضع حد دائم للحرب، وتعهد بأن يكون “صارماً جداً” مع نتنياهو لتحقيق ذلك. ويبدو أن جزءاً من استراتيجية الضغط هذه يتمثل في حرمانه من الأضواء الإعلامية إلى أن يقدم نتائج ملموسة.
في حال التوصل إلى أي نوع من الاتفاق، أو في حال قدم نتنياهو لترمب ما يكفي ليشعر بأنه حقق نصراً، فتوقعوا مؤتمراً صحافياً مطولاً أكثر من المعتاد، مليئاً بحكايات الحرب وبطولات الجنود، وقنابل خارقة للتحصينات وطيارين مغامرين، وخطاب عن “السلام في زماننا”.
© The Independent