في العصر الرقمي تغيّرت تجارب المواعدة والتواصل والوقوع في الحب كثيراً، لقد ولّت أيام اللقاءات العشوائية والصدف ورسائل الحب المكتوبة بخط اليد، وبدلاً من ذلك حلّت ملفات تعريف لا حصر لها على الإنترنت، وشخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي. من المؤكد أن التكنولوجيا غيّرت الطريقة التي يقع بها الناس في الحب، بعدما كان سابقاً ينتج في كثير من الأحيان من الدوائر الاجتماعية أو المساحات المشتركة أو الصفوف التعليمية وغيرها.
لقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعي امتياز مقابلة أشخاص من مختلف مناحي الحياة، والبقاء على اتصال بسهولة، والقضاء على المسافة، فهي لم تُغيّر نظرتنا إلى التواصل فحسب، بل فتحت لنا أيضاً مجموعة متنوعة من الاحتمالات. لقد أصبح من السهل جداً تكوين اتصالات في كل أنحاء العالم، لدرجة أن أفكاراً مثل الوقوع في حب شخص ما لم تعد تبدو خيالات بعيدة المنال بعد الآن. غالباً ما أدت هذه الاتصالات الرقمية إلى المواعدة عبر الإنترنت وإلى بيوتٍ زوجية في أحيانٍ كثيرة، وفي أحيانٍ كثيرة أيضاً كانت وراء هذه العلاقات ترشيحات الخوارزميات التي تملي بشكل متزايد خيارات حياتنا، واقتحمت المجال الأكثر شخصية على الإطلاق: الحب والرومانسية.
إن استخدام الخوارزميات للتنبؤ بالنجاح الرومانسي ليس جديداً تماماً، فقد ظهرت الأساليب الرياضية في التوفيق بين الجنسين في ستينات القرن الماضي، عندما بدأ الباحثون إنشاء نماذج توافق خوارزمية تعتمد على نظريات نفسية بشأن الأسباب التي تجعل العلاقات ناجحة. على سبيل المثال، اعتمدت الخوارزمية التأسيسية لشركة eHarmony في عام 2000 على “29 بُعداً للتوافق”، إذ تقوم بتقييم المستخدمين عبر مقاييس مثل المزاج العاطفي والنمط الاجتماعي والقيم الأساسية. استخدمت مواقع المواعدة المبكرة عبر الإنترنت مثل Match.com في عام 1995 أيضاً الخوارزميات، وإن كانت بدائية تعتمد أساساً على التركيبة السكانية والاهتمامات. كانت هذه الخوارزميات المبكرة تفتقر إلى القوة التنبؤية والفروق الدقيقة ولكنها مهدت الطريق لصيغ التوفيق الأكثر تقدماً.
في عام 2012، كانت Tinder رائدة في اتباع نهج مختلف تماماً للمطابقة، واجهة تعتمد ببساطة على صور الملف الشخصي، والحد الأدنى من النص، والتمرير إلى اليسار أو اليمين. نموذج Tinder الذي تم تحسينه للسرعة أكثر من العمق، استفاد من سيكولوجية المستخدم وسرعان ما أصبح النموذج الذي اعتمدته تطبيقات المواعدة اللاحقة، لكن هذا النموذج قدم تحدياً خوارزمياً جديداً بشأن كيفية التنبؤ بالتوافق استناداً أساساً إلى سلوكيات المستخدم.
رداً على ذلك، بدأت تطبيقات المواعدة تنفيذ خوارزميات التعلم الآلي التي يمكنها تحليل البيانات السلوكية للعثور على الأنماط وإجراء تطابقات أفضل بمرور الوقت، إذ تستوعب خوارزميات تطبيقات المواعدة الحديثة مجموعات بيانات متنوعة لتحديد الأنماط وإجراء المطابقات، بما في ذلك:
• ملفات تعريف المستخدمين: التركيبة السكانية، والتفضيلات المعلنة، واختبارات الشخصية.
• بيانات استخدام التطبيق: خيارات التمرير وأنماط المراسلة وعمليات البحث.
• التكامل الخارجي: توفر ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية المرتبطة نقاط بيانات إضافية.
• تعليقات المستخدمين: توفر التقييمات المقدمة للمطابقات مدخلات مستمرة لتحسين دقة الخوارزمية.
وفي توظيفٍ آخر للذكاء الاصطناعي أيضاً، سهّل على تطبيقات المواعدة تخصيص خدماتها لتلبية التفضيلات الفردية. باستخدام خوارزميات التعلم الآلي، يمكن لتطبيقات المواعدة تحليل بيانات المستخدم واقتراح التطابقات بناءً على اهتمامات المستخدمين وهواياتهم وتفضيلاتهم. وقد سهّل هذا على المستخدمين العثور على شركاء متوافقين، ما أدى إلى المزيد من المطابقات الناجحة.
وعلى الرغم من تعقيدها، فإن خوارزميات المواعدة لها حدود متأصلة، إذ لا خوارزمية يمكنها التنبؤ بتعقيدات الكيمياء الشخصية والاتصال العاطفي، كما تؤدي البيانات المتحيزة إلى نتائج متحيزة: يمثل التمييز الخوارزمي على أساس العرق والجنس والعمر تحدياً، ومن جانبٍ آخر قد يتلاعب المستخدمون بالنظام بحيث لا يتصرف الأشخاص دائماً تصرفاً أصيلاً على تطبيقات المواعدة، فيما الذكاء الاصطناعي والخوارزميات يمكن أن تكون مفيدة في أدوات التوفيق، إلا أن الحكم البشري يظل ضرورياً في التعامل مع تعقيدات المواعدة.
بينما تظل خوارزميات تطبيقات المواعدة غير كاملة، يستمر البحث عن التطابق المثالي في دفع عجلة الابتكار. يمكن للخوارزميات المصممة بعناية أن تعزز تجارب المواعدة ونتائجها. ولكن لا ينبغي لاقتراحات الخوارزمية أن تحل محل التمييز البشري. في عالم المواعدة العالي المخاطر، يعد الحفاظ على العقل والقلب المنفتح أمراً ضرورياً في تقييم المطابقات، رقمياً وفي الحياة الواقعية.