بين التفاؤل والحذر: هل تنجح حكومة الشرع في تنفيذ تفاهم باريس؟
في لحظة سياسية فارقة، صدر بيان مشترك بين الجمهورية السورية وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، حدد ملامح أولية لخريطة طريق نحو الاستقرار السياسي والأمني في سوريا. الحدث في ذاته يحمل رمزية كبيرة، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ، وهنا يظهر السؤال الأهم: هل تملك حكومة الشرع الحالية، القدرة والإرادة الكافية لترجمة هذا التفاهم إلى واقع عملي على الأرض؟
– التعاون مع دمشق: الممكن المشروط
إن نجاح هذا التفاهم مرهون بمدى قدرة الحكومة السورية على استعادة ثقة المكونات الوطنية، لا سيما الكُرد والدروز، وهما الطرفان الأكثر حذرًا من العودة إلى مظلة دمشق دون ضمانات سياسية وأمنية واضحة. ما يدعو إلى التفاؤل، هو أن هذه المكونات لم تعلن رفضها للتعاون، بل شددت مرارًا على أهمية الشراكة البناءة، إن توفرت النية الصادقة من قبل السلطة الانتقالية، وهذا ما أكدت عليه قوات سوريا الديمقراطية في أكثر من مناسبة، من خلال تمسكها بوحدة الأراضي السورية واستقرارها، دون أن تتنازل عن مطلبها الأساسي في الاعتراف بالتعددية والتنوع.
– قوات سوريا الديمقراطية: ركيزة مكافحة الإرهاب
لا يمكن الحديث عن استقرار سوريا دون الإشارة إلى الدور المحوري لقوات سوريا الديمقراطية في مكافحة الإرهاب، فهي من أولى القوى العسكرية التي تصدت لتنظيم داعش وحررت مناطق واسعة من سيطرته، ولا تزال حتى اللحظة تلاحق خلاياه النائمة وتمنع تمدده في الشمال الشرقي. هذا التاريخ النضالي لا يمكن تجاهله عند رسم معالم أي حل سياسي مستقبلي، وعلى الدولة السورية أن تعترف بتضحيات هذه القوات وتدمجها في أي بنية أمنية وطنية قادمة دون المساس بهيكلها التنظيمي.
– السويداء والخذلان الرسمي
أما في السويداء، فقد شكّلت المجازر التي وقعت في الأسابيع الماضية جرحًا غائرًا في جسد الدولة الهشة. حيث تعرض المدنيون لهجمات وحشية نفذتها مجموعات متطرفة، دون أن تبادر الدولة إلى اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لحمايتهم. بل الأسوأ من ذلك، أن أفرادًا من ما يسمى “القوات التابعة لوزارة الدفاع” وعناصر من وزارة الداخلية شاركوا في أعمال القتل، أو على الأقل لم يتحركوا لوقفها، ما يجعل سلوك الدولة أقرب إلى التواطؤ منه إلى التقاعس. هذا الانهيار الأخلاقي والأمني أضعف ثقة المجتمع الدرزي بالسلطة المركزية، وطرح تساؤلات عميقة حول مدى جديتها في حماية جميع السوريين على قدم المساواة.
– هل من فرصة للإنقاذ؟
ورغم كل ما سبق، ما تزال الفرصة سانحة أمام حكومة الشرع، إن هي أرادت فعلاً أن تفتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا. يتطلب ذلك تحركًا سياسيًا شجاعًا، يبدأ بالاعتراف بأخطاء الماضي، والتوجه نحو حوار شامل مع كافة القوى الديمقراطية والعلمانية، من الكُرد والدروز والعلويين إلى القوى العربية المعتدلة، بهدف إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تشكل نية الحكومة في استكمال المشاورات بشأن “اتفاق العاشر من آذار” نقطة مضيئة، يمكن البناء عليها للدخول في مرحلة انتقالية حقيقية، إن اقترنت بالأفعال لا الأقوال.
في الختام: إن الطريق إلى الاستقرار ليس معبّدًا، لكنه ليس مستحيلاً. وحدها الإرادة السياسية الواعية والنية الصادقة في احترام التنوع السوري، يمكنها أن تفضي إلى تسوية عادلة تحفظ كرامة جميع السوريين، وتعيد لسوريا موقعها الطبيعي كدولة مدنية مستقرة مع شيء من الديمقراطية الأساسية.