لكن مقدم البرامج السابق على قناة “فوكس” لا يمثل سوى عينة صغيرة من حمى موالاة روسيا التي تلوث الحزب الجمهوري المعاصر وهذه معضلة كبيرة بالنسبة إلى الأميركيين

 

منذ سنوات قليلة فحسب، كانت فكرة سفر مضيف تلفزيوني جمهوري بارز إلى موسكو لكي يمنح فلاديمير بوتين  فرصة طرح وجهة نظره لتشكل ضرباً من التخيلات الليبرالية المجنونة أو مشهداً تمثيلياً فكاهياً متوسط الجودة في برنامج المنوعات الساخر “ساترداي نايت لايف” SNL. صحيح أن اليمين الأميركي بدرت عنه ميول تأييد لروسيا في الماضي، لا سيما في ظل حكم دونالد ترمب، لكن مع ذلك، أن يقوم أحد نجومه، الذي يشكل كذلك رمزاً رئيساً في الهيكلية الأساسية لإعلام المحافظين، باستضافة زعيم استبدادي نشأ في الاتحاد السوفياتي، خطوة بدت تجاوزاً للحدود بالنسبة إلى حزب ريغان.

لكن يبدو أن كل الاحتمالات مطروحة، كما هي الحال غالباً مع النسخة الحالية للحزب الجمهوري.

يوم الخميس الماضي، نشر مقدم البرامج السابق على قناة “فوكس” مقابلة  مدتها ساعتين وسبع دقائق مع الرئيس الروسي على موقعه الإلكتروني الخاص وحسابه على تويتر/إكس. وهذه هي المرة الأولى التي يجلس فيها بوتين أمام شخصية اعلامية غربية منذ اجتاحت روسيا أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وتطرق بوتين خلال المقابلة إلى عدد من المواضيع، ومنها إحجامه عن اتخاذ خطوات تنم عن حسن نية تجاه الغرب مثل إطلاق سراح مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” إيفان غيرشكوفيتش الذي اعتقل في روسيا في مارس (آذار) من العام الماضي، وإعجابه بالرئيس التنفيذي لـ”تيسلا” و”سبايس إكس” إيلون ماسك، واعتقاده أن رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون عطل مفاوضات السلام مع أوكرانيا وقناعته بأن تلك الأخيرة ليست بلداً “حقيقياً”.

وأثار كارلسون   الذي طرد من قناة “فوكس نيوز” في أبريل (نيسان) العام الماضي، انتقادات بسبب ما فسره البعض على أنه مغالاة في موقفه المؤيد لبوتين والمعادي لأوكرانيا. في فيديو نشره على “تويتر”/ “إكس” في يونيو (حزيران) من العام الماضي، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “شبيه الجرذ”، وحمل الإرهابيين الأوكرانيين مسؤولية تدمير سد كاخوفكا الذي يحتمل بأنه أضر بإمكانية وصول أكثر من 700 ألف مواطن أوكراني إلى مياه شفة نظيفة، كما لمح إلى مسؤولية الولايات المتحدة عن النزاع الروسي – الأوكراني وأشار إلى أن الأميركيين لا يكرهون بوتين سوى لأنهم “دربوا” على ذلك.

ليس من الإنصاف أن نصف تاكر كارلسون بالصحافي المتحيز- لأنه ليس صحافياً حقيقياً بالأساس. بل تقضي وظيفته بث الخوف والكراهية في أوساط الجمهور الأميركي وليس توعيتهم واطلاعهم على الأخبار. ولهذا السبب، يشكل أداة مثالية لطموحات بوتين التوسعية، كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في مقابلة مع “أم أس أن بي سي” في وقت سابق من الأسبوع الجاري، كارلسون “أحمق مفيد”- أو “كلب مطيع” لا يكن له بوتين أي احترام، لكنه لا يزال مفيداً لأغراض نشر البروباغندا في أكثر أوساط الشعب الأميركي تعمداً للسذاجة (وهم يشكلون بالتحديد 74223975 نفراً [عدد المصوتين لدونالد ترمب في انتخابات 2020]).

وبوتين لا يكن له أي احترام حقاً. خلال إحدى اللحظات المحرجة بشكل خاص، سخر الرئيس الروسي صراحة من كارلسون لأنه رغب بالانضمام إلى وكالة الاستخبارات المركزية حين كان شاباً، إذ قال بوتين “ربما علينا أن نشكر الله لأنهم لم يقبلوا بك”، قبل أن ينتقل بسرعة إلى موضوع آخر فيما جلس تاكر أمامه بوجه يعلوه تعبيره الخاو الشهير، وربما كان يحاول أن يستوعب الكلام الذي رماه به رجل قضى السنوات الأخيرة في مؤازرته على حساب بلده.

وتشكل المقابلة درساً ملموساً في السياسة الأميركية الحديثة للمحافظين، وفي النتيجة الحتمية التي يصل إليها الجمهوريون الذين يحملون شعار “اجعلوا أميركا عظيمة من جديد” (ماغا) في نهاية خطابهم الشعبوي ومعارضتهم التي تؤجج الحرب الثقافية. وهو ليس وحده. أصبحت الشخصيات الإعلامية المحافظة مثل تشارلي كيرك وكانديس أوينز ودينيش ديسوزا تدريجاً أكثر مجاهرة بانتقادها لأوكرانيا وإعجابها ببوتين، فيما يزداد ارتياح المشرعين الجمهوريين أمثال مارجوري تايلور غرين وبول فوسار وويندي روجرز وطائفة غيرهم- تضم ترمب نفسه- بإعادة ترديد البروباغندا الروسية في شأن الصراع. لا يهم إن كانت هذه هي طريقتهم في مهاجمة إدارة بايدن المؤيدة لأوكرانيا، أو إن كان هذا التصرف نابعاً من تعاطف حقيقي مع روسيا- فهم في الواقع يخصصون فترة في البث الإعلامي لكلام كانت الجهات الأجنبية المعادية مضطرة لرميه من طائراتها على شكل منشورات، وهم يفعلون ذلك من دون أي مساءلة.

ربما لا يحاول تاكر كارلسون أن يتصرف بما تقتضيه مصلحة فلاديمير بوتين، أو إضعاف بلاده تنفيذاً لمصلحة أعدائها. لكنه من الصعب جداً أن نتبين كيف كانت أفعاله لتختلف، لو كانت هذه هي أهدافه الفعلية، عما يفعله منذ سنوات – وينطبق هذا الأمر على عدد متزايد من زملائه المحافظين.

ربما كون تاكر “أحمق مفيداً” هو الشيء الوحيد الذي يحول دون وسمه بما هو أسوأ بكثير به.

© The Independent