قوات أميركية في العراق.

فيما تتزايد الضغوط السياسية والأمنية المطالبة بإخراج وحدات الجيش الأميركي من العراق، بمن فيها المستشارون والمدرّبون العسكريون المنتشرون في قاعدتين رئيسيتين، فإنّ الأوساط السياسية في إقليم كردستان تتساءل عن مستقبل علاقة قوات البيشمركة الكردية مع الجيش الأميركي، ومعه كل المنظومة الأمنية الحمائية التي توفّرها الولايات المتحدة للإقليم.
الاجتماع الأخير بين الطرفين، رئاسة هيئة أركان وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، ومكتب التعاون الأمني في القنصلية الأميركية، بقيادة الكولونيل مايكل كاجيرو، في الخامس من شباط (فبراير) الجاري، ناقش بحسب بيان أصدرته الوزارة الكردية ما سمّته “البرامج والخطط المستقبلية المشتركة والاهتمام بقواعد التدريب، وآخر جهود وزارة البيشمركة في عملية إعادة تنظيم وحدات قواتها المختلفة، وتقييم كيفية العملية ومستقبل قوات البيشمركة في كردستان… ومراحل تنفيذ مذكرة التفاهم بين وزارة البيشمركة ووزارة الدفاع الأميركية، واتفقا على تنفيذ نقاط جدول الأعمال بين الوزارتين”.
تعاون مستمرّ… وتحذيرات أميركية
خطط التعاون العسكري بين الطرفين تمتد منذ العام 2016، وأكّدت التنسيق والدعم والتسليح البعيدة المدى، بغية “القضاء النهائي” على تنظيم “داعش”. فالمساعدات التي يمنحها الطرف الأميركي لقوات البيشمركة تبدأ بالتدريب المهني المستدام، وتمويل بعض نشاطاتها والإشراف على برنامج تفصيلي لتطويرها إدارياً وتنظيمياً، وتزويدها ببعض الأسلحة النوعية والمعدات اللوجستية.
يحدث ذلك في وقت أعلنت اللجنة الأميركية – العراقية العليا انطلاق أعمال لجان عدة، بغية “تقييم القدرات العسكرية العراقية”، فيما كانت أنباء تتداول بشأن بدء محادثات “إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق”، واستبدال علاقة أمنية ثنائية بعيدة المدى بها. كما أنّها ترافقت مع رسالة تفصيلية وجّهتها الولايات المتحدة إلى الحكومة العراقية عن طريق السفيرة الأميركية ألينا رومانسكي، قالت مصادر مطلعة إنّها تتضمن محدّدات وتحذيرات أميركية للحكومة العراقية بشأن بقاء قواتها العسكرية في العراق، وتأثير ذلك على كل العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية الأميركية مع العراق.
لكن عقب الهجمات المكثفة التي شنّها الجيش الأميركي على 85 موقعاً للفصائل المقرّبة من إيران، أغلبها منضو في الحشد الشعبي، ارتفعت أصوات برلمانية وسياسية عراقية عديدة، خصوصاً من الأوساط الشيعية، تطالب بإخراج الجيش الأميركي بأسرع وقت، ومن دون أي مفاوضات أو آليات للعلاقة المستقبلية بينهما، وتهديد الحكومة العراقية بفعل كل شيء في حال عدم التزامها تلك الطلبات.
مخاوف كردية من غياب “الحماية”
ثمة خشية في إقليم كردستان من انعكاس ذلك على استقراره، لأنّ الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق، بالذات في الإقليم، كان مظلّة حماية أمنية وسياسية له منذ العام 1992، عقب صدور القرار الأممي 688، الذي وفّر الحماية بإشراف الولايات المتحدة وباقي الحلفاء الأوروبيين.
الكاتب والباحث في “مركز الفرات للدراسات” سليمان أوصمان، شرح في حديث لـ”النهار العربي” أنّ إقليم كردستان في المحصلة هو جزء من الاستراتيجية الأميركية في عموم المنطقة، بالذات في العراق، لكن هذه الاستراتيجية تتعرّض لضغوط شديدة في حالة الاستقطاب الحالية، ويمكن لها أن تضعف في بعض المفاصل، وأن يؤثر ذلك على حلفائها المقرّبين تماماً، وقال: “لنلاحظ حجم الضغوط العسكرية اليومية التي يتعرّض لها الإقليم يومياً من كلّ من تركيا وإيران، وحتى مع الوجود الأميركي في الإقليم، ما صار يثير مشكلة مع فكرة وجود إقليم ذي هوية كردية. الأمر نفسه ينطبق على قطاعات واسعة من المجتمع السياسي العراقي المركزي، الأحزاب المقرّبة من تركيا وإيران على حدّ سواء، في وقت لا يملك إقليم كردستان أي ظهير إقليمي أو دولي استراتيجي وموثوق ومستعد للدفاع عنه حتى النهاية. فكيف لو انسحبت الولايات المتحدة من المشهد العراقي تماماً، خصوصاً من الناحية العسكرية؟”.
التجربة الأرمنية
يشبّه أوصمان إقليم كردستان بالحالة الأرمنية في القوقاز خلال السنوات الماضية، موضحاً: “لقد تفكّكت أواصر الأمن القومي الأرمني بعد خروجه من الحلف الروسي منذ سنوات، وامتناع إيران عن تأمين مساعدة عسكرية استراتيجية لأرمينيا، المحاطة بالمناوئين والمتصارعين التاريخيين معها. وهو ما قد يتكرّر مع كردستان في المستقبل المنظور”.
كانت مجلة “فوربس” الأميركية ذكرت في تقرير طويل، كيف أنّ قانون تفويض الدفاع الوطني للعام 2024 للولايات المتحدة يتضمن “بنداً يتعلق بتجهيز قوات البيشمركة في إقليم كردستان بدفاعات جوية”، مذكرةً أنّ ذلك يلاقي ترحيباً واسعاً من الإقليم الذي يتلقّى هجمات وضربات عسكرية من حلفاء إيران بشكل شبه يومي.
 وتنتشر القوات الأميركية في إقليم كردستان بشكل رئيسي في قاعدة حرير العسكرية شمال العاصمة أربيل، إلى جانب مركز لوجستي أساسي بالقرب من مطار أربيل الدولي، ومراكز عدة للتواصل والإمداد لقواعد الجيش الأميركي في شمال شرقي سوريا. لكنّ الوجود الأميركي في إقليم كردستان، على قلته، ذو طابع أدبي حمائي لتجربة الإقليم من باقي الجهات العراقية والدول الإقليمية.