قبل أي شيء نتوقف عند أرقام آخر إحصائية بالأضرار في قطاع غزة أعلنها يوم أمس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: مليونا نازح، تدمير 142 مقراً حكومياً، 100 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و295 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، و184 مسجداً بشكل كلي، و266 مسجداً بشكل جزئي، و3 كنائس بشكل كامل. هذه عينة من خسائر أكبر وأفظع بأضعاف، وتضاف إلى الخسائر البشرية التي تصل إلى 27 ألف قتيل و65 ألف مصاب من كل الفئات والمستويات.

حقاً نحن أمام نكبة كبرى أصابت الشعب الفلسطيني. وأمام هول الكارثة علينا أن ندع جانباً الخطاب الإعلامي الذي يملأ “السوشال ميديا” ويزيف الحقائق ويحرف الأنظار عن حقيقة ما حصل، زارعاً الأوهام بين صفوف الشعوب العربية. علينا أن نتحلى بالشجاعة الأدبية والأخلاقية لكي نقول الحقيقة بدءاً من أن الإسرائيليين اقترفوا ويقترفون جرائم حرب ويدمرون مجتمعاً بأسره بذريعة الانتقام من فصيل فلسطيني يمثل من يمثل لكنه لا ولن يختصر وحده فلسطين والفلسطينيين. فعملية “طوفان الأقصى” التي يصح القول إنها هزت أركان الكيان الإسرائيلي انتهت بعد أربعة أشهر ونيف إلى كارثة ما بعدها كارثة بحق مليونين ونصف مليون مواطن من أهل غزة. وقد أدت إلى مجزرة جماعية في القطاع، وإلى تدمير الحياة فيه بشكل شبه كامل لأعوام مقبلة. ونحن على يقين بأنه ما أن تضع الحرب أوزارها ستتكشف مأساة كبرى لا سابق لها. ومع أن الحرب لم تنته لغاية اليوم والمقاومة مستمرة بشراسة كبيرة في أنحاء مختلفة من غزة، فإن الواقع مرير أكثر من عملية ضخ الأوهام عبر بعض الإعلام. فالتفاوض اليوم بين الإسرائيليين وحركة “حماس” عبر الوسطاء العرب والأجانب يتمحور أساساً حول مصير مدينة رفح التي يهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باجتياحها، وهي المعتبرة “الملاذ” الأخير لمئات آلاف النازحين الهائمين على وجوههم وسط الخراب والدمار والظروف اللاإنسانية التي فرضت عليهم بسبب هذه الحرب.

بناء على ما تقدم يحق للمراقب أن يطرح سؤالاً بسيطاً ومباشراً على قيادة حركة “حماس” العسكرية في غزة عن كيفية إدارة حسابات عملية “طوفان الأقصى”، بمعنى أدق ماذا كانت التوقعات؟ هل حسبوا حساباً لنتائج كالتي نراها اليوم؟ هذا نقاش يجب أن يُفتح في اليوم التالي لانتهاء الحرب بكل صراحة وشفافية. عند هذا الحد نتوقف وننتقل إلى موضوع “جبهة لبنان”.

في لبنان حرب “مشاغلة” تحولت إلى حرب استنزاف متبادلة بين “حزب الله” وإسرائيل. الشعار الذي وضعه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عندما أعلن أن مقاتليه بدأوا المناوشات في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 هو “مساندة غزة” وتخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي عن المقاومة الفلسطينية. والسؤال البديهي هو هل خفَّ الضغط على غزة؟ وهل تغيّر مجرى الحرب على غزة؟ وبعيداً من الحملات الدعائية وتوزيع الأوهام، وفي ضوء الخسائر على الصعيد البشري، وعلى صعيد الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة، وأيضاً النزوح الجماعي لأهالي عشرات القرى والبلدات الحدودية اللبنانية، هل كانت حرب “المشاغلة” قراراً صائباً أم قراراً خاطئاً؟

حان الوقت للابتعاد عن تجارة بيع الأوهام في المنطقة. وحان الوقت لقول الحقيقة كما هي.