لا تمثّل الحادثة التي قيل إنها فجّرت الأحداث العنيفة في مدينة السويداء، غير مؤشّر إلى وصول وقائع داخل سوريا والإقليم إلى محطّة كانت تتجه إليها بالضرورة، وهو أمر لم يمنع الأطراف الرئيسيين في المعادلة، الحكومة السورية، والعشائر، والدروز، من الانخراط فيها رغم المخاطر الجسيمة التي ستؤدي حكما إليها.
أظهرت العملية انكشافا على المستوى السياسي، أوضحه اعتبار وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو ما حصل «سوء تفاهم»، في إحالة، على ما يظهر، إلى عبارة نُسبت للمبعوث الأمريكي، توماس براك، عن حق السلطة السياسية في دمشق في «بسط سيادتها على سوريا»، والتي فسّرها أصحاب القرار في دمشق على أنها موافقة أمريكية على دخول السويداء.
كشفت العملية أيضا عن قصور بالغ في الإدارة العسكرية، بدءا من ضعف المعلومات الأمنية حول حجم اتصالات وقوة تسليح العناصر المعارضة للسلطة داخل المدينة، مما أدى إلى وقوع الأرتال العسكرية ووحدات الأمن في كمائن دفعتها لانسحابات غير مدروسة مما أسهم بدوره في وقوع مزيد من القتلى كما حصل في مشفى السويداء.
أظهرت الأحداث ضعفا موازيا على الصعيد الإعلاميّ بشكل أظهر السلطة السورية كما لو كانت طرفا في نزاع وليست كحامية للسردية الوطنية السورية، ولكونها القوة اللازمة لفض النزاعات الأهلية، وهو ما تساوق مع انقسام أهليّ إلى خندقين واحتراب وتحريض وتهييج بشعارات ما تحت وطنية.
الأسوأ من كل ذلك هو ما حصل من أشكال الانتهاكات الأهلية، من الإعدامات الميدانية، إلى أشكال السلب والحرق والاعتداءات المهينة، ولا يفيد كثيرا السجال في وقائع انتهاكات أخرى قامت بها الجهات المعادية للسلطة، وشملت أيضا خطف مئات الأشخاص، وقتل العشرات، والتمثيل بالجثث، وتهجير العشائر من السويداء، فالموازنة لا تصحّ بين السلطة الواجب عليها تمثيل كل السوريين وبين ميليشيات تجاهر، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة، بدعوات الانفصال الطائفية بل وإعلان الولاء لإسرائيل.
مفيد، من الناحية التاريخية هنا، التذكير بأن العشائر التي تقيم في أطراف السويداء الشمالية والشرقية (وفي قرية عرى غرب السويداء) كالشعيطات وعنزة وبني خالد والفواعرة، لديها امتدادات تاريخية وجغرافية سورية وعربية، وأنها تمثل قرابة ثلث السكان. مفيد، من جهة أخرى، القول إن الدروز، الذين انتقلوا على دفعات إلى جبل حوران منذ عام 1685 لجأوا إلى الجبل بعد مواجهات طائفية داخل الدروز أنفسهم ثم مع الموارنة في لبنان، وأن هذا يفسّر مخاوفهم من الانقسام الداخلي أو الاضطهاد، وأن نزاعات العشائر معهم لا تقتصر على المراعي والأرض بل تشتبك مع قضايا جنائية كتهريب المخدرات، الذي تحوّل إلى اقتصاد مواز خلال حقبة بشار الأسد، وقضايا إقليمية، كالعلاقة مع إسرائيل، وإيران (أحد زعماء العشائر، فرحان المرسومي، متهم بالعلاقة مع طهران وكذلك بعلاقات مع عصابات التهريب).
أدت العملية إلى إضعاف أركان الوطنية السورية، وإلى ظهور شرخ واضح في مفهوم السيادة، وإضعاف مساعي التوحّد الأهلي، وعزز مخاوف الدروز الجماعية وقوّى، بالتالي، شوكة رافعي ولاء الانفصال والاستقواء بإسرائيل، وهو ما أعطى دفعة أيضا إلى قوى محلية أخرى، مثل «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية، فتعزّزت حجج رفضها للانضواء تحت الدولة السورية، كما أعطت ظلال أمل لفلول نظام الأسد الذين أشعلت محاولة انقلابهم مخاوف السلطات وجمهورها، كما أعادت بعض تحرّكات إيران حيث كشفت مصادر عن اجتماع أمني بين قيادات الحرس الثوري وميليشيات عراقية وضباط سابقين في النظام السوري، ناهيك عن امتداد التأثيرات والتوتر إلى أطراف في لبنان والأردن.
تطرح هذه التطوّرات اللافتة أسئلة سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية صعبة جدا على السلطة السورية، ويقع في رأسها، بالتأكيد، كيفية رأب الصدع في النسيج الأهليّ الذي حصل نتيجة أحداث السويداء، وما دام الرئيس أحمد الشرع أعلن تعزيز الخيار الأهليّ بدل الحرب، فالأولى بالسلطة، التي كانت ناجحة دبلوماسيا مع الخارج، أن تلتفت الآن إلى الداخل، وتجد لغة مشتركة للحوار وإعادة الاجتماع السوري إلى الاستقرار.