بعد اثني عشر يوما من القتال المباشر، أعلنت كل من إيران وإسرائيل أنها انتصرت في الحرب. جاء الإعلان الإسرائيلي على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صرح بأن إسرائيل حققت “نصرا تاريخيا” على إيران، مؤكدا أنها “قوضت برنامج إيران النووي”. في المقابل، أعلنت إيران أيضا انتصارها، وقدم المرشد الإيراني علي خامنئي، “التهنئة بالنصر على الكيان الصهيوني الباطل”، الذي تلقى- وفقا لتعبيره- “الضربات، وانهار فعليا تحت وطأة ضربات الجمهورية الإسلامية”.
أن تنتهي المواجهات بإعلان كلا الطرفين النصر بات سمة من سمات النزاعات المعاصرة. فعلى سبيل المثال، قبل فترة وجيزة من هذا العام وقع صدام عسكري بين باكستان والهند، انتهى أيضا بادعاء كلا البلدين الانتصار. لقد غدت إعلانات النصر وسيلة للخروج من منطق الحرب الشاملة التي تقتضي في العادة التورط الكامل في القتال، مع احتمال واقعي بأن لا يخرج منها أحد منتصرا على الإطلاق. فالنصر الكامل، بمعناه التقليدي المتمثل في انهيار العدو أو استسلامه، لم يعد القاعدة في الحروب الحديثة، بل باتت الصراعات تُختتم بتصريحات من قبيل “أنجزنا المهمة”، رغم أن الواقع على الأرض قلما يبرر مثل هذا الادعاء.
وعليه، لم تعد إعلانات النصر تعكس حصيلة المعارك بقدر ما تعبر عن حاجات السياسة الداخلية. ففي الحالة الإيرانية، تهدف تلك التصريحات إلى تعزيز موقع النظام الذي بوغت بالهجوم الإسرائيلي المعروف بـ”عملية الأسد الصاعد”، ولم يستعد السيطرة على مجاله الجوي بعد. إذ تشير المعطيات إلى أن الطائرات الإسرائيلية المسيّرة لا تزال تحلق فوق الأراضي الإيرانية. وتسعى القيادة الإيرانية إلى بث صورة للقوة في الداخل، خاصة تجاه أولئك الذين كانوا يأملون أن تكون الحرب مع إسرائيل بداية نهاية للجمهورية الإيرانية. لذا، فإن جزءا كبيرا من سردية “الانتصار” الإيرانية يُنتَج لأغراض داخلية، من اللوحات الضخمة التي تملأ ساحات طهران، إلى الصور (الحقيقية والمفبركة) للأضرار التي تسببت بها الصواريخ الإيرانية في تل أبيب. أما الواقع فهو أن الانتصار لم يعد غاية تُرتجى بقدر ما أصبح أداة أخرى لإبقاء جدار الخوف قائما حين تنهار سائر الدعائم.
قد تمنح روح الانتصار فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنها لا تنهي الحرب. فالانتصارات الوهمية نادرا ما تدوم، ومن غير المرجح أن تكون المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية استثناء
وهذا النزاع على المعنى السياسي لكلمة “النصر” لا يقتصر على إيران. فقد تبنى نتنياهو المفردة نفسها بشغف، مستخدما إياها باستمرار منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. إذ وردت على لسانه أكثر من 600 مرة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2024، بحسب صحيفة إسرائيلية. لقد وعد مرارا بـ”نصر كامل”، لكنه لم ينجح في إقناع الجمهور الإسرائيلي الذي بات أكثر شكا في إمكانية تحقيقه. فاستطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في فبراير/شباط 2024 أظهر أن 55 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن فرص إحراز “نصر كامل” ضئيلة أو معدومة. غير أن الحرب الأخيرة التي دامت اثني عشر يوما مع إيران ربما أضعفت هذا الشك المتنامي، إذ أظهر استطلاع حديث أن 63 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون ما جرى نصرا جزئيا أو كاملا لصالح إسرائيل. ومع ذلك، يدرك نتنياهو أنه لا يمكنه القيام بجولة “احتفالية بالنصر” ما دام الرهائن الإسرائيليون لا يزالون في قبضة “حماس” داخل غزة.
قد تمنح روح الانتصار فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنها لا تنهي الحرب. فالانتصارات الوهمية نادرا ما تدوم، ومن غير المرجح أن تكون المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية استثناء. صحيح أن إسرائيل حققت مكاسب فعلية، إذ أضعفت “محور المقاومة” وأرغمت إيران على إعادة النظر في مجمل استراتيجيتها العسكرية. لكن هذا الإنجاز قد يدفع طهران إلى التفكير بخيارات أكثر جذرية لردع أي اعتداء مستقبلي، بما في ذلك احتمال تجاوز العتبة النووية. من جهة أخرى، أظهر الهجوم الإسرائيلي أن نتنياهو لم يعد يميل إلى الانتظار أو رد الفعل، بل بات يفضل الضربات الاستباقية، وهو توجه يزداد حضورا في أوساط النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر.
إن تلاقي هذين الاتجاهين- نزوع إيران إلى التصعيد النووي، وتبني إسرائيل لخيار المبادرة– يدل بوضوح على أن هذه الحرب لم تنتهِ، بغض النظر عن الطرف الذي يعلن “النصر” بصوت أعلى.