ملخص
في لقاء مفاجئ جمعه بترمب، نجح كير ستارمر في تحقيق اختراق دبلوماسي بارز بدفع الرئيس الأميركي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتليين موقفه من إسرائيل، ما خفّف الضغوط عن حكومة ستارمر ورسّخ صورته كوسيط بارع في ملفات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية.
شكّل المؤتمر الصحافي المفاجئ على درج منتجع تيرنبيري الذي جمع كير ستارمر ودونالد ترمب لحظة تاريخية للسياسة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
ففي خضم مشية الرئيس الأميركي المتعرجة وفي جو كاد يشتته
وقع أنغام موسيقى المزمار الذي استقدم للترحيب برئيس الوزراء وزوجته، السيدة فيكتوريا، حصل تحول كبير في السياسة.
فالرئيس ترمب منح الضوء الأخضر للسير كير للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه أعاد صياغة سياسة الحزب الجمهوري الأميركي تجاه إسرائيل ودعم حكومة بنيامين نتنياهو.
وبالتزامن، رفض ترمب علناً ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن “لا أحد يتضور جوعاً في غزة”.
وقال إنه “لا يمكن تزييف صور للأطفال الجائعين” [استبعد التلاعب بهذه الصور وتزييفها]، وجعل القضاء على الجوع على رأس أولوياته إلى جانب السير كير.
كما رفض الرئيس بعد ذلك الإشادة بتكتيكات رئيس الوزراء الإسرائيلي، قائلاً إن “لا أحد يعيش حياة جيدة هناك”، ووصف أزمة غزة برمتها بأنها “شائكة”.
وفي هذا الإطار، يعتبر ذلك انحرافاً كبيراً عن الدعم المطلق الذي قدمه ترمب سابقاً إلى الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن أن نتنياهو غالباً ما كان يحل ضيفاً عزيزاً عليه في فلوريدا وشكل حليفاً سياسياً صدوقاً.
ولكن الأهم من ذلك، أن ترمب أبلغ ستارمر بأنه لا يمانع في “اتخاذ موقف” حيال الدولة الفلسطينية.
وكانت هذه القضية تقض مضجع السير كير. فقد شهدت حكومته انقساماً حاداً حيال هذه المسألة، ومن المقرر أن تلتئم في جلسة طارئة هذا الأسبوع. ويطالب معظم أعضاء حزبه بإعلان حازم في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية وقد أيدها أكثر من 250 نائباً من تسعة أحزاب سياسية مختلفة. والأسوأ من ذلك، أن جيريمي كوربين يهدده انطلاقاً من جناح اليسار في شـأن هذه القضية بتأسيس حزب سياسي جديد.
ترمب: وقف إطلاق النار في غزة ممكن والأولوية لإطعام الناس
وتمثلت إحدى أكبر المشكلات التي واجهتها المملكة المتحدة بعد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي في المعارضة الأميركية [لموقف بريطاني] – التي أعرب عنها وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الجمعة.
أما بعد اللقاء، فبادر الرئيس الأميركي وهو المسؤول عن روبيو، إلى إبلاغ ستارمر بأن في وسعه المضي قدماً بهذا الأمر لو شاء ذلك وبأن هذا لا يزعجه.
وهذا من شأنه أن يخفف قدراً هائلاً من الضغوط عن كاهل السير كير، ويعني أن الحجم الكبير من الخطر السياسي الذي يواجهه من داخل حزبه تراجع وتقلص.
ولا يخفي ترمب إعجابه بالسير كير، حتى إن اختلفا سياسياً في كثير من الأمور. وهو الآن يردّ الجميل مقابل الصبر والأناة اللذين أظهرهما ستارمر خلال المؤتمرات الصحافية، ومحاولاته الإشادة بالرئيس في كل مناسبة.
ولأولئك الذين تابعوا المؤتمر الصحافي الرسمي العصيب بعد اجتماعهما الرسمي، فإن تلك الملاحظات التي أطلقها على درج تيرنبيري كانت بمثابة مكافأة على صبر السير كير وتحمله.
ومن جهة أخرى، يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني كان يصر على أسنانه بينما كان الرئيس الأميركي يمازحه ويتلاعب معه طوال الوقت.
وشملت التعليقات التي أطلقها ترمب، عمدة لندن المنتمي لحزب العمال السير صادق خان الذي وصفه بأنه “رجل بغيض”، فضلاً عن النصيحة حول كيفية هزيمة نايجل فاراج في الانتخابات (معلومة: تضمنت النصيحة قيام ستارمر بعكس ما تفعله حكومته الآن)، كما أسداه نصيحة واعظة حول الهجرة وعدم فرض ضريبة الميراث على المزارعين.
وجلس السير كير طوال الوقت راسماً ابتسامة على وجهه، ولم يتردد في دعم ترمب بل كان في بعض الأحيان يدافع عن نفسه في قضايا معينة من دون انتقاد الرئيس بصورة مباشرة.
في الواقع، تعلّم رئيس الوزراء درساً قاسياً مفاده بأن إهانة أقوى سياسي في العالم ليست الطريقة المثلى لتحقيق ما تريد. وقد فعل هو وكثير من أعضاء حكومته ذلك خلال ولاية ترمب الأولى.
والحقيقة هي أن الرئيس الأميركي يستسيغ الجمع بين التملق والدفاع عن النفس بأدب. وكان وجود ستارمر هناك لهذا الغرض، إذ يشير بين الحين والآخر إلى نجاحاته السياسية أو يقول إن السير صادق “في الواقع” صديقه.
لكن هدف ستارمر الرئيس هو أن يؤدي الود الذي أظهره تجاه ترمب إلى خفض التعريفات الجمركية على الصادرات البريطانية إلى الولايات المتحدة، ويمكنه إقناع رئيس متردد بأن يكون أكثر تعاوناً في قضايا مثل أوكرانيا، والأهم من ذلك، الشرق الأوسط.
في هذا السياق، حقق ستارمر نجاحاً كبيراً لدرجة أننا نرى بالفعل قادة مثل فريدريش ميرتس المستشار الألماني والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يحذون حذوه.
وأثبت ستارمر مراراً وتكراراً أنه دبلوماسي بارع، حاز صداقة وإعجاب الجميع، من أورسولا فون دير لاين إلى ترمب. ولعله الوحيد الذي كان في مستطاعه إقناع الرئيس الأميركي بتغيير موقفه تجاه الشرق الأوسط.
© The Independent