هل سببها الهواجس من لقاء باريس أم مجرد براغماتية ونصائح تركية لدمشق؟
تستمر التحركات الدبلوماسية في المنطقة برسم مشهد معقد، ووسط هذه الديناميكية، تبرز زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو وباكو.
هذه الخطوة لا تثير التساؤلات حول أهداف دمشق فحسب، بل تضعها أيضاً في سياق الهواجس التركية المتصاعدة إزاء لقاء باريس الأخير الذي جمع الشيباني بمسؤولين أميركيين وفرنسيين وإسرائيليين.
فهل تدفع الهواجس المشتركة لأنقرة ودمشق للتغاضي عن سجل موسكو بدعم نظام الأسد وانتهاكاته الخطيرة ضد السوريين؟
أنقرة تستشعر الخطر: لقاء باريس وما بعده
لقاء باريس لم يكن بنظر أنقرة مجرد ترتيب دبلوماسي، بل إعادة رسم لمعادلات النفوذ الإقليمي فالخوف التركي يرتكز على محورين:
تهميش الدور التركي في سورية الجديدة.
تزايد النفوذ الإسرائيلي-الفرنسي-الأمريكي في الجغرافيا السورية.
في ظل ذلك، تحرّكت أنقرة نحو محورها الشرقي: موسكو وباكو، لإعادة موازنة المشهد بما يحفظ مصالحها الأمنية في الشمال السوري وعمقها الاستراتيجي في القوقاز والبحر الأسود.
دمشق تتحرك: قراءة في زيارة الشيباني
زيارة الشيباني ليست مجرد جولة دبلوماسية، بل تحمل رسائل استراتيجية متعددة الأبعاد:
● تحدي العلاقات مع روسيا: في خضم هذه الزيارة، يبرز التحدي الأكبر للقيادة السورية الجديدة:
1. كيف ستتعامل مع روسيا، التي قامت بانتهاكات خطيرة وموثقة ضد السوريين عبر طائراتها حتى لحظة التحرير؟
2. هل تتنازل دمشق عن حقوقها بالتعويض والاعتذار؟
3. هل هذا التقارب نتاج براغماتية سياسية، أم ضغوط من حلفاء آخرين، أم الخوف من الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين؟
4. هل سيتم النقاش عن القواعد العسكرية في حميميم وطرطوس، وتزويد سوريا بالسلاح، وتسليم السفاح بشار الأسد لمحاكمته؟
فما حصل في السويداء والمطالبة بتدخل دولي وإسرائيلي لحماية الدروز وما حدث في دمشق يوم 16 تموز/يوليو 2025 ليس حدثاً بسيطاً يتطلب حلولا جذرية حتى لا تتكرر بأوجه أخرى.
كسر العزلة: توسيع هامش المناورة الإقليمية وفتح قنوات دعم سياسي واقتصادي.
تنسيق ثلاثي محتمل: سورية – تركيا – أذربيجان في مواجهة تشابك الملفات الجديدة، مع فتح قناة روسية قد تستفيد منها لاحقًا.
الرد غير المباشر على لقاء باريس، عبر تحالفات تمتص الضغوط وتحفظ السيادة السورية.
استمرار مسار باكو بالمفاوضات مع إسرائيل رغم لقاء باريس، خاصة أن أذربيجان ستبدأ بتزويد سورية بالغاز اعتباراً من 2 آب القادم.
المصالح الروسية في سورية الجديدة:
بالنسبة لروسيا، استمرار علاقاتها مع “سورية الجديدة” ليس مجرد دعم حليف قديم، بل خدمة لمصالح استراتيجية حيوية:
الحفاظ على موطئ قدم جيوسياسي: تضمن روسيا استمرار وجودها العسكري في حميميم وطرطوس، وهما قاعدتان حيويتان تمنحانها نفوذاً في شرق المتوسط، وتعدان بوابة لمد نفوذها إلى إفريقيا.
ورقة تفاوض دولية: تبقى سورية ورقة مهمة في يد موسكو على طاولة المفاوضات الدولية، تمكنها من التأثير في قضايا الأمن الإقليمي والدولي.
مصالح اقتصادية وعقود إعادة إعمار: تسعى روسيا لتأمين حصة كبيرة في مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية، بالإضافة إلى عقود الطاقة والموارد الأخرى.
⚖️ تركيا وموازنة القوى: من التخوف إلى التحرك
أنقرة، في قراءتها للمشهد، تسعى إلى:
ضمان أمنها القومي عبر تنسيق دقيق مع موسكو.
إعادة تفعيل شراكاتها في القوقاز، حيث تمثل باكو حليفًا موثوقًا سياسيًا وعسكريًا.
تعزيز محور شرق-شرق لموازنة التمدد الغربي المتسارع بعد لقاء باريس.
خلاصة المشهد وتحديات المستقبل
زيارة الشيباني إلى موسكو وباكو تأتي كجزء من لعبة شطرنج إقليمية معقّدة؛ فهي ليست فقط تحرّكًا سوريًا لإثبات الحضور، بل أيضاً ردًا غير مباشر على محاولات تطويق القرار السوري.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستنجح دمشق الجديدة، عبر علاقات دولية متنوعة، في كسر عزلتها الدولية رسمياً؟ وهل يمكن أن يشكل هذا التقارب فرصة نادرة لتقديم روسيا اعتذارًا رسميًا للشعب السوري بناء على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وتقديم تعويضات مناسبة كخطوة نحو بناء الثقة وفتح صفحة جديدة مبنية على العدالة؟
أم أن الصراع الخفي بين المحاور الغربية والشرقية سيُدخل المنطقة في فصل جديد من إعادة التموضع؟
الأيام القادمة ستكشف الكثير، لكن المؤكد أن الشرق الأوسط لم يعد يحتمل الحياد… كل طرف عليه أن يختار موقعه في ظل نظام عالمي جديد لا يرحم