مع سقوط السيطرة المركزية للنظام السوري، برزت المسألة الكرديّة من جديد، لكن هذه المرّة بوصفها تحدّياً جوهريّاً أمام أيّ تسوية شاملة في البلاد. فهل يكون الكرد جزءاً من دولة موحّدة؟ أم يتّجهون نحو صيغة “الخصوصية الدائمة” داخل كيان منفصل فعليّاً؟
على مدى عقود، عانى الكرد من التهميش، إلّا أنّ الثورة السوريّة فتحت أمامهم هامشاً جديداً للحضور، ليس فقط كمكوّن اجتماعي، بل كقوّة سياسية وعسكرية
انقسام في واشنطن… وقلق في تل أبيب
بحسب معلومات خاصّة لـ”أساس”، لا يوجد موقف موحّد من المسألة الكردية داخل أروقة القرار الأميركي، فبينما تدفع بعض الجهات في واشنطن نحو حلّ نهائيّ يتضمّن دمج “قسد” (قوّات سوريا الديمقراطية) في بنية الدولة السورية، ترى أطراف أخرى مدعومة من بريطانيا وألمانيا ضرورة الإبقاء على هذه القوّات مستقلّةً لتُستخدم في موازين القوى الإقليمية.
يُخفي هذا التباين، وإن بدا تقنيّاً، في طيّاته صراعاً أعمق على النفوذ في سوريا، خاصّة في ظلّ تقارب تركي–أميركي قد يغيّر قواعد اللعبة، وتخوّف إسرائيلي متصاعد من اتّساع الدور التركي في مناطق الشمال.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على لسان مبعوث واشنطن إلى سوريا توماس بارّاك، من أبرز الداعمين لدمج “قسد” ضمن مؤسّسات الدولة. لكن بحسب المعلومات، هناك معارضون لهذا التوجّه داخل التحالف الدولي، يرون أنّ “قسد” أداة أكثر فاعليّة عند بقائها خارج الأطر الرسمية، إذ يمكن استخدامها للضغط على النظام أو حتّى على أنقرة.
حزب العمّال يتحوّل… وبارزاني يدخل على الخطّ
في هذا الإطار، شكّل إعلان تحوُّل “حزب العمّال الكردستاني” من الكفاح المسلّح إلى العمل السياسي محطّة فارقة. جاء الإعلان بعد تفاهم تركي–أميركي غير معلن، واعتُبر تمهيداً لتحوّلات أكبر في الملفّ الكردي على مستوى الإقليم.
لكن خلف هذه الخطوة، تتصارع أجندات متناقضة. تعارض إسرائيل بقوّة أيّ مكاسب استراتيجيّة لأنقرة في سوريا. وواشنطن على الرغم من محاولاتها حفظ التوازن لا تزال تفتقر إلى قرار نهائي في هذا الشأن، فيما النظام السوري نفسه يعيش انقسامات داخلية تجعله عاجزاً عن رسم استراتيجية واضحة.
في هذا السياق، يُنظر إلى اتّفاق المبادئ الموقَّع في آذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي في ظلّ رعاية أميركية، كخطوة تكتيكيّة، الهدف منها كسب الوقت إلى حين بلورة تسوية دوليّة أشمل.
معلومات خاصّة لـ”أساس”: لا يوجد موقف موحّد من المسألة الكردية داخل أروقة القرار الأميركي
خطّة من عدّة أشهر… والتّصعيد وارد
بحسب معلومات “أساس”، هناك خطّة زمنيّة تمتدّ على عدّة أشهر، قبل نهاية الصيف، تشمل نزعاً تدريجيّاً لسلاح مقاتلي “حزب العمّال” على الحدود التركية الذين يُقدّر عددهم بنحو 6,000 مقابل موافقة تركية لاحقة على دمج “قسد” ضمن هيكل الدولة السوريّة ليصار بعدها إلى دعوة البرلمان لعقد جلسات خاصّة تبحث ترتيبات المرحلة التالية لـ”إنهاء التمرّد”.
