في إعلان له دلالته وتداعياته في توقيته وسياقه، وجّهت دمشق اتهاماً إلى “دولة مجاورة” لم تسمّها بتهريب المخدرات عبر الأراضي السورية نحو دولة العراق. جاء الاتّهام بالتزامن مع ضبط الجهات السورية المختصة، يوم الأحد، شحنة مخدرات كانت في طريقها إلى العراق، وذلك في واقعة هي الرابعة من نوعها منذ اجتماع عمان “لكبح تهريب المخدرات” بين وزراء داخلية الأردن والعراق وسوريا ولبنان والذي أفضى إلى الاتفاق على تشكيل لجنة اتصال بين هذه الدول من أجل تبادل الخبرات حول عمليات تهريب المخدرات. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن يعلن وزير الداخلية العراقي يوم السبت عن تشكيل هذه اللجنة الأمر الذي أعطى انطباعاً بأن جهود دمشق لمكافحة تهريب المخدرات تتماشى مع التقدم على مسار التنسيق الإقليمي.
وأفاد التلفزيون الرسمي السوري، الأحد، بأن كميات حبوب الكبتاغون كانت كبيرة وموجودة ضمن شاحنة من نوع براد، وتم ضبطها أثناء عبورها من الأراضي السورية قادمة من إحدى الدول المجاورة متجهة إلى العراق.
وفي 22 من الشهر الجاري، ضبطت جمارك حلب شحنة حبوب مخدرة- كبتاغون، كانت متجهة إلى شرق سوريا، كما أعلن في الثامن عشر من الشهر ذاته عن ضبط كمية من مادة الحشيش المخدر والحبوب المخدرة على الحدود السورية- الأردنية كانت معدة للتهريب، وقبلها كشف عن ضبط نحو مليون حبة كبتاغون في اللاذقية كانت مخبأة في شحنة «رب البندورة»، وتتجهز لشحنها الى خارج سوريا، وضبط 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، و120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية.
وأعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري السبت، تشكيل خلية اتصال مشتركة مع كل من سوريا والأردن ولبنان لمكافحة آفة المخدرات.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية “واع” عن الشمري قوله خلال “مؤتمر حوار بغداد السادس للتواصل الإقليمي” إن الاجتماع الرباعي الذي عقد أخيراً في الأردن خرج بمجموعة توصيات أهمها تشكيل خلية اتصال مشتركة من أجل اختصار الوقت ومتابعة عصابات تهريب المخدرات الدولية.
ولفت وزير الداخلية العراقي إلى التعاون الكبير من دول الجوار في مكافحة المخدرات، والذي أسفر عن إلقاء القبض وتفكيك العديد من شبكات تهريب المواد المخدرة وتفعيل المراقبة، مشيراً إلى أن الحكومة العراقية تسعى لأن يكون العراق أحد محاور المنطلق الأمني لمكافحة المخدرات.
وعقد في17 من الشهر الجاري في العاصمة الأردنية عمان اجتماع رباعي لوزراء داخلية الأردن وسوريا والعراق ولبنان لبحث الجهود المشتركة لمكافحة تهريب المخدارت.
وهذه هي المرة الأولى التي توجه فيها دمشق أصابع الاتهام إلى دولة مجاورة في ملف تهريب المخدرات الذي بات يشكل صداعاً لمعظم دول المنطقة والعالم، ويعتبر من الملفات التي يجري استخدامها إقليمياً ودولياً لممارسة ضغوط كبيرة على السلطات السورية من أجل دفعها للتعاون والتنسيق لإيجاد حلول له.
ومن خلال هذا الاتهام تكون دمشق قد فتحت عملياً ملف تهريب المخدرات على بعده الإقليمي الواسع الأمر الذي قد يؤدي إلى إضفاء مزيد من التعقيد على هذا الملف. وقد يكون هدف دمشق من وراء ذلك هو التملص أمام المجتمع الدولي من جزء من المسؤولية عن عمليات التهريب مقابل إلقائها على “دولة مجاورة” بحيث تجعل الملف يبدو وكأنه بمسؤولية مشتركة بين أكثر من دولة، وأن دمشق ليست وحدها المسؤولة عنه.
غير أن بعض المراقبين وجدوا أن توجيه الاتّهام قد يحمل في طياته ما هو أبعد من مجرد السعي للتملص من جزء من المسؤولية، مشيرين إلى أن دمشق قد تكون اتخذت هذه الخطوة لسببين: الأول هو توجيه تهديد مبطن إلى بعض الجهات الإقليمية الضالعة في عمليات تهريب المخدرات عبر الأراضي السورية مستغلة الأوضاع الأمنية المتدهورة، وأن دمشق تمتلك معلومات حول هذه الجهات وأدوارها في تصنيع المخدرات وتهريبها وأنها قد تكشف عن هذه المعلومات في أي وقت.
ويقود هذا إلى الحديث عن السبب الثاني وهو أن دمشق تحاول خطب ودّ بعض الدول العربية، لا سيما الخليجية من خلال الإشارة إلى وجود دول إقليمية ضالعة في تهريب المخدرات، اذ لا تخفي العديد من الدول أن إيران تلعب دوراً كبيراً في ملف تهريب المخدرات وهي مستفيدة منه، سواء لتمويل ميليشياتها أم لبث القلاقل وزعزعة الأمن في الدول المستهدَفة بالمخدرات. وقد يكون الاتهام الذي وجهته دمشق إلى دولة مجاورة جاء للتناغم مع وجهة نظر هذه الدول، أو على الأقل من أجل إشعار هذه الدول أن دمشق لا تتغافل عن متطلباتها.
وفي سياق هذه الرؤية، يعتقد بعض المراقبين أن لبنان قد يكون هو المقصود في الاتهام السوري الذي ورد في أعقاب ضبط شحنة متجهة من العراق إلى الأردن، الأمر الذي يفترض ضرورة استبعاد هاتين الدولتين. وبما أن تركيا لديها حدود طويلة مع العراق فلا تكون عصابات التهريب بحاجة إلى سلوك الطريق السوري للوصول إلى الأراضي العراقية، فلا يبقى إلا دولة لبنان لتكون هي المقصودة بالاتهام الذي وجهته دمشق. ومن المعلوم أن “حزب الله” توجَّه إليه اتهامات دولية كثيرة بضلوعه في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات، وأن لديه شبكات دولية تمارس الاتجار بالمخدرات في مختلف دول العالم، لا سيما في أميركا الجنوبية. كما يُتّهم أيضاً بضلوعه في عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها انطلاقاً من مناطق الجنوب السوري حيث يتمتع بنفوذ واسع.
وقد تكون دمشق وصلت إلى قناعة تامة بأنه لا سبيل أمامها إلا التماهي مع الجهود الإقليمية الرامية لإنهاء ظاهرة تهريب المخدرات، وبما أن بعض حلفائها قد لا يكونون على اتفاق معها حول هذه القناعة، لذلك اضطرت إلى توجيه الاتهام ليكون بمثابة رسالة الى هؤلاء بأنها جادة في جهودها وأن عدم التحاقهم بها لن يمنعها من الانخراط في جهود اللجنة الإقليمية لمكافحة المخدرات التي تتطلب وفق إعلان تشكيلها تبادل الخبرات والتدريب ومتابعة المعلومات السابقة واللاحقة، وتتبع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية.