الجامع العمري في درعا.(رويترز)

الجامع العمري في درعا.(رويترز)
كان الجامع العمري في مدينة درعا من المعالم الأثرية السورية الهامة التي بقيت تنبض بالحياة، إلى أن وجد نفسه في خضمّ البؤرة التي اندلعت منها شرارة الأزمة السورية في شهر آذار (مارس) من العام 2011. أحيط الجامع آنذاك بعدد كبير من الروايات المتضاربة حول الأدوار الحقيقية التي كان يجري توظيفه فيها، فمن جهة ينظر إليه البعض على أنّه كان مخزناً لتكديس السلاح في انتظار ساعة الصفر، بينما اعتبره آخرون بمثابة أيقونة الثورة السورية ومهد انطلاقتها الأولى.
وبعد عقد ونيف من اندلاع الأزمة السورية، يعود الجامع العمري إلى صدارة المشهد، وسط خلافات نشبت بين بعض الممولين الذين عملوا على ترميمه وإعادة بناء مئذنته الشهيرة.
وأصدر المعارض السياسي السوري خالد المحاميد المتحدّر من محافظة درعا، بياناً نسب فيه جهود الترميم ودفع تكاليفه إلى والده الحاج محمود علوان المحاميد. وقال المحاميد في بيان نشره على صفحته في موقع “إكس” (تويتر سابقاً) إنّه “تمّت إعادة بناء الجامع العمري بالكامل في مدينة درعا والحمد لله على نفقة الوالد”.
وأثار بيان المعارض الذي أصبح يُنظر إليه على أنّه مقرّب من روسيا ومنخرط في مسار التسوية السياسية، استياء بعض الجهات التي رأت فيه محاولة لإخفاء أدوار بعض رجال الأعمال الآخرين في تمويل عملية الترميم.
وشغل خالد المحاميد منصب نائب رئيس هيئة التفاوض المعارضة، لكنه استقال منها عام 2018 بسبب مواقفه التي تحدث فيها عن ممارسات تشبيحية تسود في كواليس الهيئة من أجل تمرير أجندات داخلها.
وانخرط المحاميد في المضمار السياسي منذ عام 2015، بعيداً من قطاع المال والأعمال، للمرّة الأولى، خلال مؤتمر لمعارضين سوريين في القاهرة، رعته “هيئة التنسيق الوطنية” وآخرون، ولم يشارك فيه “الائتلاف الوطني”، وتحدث حينها عن تطلعات الحل السياسي في سوريا.
ولد المحاميد منتصف ستينات القرن الماضي في درعا البلد، ويعود أصله إلى أم المياذن في درعا، وحصل على الثانوية من درعا المحطة، ثم أتمّ دراسته الجامعية في كلية الطب في العاصمة البلغارية صوفيا، وتخرّج منها عام 1988 اختصاصياً في أمراض النساء والتوليد.
ونشرت كوادر إعلامية في درعا البلد، الخميس الماضي، بياناً استنكرت فيه عدم دعوتهم للتغطية الإعلامية، بعد رفع الهلال واستكمال عملية ترميم المسجد العمري ومئذنته. وقال البيان إنّه “كان من الأولى دعوة مجلس عشيرة درعا وكل إعلاميي وكوادر درعا البلد الذين واكبوا كل مراحل هدمه وتحريره وإعادة ترميمه، بدلاً من استدعاء مُصوّر لم يعرف طريق المسجد العمري إلاّ بعد سنة 2018”.
وفي ردّ على ادّعاء محاميد قال بيان الإعلاميين إننا “نرفض أي عملية تبنّي إعادة إعمار المسجد على نفقة أي شخص، لأننا نعلم بأنّ صندوق مجلس رجال أعمال الخليج كان له الجزء الأكبر من التبرعات، كما كان للكثيرين من الداخل بصمة في التبرّع وفي الأعمال المهنية وغيرها”.
وطالبت الكوادر الإعلامية في درعا البلد الجهات الرسمية والمحلية بضرورة توضيح الحقائق حول عملية تمويل ترميم الجامع العمري.
وأشارت مصادر محلية في مدينة درعا إلى أنّ ما يُشاع حول “إعادة بناء الجامع” ليس صحيحاً، لأنّ الجامع لم يتهدّم بشكل كلي بل كان لا يزال قيد الاستخدام، والصحيح بحسب المصادر أن يجري توصيف ما جرى بأنّه “إعادة ترميم”، حيث لم يكن التدمير الجزئي الذي أصاب الجامع جراء الاشتباكات المسلحة في المنطقة يمنع من أداء الصلاة.
وتهدّمت مئذنة الجامع العمري في العام 2013، وقد وُجّهت اتهامات إلى النظام السوري باستهدافها عمداً للتخلّص من رمزيته. وكان الجامع قد شهد انطلاق أول تظاهرة في 17 آذار (مارس) من العام 2011، في خطوة اعتبرها أنصار الثورة السورية أنّها كسرت حاجز الخوف، وكانت الشرارة التي أشعلت الأحداث طوال العقد الماضي.
وفي عام 2021 وقعت آخر عملية قصف طالت الجامع العمري، حيث ذكرت التقارير الإعلامية أنّ قوات النظام السوري استهدفت بصاروخ أرض أرض الجامع في مدينة درعا، الذي انطلقت منه الثورة السورية عام 2011. وأكّد في حينه ناشطون وحسابات معارضة عبر منصّات التواصل، تدمير أجزاء جديدة من الجامع العمري الواقع في أحياء درعا المحاصرة، جراء استهدافه بصاروخ أرض أرض من طراز “فيل”، بحسب التسمية المحلية. ولم يكن هذا الاستهداف الأول من نوعه، حيث تعرّض الجامع للقصف مرات عدة، وأدّت إحداها لانهيار مئذنته عام 2013، إلاّ أنّ سكان المدينة أصرّوا بعد كل مرّة على استمرار إقامة الصلاة فيه.
وبدأت عملية الترميم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2019، حيث جرى الترميم على مراحل، وكان أولها ترميم المصلّى بتمويل أكثر من جهة من أهل الخير، وبجهود شخصية سواءً بتقديم المال أو المشاركة في العمل.
وتمّ الانتهاء من ترميم الرواق الغربي من الجدران، بالإضافة إلى الرواق الشمالي، وبلغت تكلفة الترميم في هذه المراحل ما يقارب 500 مليون ليرة سورية (كان الدولار يعادل حوالى 2000 ليرة سورية فقط). ولم يبق آنذاك سوى ترميم المئذنة وهو ما تمّ مؤخّراً.
وانتهى العمال من ترميم مئذنة المسجد العمري في درعا البلد بعد 8 أشهر من العمل اليومي والمتواصل، بجهود مدنية محلية وتبرعات فردية وشعبية، وفق موقع “تجمّع أحرار حوران” السوري المعارض.
ويُذكر أنّ المسجد العمري له قيمة أثرية وتاريخية، إذ أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببنائه في القرن السابع الميلادي أثناء زيارته للمدينة، كما يحظى بأهمية رمزية لدى أهالي درعا البلد، إذ انطلقت احتجاجات الثورة السورية من مسجد الحمزة والعباس وصولاً إلى المسجد العمري في 18 آذار (مارس) 2011.