ظهرت البداية الفعليّة لهذه الخطّة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، على الرغم من التوتّر بين “حزب العمّال” من جهة، و”قسد” والإقليم من جهة أخرى. الأكراد في إيران لا يقلّ عددهم عن 7 إلى 8 ملايين نسمة، ولا يزال بعضهم يلوّح بالتصعيد، وتحديداً جناح الحزب في إيران، إذ تشير المعلومات حتّى الساعة إلى نيّة بعض المجموعات الاحتفاظ بسلاحها، وهو ما قد يُعقّد مسار التنفيذ.
مكاسب سياسيّة لإردوغان… وقلق إيرانيّ
يُرضي عمليّاً نزع سلاح “حزب العمّال” معظم الأطراف: “قسد”، تركيا، إقليم كردستان، سوريا والعراق. بينما تراقب إيران المشهد بحذر، وتُبقي موقفها ضبابيّاً حتّى تتّضح النتائج.
يبدو أنّ المستفيد الأكبر حتّى الآن هو الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، الذي قد يقدّم هذه التحوّلات أمام جمهوره بوصفها “انتصاراً سياسيّاً وعسكريّاً” بعد عقود من الصراع مع حزب العمّال الكردستاني.
في المعلومات أنّ من ضمن الخطّة التركيّة تشكيل لجنة برلمانية للإشراف وسط تسريبات عن خطّة خماسيّة تقودها الاستخبارات الوطنية التركية، وتستلزم تنسيقاً مع حكومتَي الجوار في العراق وسوريا، تتابع خلالها ملفّات التنمية في المناطق الكردية، وتدعم تأسيس حزب سياسي كردي يشارك رسميّاً في الحياة السياسية التركية.
معلومات “أساس”، هناك خطّة زمنيّة تمتدّ على عدّة أشهر، قبل نهاية الصيف، تشمل نزعاً تدريجيّاً لسلاح مقاتلي “حزب العمّال” على الحدود التركية
أمّا الوساطة بين أنقرة وزعيم الحزب المعتقَل عبدالله أوجلان، فيتولّاها رئيس الإقليم مسعود بارزاني، في دور يعيد تثبيته ضامناً لتوازن كرديّ في العراق والمنطقة.
تشير المعلومات إلى أنّ محافظات دهوك وإربيل والسليمانية ستكون المحاور الأساسية لتسليم أسلحة مقاتلي حزب العمّال الكردستاني، حيث تُخصَّص نقاط تجمّع لتسليم السلاح بإشراف مباشر من الجهات المعنيّة.
المشهد إلى أين؟
الخطوة التالية بعد انسحاب مقاتلي حزب العمّال الكردستاني وتسليمهم السلاح، هي اتّخاذ ترتيبات أمنيّة لتأمين الحدود.
كانت هذه الجماعات متمركزة سابقاً في جبال زاخو شمال العراق، وهي منطقة كانت مسرحاً للعمليّات العسكرية التركيّة المتكرّرة داخل الأراضي العراقية. ومع انسحابهم، تُركت هذه المنطقة في حالة فراغ أمنيّ، وهو ما يستدعي خطّة واضحة لإعادة ضبط الحدود.
إقرأ أيضاً: دمشق أمام أزمة “عقد اجتماعيّ”
بحسب المعلومات، يُفترض أن يتولّى كلّ من حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتّحادية في بغداد مسؤوليّة تأمين الحدود، إلّا أنّ هذه النقطة تحديداً يمكن أن تكون موضع خلاف بين الطرفين.
هكذا يبقى الملفّ الكرديّ معلّقاً بين تناقضات السياسة الدولية، وتقاطعات القوى الإقليمية، وتباينات الميدان السوري. يبدو المشهد مفتوحاً على كلّ الاحتمالات: تسوية شاملة؟ تفجير جديد في شرق الفرات؟ أم تسويات جزئيّة على حساب الطموح القوميّ الكرديّ؟
المؤكّد أنّ صفحة طُويت وأخرى فُتحت لكن لم تتّضح بعدُ معاني سطورها إلى الآن، بانتظار اكتمال فصول كتاب المنطقة بكلّ عناوينه وهوامشه.